العزيزة الغالية/ إسراء*
أكتب إليك وأنا أعلم تمامًا أن الكتابة الآن على وجه الخصوص فعل قلة حيلة، فعل أناني إلى حد كبير، أنا في الحقيقة لا أكتب إليك بل إلى نفسي، ذلك لأنني لا أستطيع تخيل أي أذى قد تتعرضين له من أول نظرة أمين شرطة قد لا يدرك شيئًا مما قد تقولينه دفاعًا عن نفسك في موضع لست متهمة فيه من الأساس إلى ضابط التحقيقات الذي قد يظن في لحظة أو في أغلب اللحظات أنه يملك أقدار الناس بين تاريخ وإمضاء بينهما حوار لا يمكن للمنطق ولا للطاقة أن تتحمله.
ولأنني أكتب بفعل الأنانية أخاف عليك من استعطاف الأصدقاء والأهل وأعرف ويعرفون كم كان الطريق طويلاً ومرهقًا وصعبًا عليك لتجاوز الإصابة، لكنني في الوقت ذاته ولحتمية الأمر هل لأحد أن يذكر الجميع بإصابتك التي تحاولين تجاوزها لما يفوق العام، وقفت بين احتمالي الأذى أشعر أن الإصابة قد تكون مفتاحًا للنجاة!
للأسف يا إسراء، يحدث كل شيء لأنه بمنتهى البساطة يحدث، يكتب صحفيًا عنك أنك تتبعين حزبًا أو طائفة بعينها، يكتب البعض عن إصابتك، يسأل البعض عن قيمة حريتك أمام بطش السلطة، والجميع يعلم أنك لا تهتمين بأي شيء، أن أقدامك ليس عليها سوى أن تحملك الآن، تحملك وحدك، وليس علي أحد أن يثقل عاتقك بما هو أكثر، أن كل شيء لا يهم وأن كل ما تريدين فعله فقط، أن تركبي دراجتك تمامًا مثل حالك قبل الإصابة، أن تجمعي دعسوقاتك في هدوء وتلاعبين “وودي”، وتحاولين جمع صديقاتك للفطور أو الخروج قبل المغيب لتلحقي بصورة لأصدقائك تطبعينها بجانب صور الأصدقاء أو تجمعيها في ألبوم مليء بأصدقائك الذين قد تكونين السبب في صداقتهم.
لا يعرف خاطفك شيئًا عن شعورك بالذنب حيال الأشياء البسيطة، لا يعرف شيئًا عن محاولاتك الدؤوبة للوقوف في ظهر أصدقائك أمام المحن، ربما لن يعرف كيف يبدو العالم والناس أجمل حين يمرون من عدستك، أو كيف كيف يأكل غيابك قلوب أصدقائك بغير رحمة قلقًا عليك، لن يعرف شيئًا سوى رقم في دفتر، في النهاية يعود الضابط والعسكري إلى أبنائهم آمنين لا يمسهم أذى، دون أن يمر بخاطرهم أبناء الناس.
أكتب إليك لأن احتمالية أي أذى قد يطولك تفوق احتمالي، يكتب الجميع عنك وأخاف الكتابة عنك فأكتب إليك، لأن هذا هو ما أفعله، هذا غاية حيلتي وما أستطيع فعله، كما قلت لك الكتابة فعل أناني للغاية، وإن كنت لا أملك سواها ولا أعرف ماذا يمكنني فعله عداها باختفائك، فعلى الأقل أفعل ما أستطيع فعله، فقلة حيلتي أفضل كثيرًا من ألا تكون لي حيلة على الإطلاق.
*إسراء الطويل هي فتاة مصرية، تكمل عامها الثالث والعشرين الشهر الجاري، تدرس الاجتماع، وتهوى التصوير وتحب الدعسوقات و”وودي” قطتها التي تفتقدها منذ تم اختطافها ليلة 1 يونيو بشكل عشوائي مع عدد آخر من الأصدقاء، ولا نعلم شيئا عن مكانها أو سبب الاختطاف حتي الآن.