ترجمة وتحرير نون بوست
فيروس الكورونا أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية واختصارًا “MERS”، والذي يودي بحياة أكثر من 30% من المصابين به، تم وصفه من قِبل مدير منظمة الصحة العالمية بـ “تهديد للعالم بأسره”، وحتى شهر مايو، كان معظم ضحايا الفيروس يقعون في المملكة العربية السعودية، ومن ثمّ قفز الفيروس فجأة إلى كوريا الجنوبية، التي أصبحت تقاتل الآن أكبر تفشي للفيروس خارج منطقة الشرق الأوسط.
على مدى الأسبوعين الماضيين، أصيب أكثر من 40 شخصًا في كوريا الجنوبية بالفيروس، وأغلقت المدارس أبوابها، وتم وضع حوالي 2000 شخص في الحجر الصحي أو تحت المراقبة، وعندما توفي رابع شخص نتيجة للفيروس هذا الأسبوع، أعلنت بلدية سيول “الحرب” ضد الكورونا.
حتى الآن، فيروس الكورونا أصاب في الغالب الأشخاص الذين يعملون في المستشفيات، أو الأسر التي كانت على اتصال وثيق جدًا مع المصابين، والمصاب الواحد عادة ما يعدي شخص واحد آخر، أو لا يعدي أحدًا على الإطلاق، ولكننا مازالنا نجهل الكثير عن فيروس الكورونا الذي تم اكتشافه في عام 2012، والخبراء لا يفهمون حتى الآن بالضبط كيف ينتقل من شخص إلى آخر، ولكن من المعروف أنه فيروس تنفسي قاتل، من عائلة فايروس السارس، الذي أصاب أكثر من 8000 شخص خلال الوباء العالمي لعام 2003، وبالتالي فإن احتمالية انتشاره خارج كوريا الجنوبية، وضع مسؤولي الصحة في العالم على أهبة الاستعداد.
خطورة الفيروس تكمن في قدرته الكبيرة على القتل
الصورة: معدلات الإصابة بفيروس كورونا منذ مارس 2012 وحتى مايو 2015
تم عزل فيروس الكورونا لأول مرة في مريض توفي في يونيو 2012، في جدة بالمملكة العربية السعودية، وحتى الآن انحصرت معظم حالات الإصابة بالفيروس داخل المملكة العربية السعودية، حيث يُعتقد أنه يعيش في مضيف حيواني متمثل بالخفافيش والإبل، ونادرًا ما ينتقل إلى البشر.
عندما يصيب الفيروس البشر، فقد يكون قاتلًا، ويبدو أن المرض ينتشر من خلال الاتصال الوثيق جدًا مع المريض، ولا سيما عن طريق السعال أو العطس، ومرضى الفيروس عادة ما يعانون من حمى، سعال، قشعريرة، التهاب الحلق، وألم في العضلات، وخلال الأسبوع الأول للإصابة، يمكن للمرض أن يتطور بسرعة إلى التهاب رئوي، وفي 40% من الحالات، تنتج الوفاة عن الإصابة بالفيروس، وعلى وجه التحديد من الحمى الشديدة والالتهاب الرئوي الذي يسببه.
حتى الآن، حالات الإصابة بالفيروس لم تتجاوز حدود المستشفيات أو العائلات التي تجمعها علاقة وثيقة مع المريض، حيث أشارت إحدى الدراسات، أن 26 مريضًا بالفيروس تم زيارتهم من قِبل 280 شخصًا استطاعوا نقل الفيروس إلى 4% فقط منهم، ويعتقد الخبراء أن السبب بذلك راجع إلى أن الإصابة بالفيروس تتطلب التعرض له لفترة طويلة من الزمن، ويبدو أيضًا أنه يصيب بالغالب كبار السن، أو أولئك الأشخاص الضعفاء تجاهه مناعيًا بسبب ظروف أخرى، مثل مرض السكري، أو السمنة، أو مشاكل في الجهاز التنفسي.
ولكن رغم كل هذه الإحصائيات، لا بد من الاعتراف بأن الفيروس مازال جديدًا نسبيًا بالنسبة للباحثين الذين لم يتعرفوا عليه إلا منذ بضع سنوات، وفي السنوات الثلاث الماضية، أصاب ما ينوف عن 1000 شخص، متسببًا بوفاة حوالي 400 حالة منهم، وتبقى الكيفية التي يقوم من خلالها الفيروس بالانتشار، والكيفية التي سيتحول ويتطور فيها جينيًا عندما يصيب عددًا أكبر من البشر موضع تساؤل مفتوح وبرسم الإجابة.
كوريا الجنوبية أحصت أكبر عدد إصابات بالكورونا خارج الشرق الأوسط
الصورة: مخطط انتشار فيروس كورونا في دول العالم يوضح أن كوريا تحمل أكبر عدد إصابات بالفيروس خارج الشرق الأوسط
ما يحدث في كوريا الجنوبية جذب الاهتمام الدولي، لأنها المرة الأولى التي يتفشى بها فيروس الكورونا خارج المملكة العربية السعودية بهذا الشكل الكبير؛ ففي مايو، عاد رجل يبلغ من العمر 68 عامًا كان يسافر في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى سيول، وطور بسرعة هائلة أعرض المرض، وتم تشخيص حالته بأنه مصاب بالفيروس في 20 مايو.
على الرغم من ظهور إصابات فردية أو ضمن مجموعات الصغيرة خارج منطقة الشرق الأوسط سابقًا، حيث تم تحديد إصابات بالفيروس في 25 بلدًا، بيد أن هذه المرة وصلت فيها الإصابات إلى أكبر عدد لها منذ أول ظهور للفيروس خارج منطقة الشرق الأوسط، حيث وصل عدد المصابين في كوريا الجنوبية إلى أكثر من 40 شخصًا، لقي أربعة حتفهم نتيجة لهذه الإصابة.
لم يقف الأمر عند كوريا، حيث تم الإعلان عن مريض مصاب بفيروس الكورونا سافر من كوريا الجنوبية إلى الصين أثناء مرضه، وفي 29 مايو، أكدت الصين أن المريض أظهر نتيجة إيجابية لاختبار فيروس الكورونا، وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن أي حالة أخرى بالصين، ولكن مع ذلك، عمد مسؤولو الصحة هناك إلى وضع بعض الأشخاص الذين يشتبه بتعاملهم مع المريض تحت الحجر الصحي كإجراء احترازي.
الآن كوريا والصين وجيرانهما في حالة تأهب قصوى لمنع انتشار الفيروس؛ ففي كوريا الجنوبية، تم وضع حوالي 2000 شخص تحت الحجر الصحي أو المراقبة، وأُغلقت أكثر من 1000 مدرسة، كإجراءات لوقف انتشار الفيروس، كما يحاول المسؤولون الحكوميون تعقب جميع الذين كانوا على اتصال مع المرضى المصابين، ومازال المئات من المصابين المحتملين بانتظار نتائج تحليل الفيروس.
من جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية من وجوب توقع حصول المزيد من الإصابات، ولكن في الوقت الراهن، لم تفرض المنظمة أي قيود على السفر أو التجارة ضمن كوريا الجنوبية.
لماذا ظهر الفيروس في كوريا الجنوبية؟
الكثير من الأشخاص جلبوا معهم فيروس الكورونا إلى بلدان كثيرة في العالم من قبل، ولكن هذه الحالات لم تتفشَ بشكل كبير، وتم احتواءها بسرعة، فلماذا كوريا الجنوبية لديها الآن أكثر من 40 حالة إصابة؟
أحد الأسباب هو أن المريض الأول الذي وصل إلى كوريا وهو يحمل هذا المرض، بقي بدون تشخيص لمدة أسبوع، وفي هذه الفترة زار أربعة مرافق رعاية صحية، ونشر الفيروس ضمنها، وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن مجموعة من الهفوات في ممارسات مكافحة العدوى حدثت في المراكز التي عولج بها هذا المصاب، حيث تشير الإحصائيات على وجه التحديد، أن 30 حالة من أصل 41 حالة في كوريا الجنوبية، أصيب بها مرضى في المستشفى حيث مكث المصاب الأول، وكما جاء في مقال طبي بمجلة ساينس “هذا المزيج من العوامل يساعد الفيروسات مثل فيروس كورونا على الانتشار، ففيروس السارس، الذي يرتبط بشكل بعيد مع الكورونا، انتشر على نطاق واسع في عام 2003، نتيجة لوضع أنابيب الشعب الهوائية في صدر المرضى لتنفيذ التنفس الصناعي، وهو الإجراء الذي سبب انتشار الفيروس حينها”.
بالإضافة إلى ما تقدم، لعبت عوامل الثقافة الاجتماعية أيضًا دورًا في انتشار المرض بكوريا الجنوبية، ففي هذه البلاد، من الشائع بالنسبة لأفراد عائلة المرضى أن يقيموا بالقرب من غرف المستشفى للمساعدة في تمريض مرضاهم.
بشكل عام، لا يستبعد الخبراء احتمالية أن يكون الفيروس قد تطور ليصبح معدٍ بشكل أكبر بين البشر، وفي الوقت الراهن، يبدو أن المرض لم ينتشر أبعد من المستشفيات في كوريا الجنوبية، علمًا أن المستشفيات هي مكان الانتشار النموذجي لهذا الفيروس، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية “ليس هناك أدلة تشير إلى الانتقال المستدام للفيروس بين البشر في المجتمعات المحلية، كما لا يوجد أي دليل على انتقاله عن طريق الهواء، ولكن مع ذلك، فيروس الكورونا هو مرض حديث نسبيًا، لذا فإن ثغرات المعلومات في هذا المجال يجب أخذها بعين الاعتبار”.
فيروس الكورونا لا يزال غامضًا، ويوجد إمكانية لتحوله إلى وباء عالمي
عندما تم اكتشاف فيروس الكورونا، فزع المجتمع الصحي العالمي لثلاثة أسباب رئيسية، لأنه فيروس فتاك وقاتل والكثير من المعلومات حوله لاتزال غامضة ومجهولة، ولأنه يصيب الجهاز التنفسي، وبالتالي ليس من المستبعد أن ينتقل عن طريق الهواء، ولأن الدول التي تأوي معظم الحالات لم تُظهر شفافية كافية في تبادل المعلومات حول تفشي المرض، ولم تبلّغ المجتمع الصحي العالمي عن الإصابات على وجه السرعة؛ فعلى سبيل المثال، الحالة الأولى لفيروس الكورونا حدثت في يونيو 2012، ولكن السعودية لم تفصح عنها حتى سبتمبر، وهو تأخير أزلي في عالم الأمراض المعدية.
جميع المخاوف مازالت مستمرة حتى اليوم، أي بعد ثلاث سنوات من اكتشاف الفيروس، حيث لم يستطع المجتمع الطبي العالمي إيجاد طريقة علاج محددة أو دواء معين لإيقاف انتشار الفيروس.
الباحثون مازالوا حتى اليوم غير قادرين على فهم بعض الأساسيات عن الفيروس، فهم لا يعرفون على وجه التحديد كيفية انتشاره، ولم يحددوا بعد مضيفه الحيواني، على الرغم من أنه يوجد شكوك حول كون الخفافيش والإبل تحمل هذا الفيروس، كما أن طريقة الانتقال الدقيقة للفيروس ما بين الحيوان إلى الإنسان لاتزال غير واضحة، وهذا يعني أنه يمكن أن يكون التعرض البسيط للحيوان قادر على نقل هذه الإصابة، أو قد يكون التعرض المكثف للحيوان هو سبب الإصابة، مثل شرب حليب الإبل المصابة.
بالإضافة إلى ما تقدم، لايزال من غير المعروف المدة التي يبقى فيها المصابون البشر قادرين على نقل العدوى إلى غيرهم، كما أنه من المعروف أيضًا قوة الفيروس، وأفضل السبل للتعامل مع الأشخاص الذين يعانون من المرض، زد على ذلك عدم معرفة الطريقة التي قد يتطور ويتحول بها الفيروس جينيًا عندما ينتشر بين مجموعات كبيرة من البشر؛ لذا، فإن فيروس الكورونا من الناحية النظرية، قد يكون أكثر قابلية للانتقال بين البشر، مما يزيد خطر تحوله إلى وباء فيروسي عالمي.
أخيرًا، ولتقييم خطورة الموقف، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن إجراء مهمة مشتركة مع مسؤولي الصحة في كوريا الجنوبية، كما أعضاء من المجتمع الصحي العالمي سيراقبون موسم الحج في سبتمبر المقبل، حيث سيجتمع حوالي 3 ملايين مسلم من جميع أنحاء العالم في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، فإذا استطاع فيروس الكورونا التحول جينيًا ليصبح أكثر قابلية للانتشار بين البشر، يمكن لموسم الحج أن يكون بمثابة حدث مرعب لزيادة انتشار الفيروس عالميًا.
المصدر: فوكس