ترجمة وتحرير نون بوست
في 1 يونيو، نشرت صحيفة الجارديان مقالة عنونتها “نظام الانتخابات الأكثر إجحافًا في العالم”، وكان النظام المقصود بالمقالة هو النظام الانتخابي التركي.
لا يمكننا إنكار أن هذه المادة الصحفية أتت في وقتها المناسب، الذي يتزامن مع بقاء عدة أيام لخروج الأمة التركية للإدلاء بأصواتها في صناديق الاقتراع في الـ 7 من يونيو الجاري، ولكن هل هذه الانتخابات عادلة؟
تنتقد المقالة النظام الانتخابي التركي لاعتماده على عتبة الـ 10% من الأصوات التي يحتاجها أي حزب للفوز بمقاعد في البرلمان، وترى المقالة أن هذه النسبة هي الأعلى من أي نظام انتخابي آخر، ولكن يبقى السؤال هنا، هل هذا هو السبب الجوهري الذي يجعل النظام الانتخابي التركي الأكثر إجحافًا في العالم؟
عرفت السياسة التركية عتبة الـ 10% في عام 1983، وذلك إبان انقلاب 1980، وقبل عامين من الآن، حاول حزب العدالة والتنمية الحاكم تقليص هذه العتبة، عن طريق اقتراحين قدمهما للبرلمان: الأول كان يقترح إلغاء نظام العتبة تمامًا، واعتماد نظام الانتخاب الفردي “التمثيل المباشر”، أما الاقتراح الثاني فكان يتضمن تعديل العتبة لتصبح بين 3 و5 في المئة، وتضييق التمثيل الإقليمي.
النظام القائم
الواقع أن أحزاب المعارضة رفضت كلا الاقتراحين، حزب الحركة القومية دافع عن النظام الانتخابي القائم، أما حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي، فقد اختار عتبة الـ 5% مع الاستمرار بالقوائم الحزبية القائمة، في حين أن حزب الشعوب الديمقراطي لم يستجب أساسًا للاقتراحين.
كان يمكن لحزب العدالة والتنمية الذي يمتلك الأغلبية المطلقة، أن يمرر قانون عتبة الصفر والتمثيل المباشر، ولكنه فضّل عدم القيام بذلك، إيمانًا منه بأن التوافق والإجماع بين جميع الأطراف التي تم تمثيلها كان أعدل طريقة لاتخاذ القرار.
وهكذا، لم تتغير العتبة الانتخابية، رغم رغبة حزب العدالة والتنمية بتغييرها، وبذلك بقي سؤال هل النظام الانتخابي التركي هو النظام الانتخابي الأكثر إجحافًا، بدون إجابة، علمًا أن أفضل إجابة على هذا السؤال جاءت من قِبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 2007، والتي حكمت في قضية يوماك وصادق ضد الحكومة التركية، بأن العتبة الانتخابية لا تخالف أحكام المادة 3 من البروتوكول 1 من الاتفاقية الأوروبية “الحق في انتخابات حرة”.
حقيقة إطلاق الاتهام بإجحاف النظام الانتخابي التركي من قِبل صحيفة بريطانية، بعد أقل من شهر على الانتخابات العامة البريطانية، هي حقيقة غريبة؛ ففي الانتخابات البريطانية الأخيرة، الحزب الذي فاز بـ4.7% من الأصوات (الحزب الوطني الإسكتلندي) حصل على 56 مقعدًا، في حين أن حزب الديمقراطيين الأحرار، وبعد أن حصل على 7.9% من الأصوات، فاز بثمانية مقاعد فقط، وحزب الاستقلال الذي ظفر بـ 12.9% من الأصوات، وهي ثالث أكبر حصة من التصويت، حصل على مقعد واحد؛ ومن الواضح جليًا بأن هذه النتيجة هي التي تبدو حقًا مجحفة وغير عادلة.
بالمجمل، لا يوجد نظام انتخابي عادل في جوهره بشكل مطلق، فسواء كان نظام الفائز الأول، أو نظام العتبة، أو أي نظام آخر، هناك مشاكل تشوب كل نظام تصويت، والطريقة العادلة الوحيدة هي العمل في إطار المنظومة الانتخابية المحددة، وقبول النتائج، سواء كانت تروق للبعض أم لا.
الغش
قبيل انطلاق الانتخابات التركية، تم قرع طبل آخر أيضًا، متمثل باحتمالية ممارسة بعض أعمال الغش يوم الانتخابات، على الرغم من أن الواقع يقول إن النظام الانتخابي التركي معمول به منذ ستينيات القرن الماضي، ويرجع له الفضل في كثير من الأحيان لضمان اكتساب الأحزاب المستضعفة لتأييد الشعب والحلول مكان الحزب الحاكم، وهذه الوقائع وقعت في التاريخ التركي عدة مرات، وأبرزها في عام 1983، عندما تم استبدال حزب المجلس العسكري “حزب الحركة القومية” الذي كسب 23% من الأصوات، من قِبل حزب الوطن الأم بقيادة تورغوت أوزال، بواقع 45% من الأصوات، كما يشهد التاريخ أنه في كثير من الأحيان فقد الحزب الحاكم الانتخابات لصالح أحزاب أقل تأثيرًا ولكنها تحظى بدعم أكبر من الشعب.
وفقًا لاستطلاع للرأي نُشر في صحيفة حوريت، تم تنفيذه من قِبل جامعة كوك وجامعة ولاية أوهايو، تبين “إن الغالبية العظمى من ناخبي المعارضة، حوالي 72%، لا يثقون بأن الأصوات سوف يتم إحصائها بشكل عادل في مساء يوم الانتخابات 7 يونيو، وعلى النقيض، 15% من أنصار حزب العدالة والتنمية يرون أن الأصوات سيتم احصائها بشكل عادل يوم الانتخابات”.
في الواقع، وقعت في حيرة عندما قرأت عبارة “على النقيض” في النص السابق، كون الإحصائيات تشير إلى أن نحو 18% من ناخبي المعارضة لا يعتقدون أن الأصوات سوف يتم إحصائها بشكل عادل، في حين أن 15% من مؤيدي حزب العدالة والتنمية يوافقونهم بهذا المعتقد، ومن الواضح أنه لا يوجد أي تناقض هنا؛ إذن، المشكلة هنا مشكلة بالصياغة، فالمستطلعون قلقون من محاولات تعمد وقوع الخطأ في إحصاء الأصوات إذا كان ذلك ممكنًا، ولكنهم ليسوا قلقين من غش واسع النطاق قادر على تغيير النتائج.
في الواقع، إذا فهمنا الكيفية التي يتم فيها احتساب الأصوات في تركيا، سيكون من الأسهل علينا حينها أن ندرك سبب مخاوف الطرفين؛ فالنظام الانتخابي التركي، يوجب صناعة صناديق الاقتراع من البلاستيك الشفاف، لمنع حشو صناديق الاقتراع بأوراق زائفة، ولكل صندوق انتخابي، يتم تأسيس لجنة صناديق اقتراع، وتتكون اللجنة من سبعة أعضاء، 2 من المدنيين، و5 ممثلين عن الأحزاب الرئيسية.
عقوبات صارمة
هذه اللجنة تتحمل مسؤولية التأكد من أن جميع الاستعدادات جارية وصحيحة في المراكز الانتخابية، مثل أوراق التصويت، صناديق الاقتراع، حجرة الاقتراع، وما إلى ذلك، ومنطقيًا، إذا حاول شخص ما حشر بعض أوراق التصويت في صندوق الاقتراع، أو التلاعب بالأصوات بأي شكل كان، فإن أعضاء الأحزاب الأخرى سيحولون دون تحقيق ذلك، فضلًا عن وجود عقوبات صارمة بحق أي شخص يُقبض عليه في محاولة للغش في عملية التصويت بأي شكل من الأشكال؛ مما يجعل حصول هذه العمليات نادر للغاية.
وبعد توقف التصويت وإغلاق الصناديق، وبالإضافة إلى هذه اللجان، يحق لكل حزب أو لكل مرشح مستقل أن يعين مراقبًا على كل صندوق اقتراع.
بعدها يتم احتساب عدد أوراق الاقتراع المستخدمة وغير المستخدمة ويتم تسجيلها، وتفتح لجنة الانتخابات الظروف، ويتم تسجيل البطاقات الباطلة (البطاقات التي تصوت لأكثر من حزب، أو التي تم الكتابة عليها، أو التي تم تشويهها)، ويتم التخلص منها، ولا تدخل في حساب الأصوات.
في هذ المرحلة يقع “الظلم” الذي يخشاه الناخبون الأتراك، حيث غالبًا ما يكون هناك محاولات من قِبل ممثلي أحزاب الأقلية، لإلغاء أوراق تصويت الأحزاب الأخرى، وهذه هي الممارسة الوحيدة “المجحفة” في الانتخابات التركية.
ولكن بجميع الأحوال، وبوجود ممثلين ومراقبين عن جميع الأحزاب، فإن هذه المحاولات لا تتجاوز إلغاء ورقة إلى ورقتي اقتراع في بعض صناديق الاقتراع، ولكي تكون هذه الممارسة واسعة النطاق بما يكفي للوصول إلى مرحلة الغش القادر على تغيير النتائج، فيجب أن تتواطأ جميع الأطراف المعنية، وفي حال حصول هذا التواطؤ لن يكون هناك أساسًا أي داعٍ لهذه الممارسة.
أخيرًا، يتم إرسال أي اعتراضات حول الأصوات لمجلس إقليمي، يتألف من قاضٍ وعضو من كل طرف (عادة ما يكون محامٍ)، وإذا لم تقتنع الأطراف بالنتيجة، يتم إرسال الاعتراضات إلى مجلس المحافظة، المشكّل بذات طريقة المجلس الإقليمي، وأخيرًا، إذا لم يقتنع الأطراف، يمكنهم الطعن أيضًا بالحكم عن طريق نقل الاعتراض إلى المجلس الأعلى للانتخابات، والمؤلف من 11 قاضٍ، مع ممثل عن كل حزب كبير في البلاد، ويمكن لهؤلاء الممثلين أن يطلعوا على جميع الوثائق، وأن يثيروا اعتراضاتهم، ويقدموا أدلتهم.
الفضائح السابقة
عندما يفكر المرء بالفضائح الانتخابية السابقة، بما في ذلك، على سبيل المثال وليس الحصر، الانتخابات الأمريكية عام 2002، مع إشكالات الغش في ولاية فلوريدا، وحقيقة أن أكثر من خبير أعلن أنه كان ينبغي أن يفوز آل غور بالانتخابات، وفضيحة روبوكول في كندا، حين تلقى الناخبون معلومات مضللة وخاطئة عن مراكز الاقتراع الخاصة بهم، أو حملات تطهير الناخبين (تصويت القتلى أو المجرمين) في ولاية فلوريدا، والتي وُجد فيها أن أغلب المصوتين لم يكونوا أمواتًا أو محكومين، بل غالبيتهم من الديمقراطيين أو من الأقليات، والرسائل التي بعث بها نيك كليغ وديفيد كاميرون إلى المساجد في بريطانيا، والتي تتضمن أنه نظرًا لحملة مكافحة الإرهاب، فعلى جميع المساجد جمع 500 جنيه إسترليني شهريًا للمساعدة في القضاء على داعش، عندها لن نُدهش كثيرًا بالضربات المؤلمة التي يتلقاها النظام الانتخابي في تركيا.
الانتخابات هي أوقات متوترة من حياة الأمة، تتأجج فيها عواطف الشعب، ولكن الشعب في تركيا يدرك حقًا أنه عندما يذهب إلى صناديق الاقتراع، فإن النتائج ستعكس بحق ما صوتوا له هناك.
حقيقة أن حزب العدالة والتنمية فاز في ثلاثة انتخابات عامة حتى الآن، ويتجه قدمًا نحو الفوز بالدورة الرابعة، هي حقيقة لم يسبق لها مثيل في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، ولكن هذا الواقع غير المسبوق لا يعني الغش والتزوير في الانتخابات، كما يحاول البعض تصويره.
ربما يصعب على المراقبين الخارجيين فهم سبب فوز حزب العدالة والتنمية بشكل مستمر، والجواب سهل، والكثير من الناخبين الأتراك سيؤكدونه لك، حزب العدالة والتنمية يفوز لأنه يفي بما تعهد به أمام الشعب.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية