تشهد تركيا اليوم الانتخابات البرلمانية وسط زحام من التوقعات والتنبؤات المختلفة بخصوص نتائج الانتخابات التي من المتوقع أن تفتح صفحة جديدة في تاريخ تركيا الحديث، وتعتبر هذه الانتخابات استثنائية ومختلفة عن الانتخابات البرلمانية السابقة لكون السيناريوهات التي تحيط بهذه الانتخابات كثيرة ومتباينة، وقد خصصنا هذه المقالة من سلسلة مقالاتنا عن الانتخابات التركية لدراسة أهم السيناريوهات المرتبطة بنتائج الانتخابات وتأثيرها على شكل الحكومة القادمة.
هناك العديد من المتغيرات التي تؤثر على نتائج الانتخابات البرلمانية التركية ومنها احتمالية تخطي حزب الشعوب الديمقراطي عتبة الـ 10% اللازمة لدخول البرلمان، لأن احتمالية النجاح أو الفشل كفيلة بإنتاج واقع برلماني مختلف وبالضرورة شكلاً حكوميًا مختلفًا، والأمر الثاني هو النسبة التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية وأحزاب المعارضة سواء حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري، حيث تأتي هذه الانتخابات بعد أحداث عديدة من المتوقع أن تؤثر على نسبة حزب العدالة والتنمية وعلى نسب أحزاب المعارضة.
القسم الأول من السيناريوهات يكمن في عدم قدرة حزب الشعوب الديمقراطي تخطي عتبة الـ 10% وينتج عن ذلك وفق النتائج الأخرى للأحزاب عدة سيناريوهات منها:
1- فشل حزب الشعوب الديمقراطي في الحصول على نسبة الـ 10% وفي ذات الوقت عدم ارتفاع نسبة أصوات حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري وحصول حزب العدالة والتنمية على عدد مقاعد 330 أو أكثر، وتعتبر هذه الحالة مثالية لحزب العدالة ولرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لأنها ستعتبر كفيلة برلمانيًا لتنظيم استفتاء شعبي بخصوص النظام الرئاسي وتغيير الدستور.
2- فشل حزب الشعوب الديمقراطي في تجاوز نسبة الـ 10% وازدياد نسبة أصوات أحزاب المعارضة وانخفاض مقاعد حزب العدالة والتنمية إلى 300 مقعد أو أكثر قليلاً وفي هذه الحالة سيبقى حزب العدالة والتنمية قادرًا على إنتاج حكومة قوية ولكن غير قادرعلى إجراء التغييرات الدستورية منفردًا أو عن طريق استفتاء شعبي إلا من خلال تحالفات داخل البرلمان، وهذه الحالة تعتبر تقوية لرؤية شرائح العدالة والتنمية الذين يؤمنون بالنظام البرلماني وتقوية لرئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة أحمد داود أوغلو.
أما احتمالية أن يستطيع حزب العدالة والتنمية الحصول على 367 مقعدًا أو أن تستطيع أحزاب المعارضة أن تحصل على نسبة أصوات كفيلة بخفض مقاعد العدالة والتنمية إلى أقل من 290 في حال فشل حزب الشعوب الديمقراطي في تجاوز عتبة الـ 10% فهذا يبدو مستبعدًا جدًا ولا وجود لقرينة له على أرض الواقع.
قسم السيناريوهات الثاني ويكمن في تخطي حزب الشعوب الديمقراطي حاجز 10% وقد ينتج عن ذلك عدة سيناريوهات مرتبطة بنسب الأحزاب ومنها:
1- حصول حزب العدالة والتنمية على أقل من 300 مقعد ولكن ليس أقل من 276 وفي هذه الحالة سيكون باستطاعتهم تشكيل حكومة بشكل منفرد، ولكن ستكون حكومة بأغلبية ضعيفة لن تستطيع تحقيق الأهداف المرسومة التي يسعى إليها حزب العدالة والتنمية وقد يلجأ حزب العدالة والتنمية إلى التحالف مع حزب آخر لمحاولة تحقيق استقرار في الفترة القادمة.
2- حصول حزب العدالة والتنمية على أقل من 276 مقعدًا داخل البرلمان وهذا يعني استحالة تشكيل الحكومة بشكل منفرد وبالتالي سيسعى إلى تحالفات أو الخروج من مشهد الحكومة ولعب دور المعارضة مختارًا أو مرغمًا، وسنحاول الآن شرح احتمالات التحالفات التي قد يسعى إليها حزب العدالة والتنمية مع الأحزاب الأخرى:
أولاً: التحالف مع حزب الحركة القومية
يعتبر التحالف مع الحركة القومية أكثر الفرص وضوحًا والتي قد يلجأ إليها حزب العدالة والتنمية مضطرًا في حال لم يتثن له تشكيل الحكومة بشكل منفرد، إلا أن التحالف مع الحركة القومية قد يكون له تأثيرات كبيرة على أهداف حزب العدالة ومنها: أولاً التحالف مع حزب الحركة القومية يعني بشكل أو بآخر تراجعًا في الملف الكردي وعملية السلام التي يجريها الحزب مع حزب العمال الكردستاني، والأمر الأهم هو تأثير السياسة القومية لحزب الحركة القومية على سياسة الانفتاح التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية تجاه الشرق والغرب، ومن المرجح أيضًا أن يؤثر هذا التحالف على المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن انضمام تركيا وخصوصًا بشأن ملف قبرص وكذلك قد يؤثر على بعض سياسات الدولة التركية تجاه قضايا المنطقة ومنها القضية السورية ووضع اللاجئين.
ثانيًا: التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطية
رغم التصريحات المتباينة من الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي بشأن التحالف مع حزب العدالة والتنمية، حيث صرح في إحدى المقالات بأنه من المستحيل أنه يشارك حزبه في تحالف مع حزب العدالة والتنمية وفي تصريح آخر أكد أن موضوع التحالفات لم تناقش في دوائر الحزب وأن أي قرار بالتحالف سيأتي بعد إعلان نتائج الانتخابات، إلا أنه من الممكن أن يستعيض حزب العدالة والتنمية عن حزب الحركة القومية ويختار حزب الشعوب الديمقراطي حليفًا له في تشكيل الحكومة، وهناك جملة من الأسباب قد تدفع حزب العدالة والتنمية إلى ترجيح حزب الشعوب الديمقراطية ومنها: أولاً كون الحزب مستجد على الساحة السياسية فإن تكلفة التحالف لن تكون كبيرة خصوصا على شكل إدارة الدولة، وثانيًا محاولة التخفيف من حدة التوترات التي يشهدها الشارع التركي عمومًا والمناطق الكردية على وجه الخصوص، وثالثًا الاستفادة من التوجه الديمقراطي لحزب الشعوب الكردستاني خصوصًا في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حيث سيتيح التحالف لحزب العدالة والتنمية فرصة للمناورة وإعادة تشكيل صورته التي تأثرت كثيرًا في الغرب، إلا أن هذا التحالف يواجه عقبات ومنها البعد الفكري بين الحزبين حيث يعتبر حزب العدالة حزبًا محافظًا – نيو ليبرالي – ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي حزبًا يساريًا ليبراليًا ولذلك قد تشهد الحكومة اضطرابًا فيما يتعلق بالسياسات وخصوصًا الاقتصادية منها وما يتعلق بحقوق الإنسان، وثانيًا إمكانية إعادة تشكيل لرجالات الدولة العميقة، حيث يتهم حزب الشعوب الديمقراطي بتحالفه مع جماعة غولن وكذلك بعلاقاته مع بعض الجهات الأجنبية.
ثالثًا: التحالف مع حزب الشعب الجمهوري
يعتبر حزب الشعوب الديمقراطي أبرز خصوم حزب العدالة والتنمية وأكبر أحزاب المعارضة التركية، ورغم التوتر الشديد والمستمر بين الحزبين ورغم التراشقات الإعلامية التاريخية بين الحزبين، إلا أنه من الممكن أن ينشأ تحالفًا بين الحزبين خصوصًا وأن الحزبين ورغم اختلافهما في قضايا عديدة إلا أنهما يمتلكان نقاطًا مشتركة في الاقتصاد وفي بعض التوجهات الخارجية، وقد صرح أحد مرشحي حزب الشعب الجمهوري في مدينة إسطنبول بوجود احتمالية للتحالف مع حزب العدالة والتنمية، ويعتبر تحالف أكبر حزبين في تركيا رغم الصعوبات التي تواجهه ومنها نقل المعارك بين الجانبين إلى دوائر الحكومة وصناع القرار إلى أنها ستحظى بثقة عالية من البرلمان وقد تؤدي إلى تقريب وجهات النظر وتخفيف حدة التوتر خصوصًا في المسائل الثقافية.
حزب العدالة والتنمية في المعارضة
إذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية تشكيل أي تحالف مع أحد الأحزاب الأخرى فإنه من الممكن سواء من خلال تحالف الأحزاب الثلاثة الأخرى في البرلمان وهي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي لتشكيل الحكومة أو من خلال قرار من داخل العدالة والتنمية بتعليق المشاركة في الحكومة.
1- تشكيل الأحزاب للحكومة
يبدو هذا الاحتمال بعيد المدى وخصوصًا للخلافات الكبيرة بين رؤى الأحزاب المشاركة في هذا التحالف وخصوصًا حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ولكن قد يجتمع الأحزاب الثلاثة في مواجهة حكومة العدالة والتنمية وإن كان هذا الاحتمال بعيدًا كما ذكرنا.
2- قد يلجأ حزب العدالة والتنمية إلى عدم التحالف مع أي حزب وترك المجال للأحزاب الثلاثة في تشكيل تحالف باعتقاده قد يكون تحالف ركيك وغير قادر على الاستمرار والذي سيعني اللجوء إلى انتخابات برلمانية مبكرة أو إعادة تشكيل حكومة بقيادة العدالة والتنمية بالاشتراك مع أحد الأحزاب الأخرى.
3- الاحتمال الأكثر صعوبة: فشل جميع الأحزاب في تشكيل الحكومة أو إفشال حزب العدالة والتنمية عملية إنشاء الحكومة مما سيستدعي بعد 45 يوم من إعلان نتائج الانتخابات قرارًا من رئيس الجمهورية باللجوء لانتخابات مبكرة.
وتبقى النتائج التي ستظهر مساء هذا اليوم كفيلة بتحديد مسار المرحلة القادمة وسيعلن أحد السيناريوهات واقعًا في البرلمان القادم.