في تطور جديد في القضية المعروفة بقضية “حماس” والتي اعتقلت الأجهزة الأمنية الأردنية 16 شخصًا على إثرها، استمعت الهيئة العسكرية لدى محكمة أمن الدولة خلال الجلسة العلنية التي عقدتها، يوم الثلاثاء 19 مايو 2015، إلى ثلاثة من شهود النيابة العامة من مرتبات الأمن العام، وفق وكالة الأنباء الأردنية بترا.
تهمة هؤلاء المعتقلين هي الاتصال بحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ومن بينهم أسرى محررين من سجون الاحتلال الاسرائيلي.
الحكومة الأردنية كانت قد أحالت في ديسمبر من عام 2014 إلى البرلمان قانون “مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، بهدف إقراره بما يتماشى مع ما يعرف بـ “مكافحة الإرهاب وتمويله”، وفي يناير من العام الجاري عدّل مجلس النواب الأردني القانون، لتجنب إدارج حماس كمنظمة ارهابية، بحسب نواب أردنيين.
ووفق وكالة الأناضول، صوت أعضاء المجلس حينها على مقترح تقدمت به النائب رولى الحروب يلغي نص المادة الرابعة في القانون الذي أحالته الحكومة للبرلمان، التي كانت تعتبر غسل الأموال وتمويل الإرهاب مطلقًا، دون تحديد الجهات الإرهابية التي يشملها القانون.
وقالت الحروب خلال الجلسة حينها “إن إقرار المادة على النحو الذي جاءت به الحكومة يعني اعتبار حركة المقاومة حماس حركة إرهابية، كما يعتبر تحويل الأموال من الأردن لأي مواطن في فلسطين تربطه صلة بحماس سواء بالانتماء أو القرابة لأحد أعضائها إرهابًا، وهو أمر لا بد من الانتباه له؛ ذلك أن الأردن مرجعه في ذلك قانون عربي استرشادي لا يعتبر حماس إرهابية”.
وصوّت أعضاء المجلس بالأغلبية على مقترحها بإضافة عبارة “تصنفها المملكة باعتبارها إرهابية” إلى نص المادة ليكون نصها كالتالي: “يحظر جمع الأموال أو تقديمها أو توفيرها أو نقلها من مصدر مشروع أو غير مشروع بأي وسيلة وبشكل مباشر أو غير مباشر بقصد استخدامها أو مع العلم بأنها ستستخدم كلها أو بعضها في ارتكاب أي عمل إرهابي أو من قِبل شخص أو منظمة إرهابية تصنفها المملكة باعتبارها إرهابية”.
إذن همت الحكومة حينها بتمرير القانون الذي قد تصنف من خلاله نشاطات الدعم لحماس على أنها نشاطات ارهابية وهو ما فطن له البرلمان وتضافر لتعديله.
كل ذلك كان يظهر عدم قبول حماس رسميًا لدى الأردن، وهو ما يعود بالعلاقة إلى أعوام الجمود، التي أعقبت إغلاق مكاتب حماس في الأردن عام 1999، وطرد أعضائها آنذاك، وهو ما اعتبره بعض المسؤولين الأردنيين لاحقًا بالخطأ والأمر “غير الدستوري”، والذي من المفترض تصحيحه.
السعودية الجديدة .. وآمال بانفراج بالعلاقة
يرى مراقبون أن تلك الحقبة تُعد هي ذروة تحالف ما يسمى بمحور الاعتدال الذي ضم آنذاك الإمارات ومصر والسعودية والأردن والذي كان يعادي تصاعد الإسلام السياسي والحركات الإسلامية ومنها حركة حماس.
إلا أن ملامح السياسة الخارجية السعودية قد تغيرت بعد تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم بحسب محللين، حيث سعى الملك إلى تشكيل تحالفات جديدة، أهمها مع قطر وتركيا، والاهتمام بإبعاد “الخطر الإيراني”، عوضًا عن التحالف مع كل من مصر والإمارات والأردن، والهجوم على الإسلام السياسي.
ولاح في الأفق انفراجًا في العلاقات بين السعودية وحماس، حيث قال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، إن هناك “انفراجات” في علاقة الحركة مع السعودية، وذلك بعيد تسلم الملك سلمان، ذلك الانفراج في العلاقة السعودية الحمساوية قد يولّد انفراجًا بين حماس ودول أخرى، من الممكن أن يكون الأردن أحدها.
ويؤكد الكاتب الأردني والخبير في السياسة الأردنية محمد أبو رمان أن الأردن ينتهج نهج التماهي والمد والجزر مع المزاجات الإقليمية والدولية ولا يهوى السباحة ضد التيار.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي رفع اسم حماس من قائمة المنظمات الإرهابية الأوروبية، أيضًا في 14 ديسمبر 2014، الأمر الذي قد يكسر ذلك البرود والقطيعة الحالية بين حركة حماس والأردن، بحسب محللين.
حماس: تحولات إيجابية لكن غير جوهرية
من جهته قال مشير المصري النائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني والمتحدث باسم حركة حماس، في حديث خاص لأردن الإخبارية، “إن بعض التغييرات في الأنظمة الحاكمة في المنطقة والتحالفات الإقليمية الجديدة كان له أثر إيجابي في العلاقة مع كثير من الدول ومنها الأردن”، وأضاف المصري: “لكننا لا نتحدث عن تحولات جوهرية في العلاقة”.
وأكد المصري أن العلاقة بين الأردن وحماس قائمة لكن الحركة تحرص على تقويتها وتطويرها وتوطيدها نحو الأفضل.
وأشار المصري إلى أن إستراتيجية حماس الثابتة في العلاقات هي الانفتاح الكامل على الدول العربية، مؤكدًا أن فلسطين قضية أمة والمطلوب من الدول العربية تحمل مسؤولياتها تجاهها.
وقال: “حماس دأبت على فتح آفاق العلاقات مع الدول وحرصت على أن تقف منها على مسافة واحدة”، مشيرًا إلى أن عدم تدخلها في شؤون الأردن والدول العربية الداخلية من شأنه أن يشجعهم على فتح علاقات معها، وأكد المصري أن أي فتور في العلاقات مع الأردن أو غيره لا يكون من طرف حماس، وذلك لانفتاحها بكل شفافية مع الجميع، وفق قوله.
وعن المستقبل في العلاقات الأردنية الحمساوية قال المصري: “لا غنى للأردن عن فلسطين ولا غنى لفلسطين وحماس عن الأردن”، معتبرا أنها علاقة توأمة بين الجسد والروح.
وشدد على أن تطور العلاقات مع الأردن هو ضرورة للعمل العربي المشترك ويصب في مصلحة قضية فلسطين، مشيرًا أنه من غير المقبول تراجع العلاقات مع الأردن وأن الحركة ستسعى دائمًا لتقويتها وتوطيدها.
العلاقة متأثرة بأزمات إخوان الأردن
من جهة أخرى، قال الكاتب والمحلل السياسي راكان السعايدة إن “علاقة الأردن بحماس تحكمها حالة الشد والجذب مع الإخوان المسلمين في الأردن، إضافة إلى موقف الأردن من الإخوان المسلمين بشكل عام وفق التصور الإمارتي والمصري والسعودي قبل التغييرات الأخيرة”، حسب تعبيره.
وأشار السعايدة إلى أن الموقف الأردني من حماس محكوم بالنظر للموقف الدولي من الإخوان المسلمين، إضافة إلى التحولات الإقليمية في المنطقة، وشدد السعايدة على أن الموقف الأردني من حماس مقرون إلى حد بعيد بعلاقة حماس مع الدول المتحالفة مع الأردن مثل مصر والإمارات، “والتي الآن تعد علاقة سيئة”، وختم حديثه قائلاً: “العلاقة بين الأردن وحماس إن لم تكن متصادمة فهي ليست ودية”، مضيفًا أن مستقبل العلاقة لن يكون ذات تسوية سياسية معتدلة.
ويرى الكاتب أنيس الخصاونة في مقال له نُشر في صحيفة السبيل أن سياسات الدولة الأردنية لطالما تعارضت مع الاتجاهات الشعبية والجماهيرية الأردنية.
وقال الخصاونة، “موقف الأردن من حماس وما أشيع من القيادات الإسرائيلية عن تحالف أردني مصري إسرائيلي ضد حماس مغاير تمامًا لرغبات واتجاهات السواد الأعظم من الأردنيين”.
النائب في البرلمان الأردني هند الفايز وفي تصريح نشره موقع الرسالة الفلسطيني قبل ثلاثة أيام، قالت إن الأردن أخطأ بإقصاء حماس وقطع العلاقة معها، مشيرة إلى أن السلطة الفلسطينية هي أول من حاربت الحركة وحرّضت عليها.
وأكدت الفايز أن “إعادة فتح قنوات سياسية بين الأردن وحماس أعادت للشعب بعضًا من الأمل، حيث إن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلّا بالقوة، ونحن بحاجة إلى حركة تخرج من نبض الشارع لتدافع عن أرضها وشعبها مثلها” في إشارة إلى حماس.
علاقة الأردن بحماس وصفت أنها كانت في أسوأ حالاتها عام 2006، وعادت لتتحسن في عام 2012 واعتبرت حينها صفحة جديدة في العلاقات بين الحركة والأردن إبان حكومة رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة، وعادت لتسوء وتفتر بعد ذلك، وبعض المراقبين يعدونها في شكلها الحالي “قطيعة سياسية”، رغم كل الآمال المستقبلية بانفراجها.
نُشر هذا المقال لأول مرة في أردن الإخبارية