بدأ الأتراك منذ الساعة الثامنة صباحًا بتوقيت إسطنبول، اليوم الأحد، في التوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت في انتخابات برلمانية هي الأشد تنافسية منذ أكثر من عشر سنوات، قد تمهد السبيل إلى اكتساب الرئيس طيب أردوغان صلاحيات جديدة ضمن نظام رئاسي، أو قد تنهي هيمنة حزب العدالة والتنمية الحاكم على المشهد السياسي في البلاد، ويحق لأكثر من 53 مليون ناخب تركي التصويت في الانتخابات التي يتنافس فيها 20 حزبًا سياسيًا و165 مرشحًا مستقلاً للوصول إلى 550 مقعدًا في البرلمان.
على أجندة الحزب الحاكم، ذي الأكثرية المتوقعة في البرلمان القادم، قضيتين رئيسيتين للعمل عليها: الأولى تتعلق بمحادثات السلام مع الأكراد، والتي قطعت فيها حكومة العدالة والتنمية شوطًا كبيرًا، والثانية هي إقرار الدستور الجديد للبلاد، ومن ثم البدء في تطبيق النظام الرئاسي بدلاً من البرلماني الذي أُقر بعد الانقلاب العسكري في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
وللمفارقة، فإن وجود تمثيل كردي معتبر في البرلمان القادم، عبر فوز حزب الشعوب الديموقراطي بنسبة تتجاوز 10% أو 55 مقعدًا في البرلمان، يعني بشكل أو بآخر تعرقلاً في عملية السلام مع الأكراد، لكن تخوفات المحللين الأتراك من عدم وصول الحزب إلى البرلمان تتمحور حول القلق من انغلاق المجال السياسي أمام المجتمع الكردي وبالتالي ارتفاع احتمالية لجوء قطاعات واسعة من الأكراد إلى العنف.
هذه الاحتمالية لا تبدو مستبعدة لسببين رئيسيين: الأول هو الموقف المتطرف – الإرهابي في بعض الأحيان- من أفراد وحركات تركية مناهضة للأكراد، والتي كان من ضمن عملياتها الانفجار المزدوج الذي استهدف تجمعًا لحزب الشعوب الديموقراطي قبل يومين من بدء التصويت في محافظة ديار بكر، جنوب شرق تركيا، وهو التفجير الذي أدى لمقتل 4 أشخاص وجرح عشرات آخرين، السبب الآخر والذي يُرجح إمكانية لجوء شرائح كردية للعنف هو رفض أحزاب المعارضة الرئيسية في تركيا (حزب الشعب الجمهوري الذي أُنشئ على يد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، وحزب الحركة القومية الذي يرأسه السياسي دولت بهتشلي) لعملية السلام مع الأكراد، والتي وصفها أحد قيادات حزب الحركة القومية بأنها “ظلم لجميع الأتراك”.
عملية السلام شديدة الأهمية لتركيا، فالتمرد الكردي الذي قاده حزب العمال الكردستاني تسبب على مدار عقود في مقتل أكثر من 40 ألف تركي وخسارة الاقتصاد لأكثر من تريليون دولار.
ولتمرير أجندته في البرلمان، يحتاج حزب العدالة والتنمية إلى الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان، أو إلى إقناع الثلثين (367 عضوًا) بدعم خططه، لكن لأن هذا الأمر يبدو مغرقًا في التفاؤل، فالدستور التركي ينص على أنه يمكن لثلاثة أخماس الأعضاء (60% أو 330 عضوًا) أن يطالبوا باستفتاء شعبي لتمرير مقترحاتهم التي لا يقرها البرلمان بالأغلبية المريحة.
ويتولى حزب العدالة والتنمية الحكم منذ عام 2002، ومن المتوقع أن يصبح مرة أخرى أكبر حزب حتى الآن، ولكن الفوز بأغلبية سيعتمد على عدم تخطي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لعتبة الـ 10% اللازمة لدخول البرلمان.
العدالة والتنمية يحتاج لأكثر من 50% من الأصوات لتشكيل حكومته منفردًا (276 مقعدًا)، وهو ما لا تضمنه له استطلاعات الرأي الآن، ولذلك فإن رهان مؤيدي الحزب يكمن في عدم تجاوز الشعوب الديموقراطي حاجز 10%.
وتشير استطلاعات الرأي إلى إمكان حصول الحزب الذي يرأسه صلاح الدين ديمرتاش على 8- 11% من أصوات الناخبين، وتأمل المعارضة التركية أن يتجاوز الحزب 10% من مجموع الأصوات لكسر هيمنة العدالة والتنمية.
لكن إذا لم يستطع حزب الشعوب الديموقراطي تجاوز تلك النسبة، فإن الأصوات التي حصل عليها تذهب تلقائيًا للحزب الأكثر شعبية في الدوائر التي يخوض فيها الانتخابات، وغالبًا ما يكون ذلك الحزب هو العدالة والتنمية، الذي دومًا ما يكون خيارًا ثانيًا لنسبة كبيرة من الناخبين الأتراك.
التحديات التي يواجهها حزب العدالة والتنمية تتجاوز السياسة إلى الاقتصاد؛ فرغم استطاعة الحزب تجاوز الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي عصفت بالاقتصاد العالمي، ووصل بمعدل النمو في البلاد إلى نسب غير مسبوقة، وبحجم الاقتصاد إلى أكثر من 800 مليار دولار للمرة الأولى، إلا أن قيمة الليرة التركية انخفضت خلال الأشهر الماضية مسجلة أدنى مستوى لها منذ سنوات.
ويراقب الانتخابات عشرات الآلاف من المراقبين والمحامين الذين عينتهم الأحزاب المختلفة في كل الدوائر الانتخابية في الـ 81 محافظة في تركيا، وهو ما يرسل بإشارات إيجابية، لكنه يعكس أيضًا مخاوف من حدوث تلاعب ببعض النتائج التي سنستطيع معرفتها مساء اليوم.
جدير بالذكر أن العدالة والتنمية كان قد حقق نتائج مفاجئة بفوزه بـ 46% من الأصوات في الانتخابات البلدية الأخيرة التي أُجريت خلال العام الماضي.
ويمكنكم الاطلاع على الملف الشامل عن الانتخابات التركية على نون بوست عبر الضغط هنا