افتتاحية صحيفة الغارديان البريطانية
ترجمة: عزام التميمي
مرحب بها، رغم تأخرها، تلك الأنباء التي تفيد بأن واشنطن علقت معظم دعمها لمصر. فهذه البلاد واقعة الآن في قبضة دكتاتورية بلغت من التوحش درجة غير مسبوقة في تاريخها المعاصر. فقد قتل ما يقرب من ألفي شخص حتى الآن منذ أن أطيح بالرئيس محمد مرسي في يوليو الماضي، ومايزال العدد مرشحاً للتزايد أسبوعاً بعد أسبوع. يوم الأحد الماضي وحده قتل ٥٧ شخصاً، ولا يقتصر العنف على اتجاه واحد، فالكنائس القبطية والمساجد تتعرض على حد سواء للحرق، ولقد انتشرت مؤخراً حوادث إطلاق النار على الجنود من قبل مسلحين يركبون سيارات أو يمتطون دراجات.
يمكن تفسير تردد باراك أوباما في وصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب بخشيته على أن يؤثر ذلك سلباً على تمويل اتفاقية كامب دافيد. فقد احتجت إسرائيل على وقف الدعم خشية أن يقلص الجيش المصري من عملياته في سيناء. فرغم أن الاتفاقية تنص بشكل رئيسي على إبقاء سيناء منزوعة من السلاح إلا أن أهم تجلياتها الآن تتمثل في التعاون العسكري الوثيق بين مصر وإسرائيل.
تظن إدارة أوباما أنها من خلال هذا الإعلان وجدت وسيلة للالتفاف على ما هي فيه من مأزق، وذلك من خلال تقليص جزء كبير من الدعم الذي تقدمه للجيش المصري، بما في ذلك الدبابات والطائرات المقاتلة وعموديات الأباتشي، بينما تبقي على دعم النشاط الاستخباراتي في سيناء. يعني ذلك أن مصر لم تعد واحدة من أكبر المستفيدين من الدعم الأمريكي، وسيبقى الحال على ذلك طالما استمر قمع العسكر للناس.
من المؤكد أن هذا القمع سيستمر. فبدلاً من الاستجابة إلى المطالب المتعددة بإطلاق سراح قيادة الإخوان المسلمين من السجن، صدر يوم الأربعاء عن وزير التضامن الاجتماعي قرار رسمي بحل أكبر منظمة غير حكومية في مصر، كما تم الإعلان عن أن الرئيس مرسي سيمثل للمحاكمة مع أربعة عشر آخرين بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين خارج قصر الرئاسة في ديسمبر من العام الماضي. وهذا يمثل قلباً لما جرى من أمور خارج القصر رأساً على عقب. فالإخوان المسلمون يقولون بأن معظم من قتلوا كانوا من أنصارهم وقد أكدت ذلك وزارة الصحة بعد أن نشر الإخوان قائمة بأسماء الضحايا.
لا يقل أهمية عن أحداث القتل وارتفاع أعداد المصريين الذين يضطرون إلى مغادرة بلادهم وكذلك إقرار عدد كبير من أولئك الذين عارضوا السيد مرسي من قبل، بما في ذلك محمد البرادعي، بأن البلاد تتجه نحو الفاشستية، لا يقل أهمية عن ذلك تحول لغة الكراهية إلى عملة رسمية. فالبلاد في حالة انشطار بين موالين وخونة. حيث يتم تصنيف معارضي الانقلاب العسكري على أنهم غير مصريين. ففي شريط فيديو تم تسريبه مؤخراً يقف المفتي السابق علي جمعة أمام جمهور يتصدر صفوفه الفريق عبد الفتاح السيسي وكبار قادة الشرطة ليقول: “ارم بالمليان. يجب علينا تطهير مدينتنا ومصرنا من هؤلاء الأوباش. إنهم لا يستحقون مصريتنا.”
مهما حاول، فلن يتمكن الفريق السيسي من احتواء الاحتجاجات المستمرة ضد استيلائه على السلطة. مصر في حالة إغلاق، واقتصادها في حالة نزف. وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تصدعا بالحق لأن الوضع لم يعد يحتمل.