ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
تزامنًا مع زيارة بابا الفاتيكان للبوسنة، بعد أن كان قد قام بعدة زيارات رمزية لدول أخرى، تُطرح مسألة “أسس دبلوماسية الفاتيكان”، والتحديات التي تواجهها، خاصة في الشرق الأوسط.
يقول بسمارك: “إن الدبلوماسية بدون سلاح مثل الموسيقى بدون آلات عزف”، وتبين هذه الجملة أول تحد تواجهه دبلوماسية الفاتيكان في العصر الحالي، كيف يمكن التأثير في قضايا السلم والحرب بدون وجود قوة عسكرية مهابة؟ بالإضافة إلى تحد آخر هو: ما هي المعايير التي تحدد إن كانت الحرب عادلة أم لا؟
وأخيًرا هنالك تحد أكبر في القرن الـ 21 ، كيف يمكن تحويل الدين من مطية يعتمدها البعض لبث الكراهية والعنف إلى وسيلة لنشر السلام والمحبة؟
وتتمتع دولة الفاتيكان، التي تعد الأصغر في العالم، بقوة دبلوماسية كبيرة، ترتكز على السلطة المعنوية والروحية التي تحظى بها، بالإضافة إلى وجود أكثر من مليار مؤمن حول العالم يتبعون تعليماتها.
كما تعتمد هذه الدولة على شبكة ضخمة من المراسلين في كل أنحاء العالم، بفضل أنشطة رجال الدين، والسفراء الذي يبلغ عددهم 180 حول العالم؛ ما يعطي لهذه السلطة القدرة على التصرف بشكل سريع وميداني، كما أن هذه الدولة البابوية تستلهم قوتها من وجود الدبلوماسي الأكثر حظوة في العالم على رأسها: البابا.
حرية البابا
إذا كان البابا قادرًا على التحدث مع أي رئيس دولة بكل ندية، فإن تحركاته، تمامًا مثل هامش المناورة لديه، تختلف تمامًا عن رجال السياسة؛ فهو لا يحمل على عاتقه التزامات متعلقة بالديمقراطية والبرامج الانتخابية أو المصالح الخاصة، ورغم أنه مطالب باحترام مبادئ الاستمرارية والاستقرار في الكنيسة، فإن البابا يتمتع بعلاقات دولية مميزة جدًا، تمكنه من التدخل في القضايا الشائكة والمهمة، مثل قضية تغير المناخ، والحرب في سوريا والعراق، ومكافحة الفقر، أو حتى استعمال وسائل منع الحمل، دون أن يعقب أحد على مواقفه، ويمكنه أيضا لعب دور مهم كوسيط أو كحكم في النزاعات التي تطرأ.
ويذكر كريستوف ديكاس المؤرخ والصحفي المتخصص في المسيحية الكاثوليكية، بأن أول قضية كانت تدافع عنها الكنيسة منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، هي مسألة حرية ممارسة الشعائر الدينية للكاثوليك حول العالم.
كما يقر ديكاس بأن دبلوماسية الفاتيكان لا تتمتع بكل الأسلحة اللازمة للعب دور فاعل، ولكنها تحوز على قوة معنوية كبيرة، بينما تغيرت قوتها السياسية على مر القرون، حسب الظروف والعلاقة بين الكنيسة والدولة.
ويقول هذا المؤرخ الذي ألف “معجم الفاتيكان”: “مرت عصور كانت فيها سلطة البابا تضاهي سلطة الملوك، ولكن منذ فترة، اقتنعت الكنيسة بالاقتصارعلى لعب دور معنوي، ولكن تحركاتها الدبلوماسية تحظى بقدر كبير من التقدير لسببين هما: أنها على إطلاع جيد بكل قضايا العالم، وأنها تعتبر محايدة إلى حد كبير؛ لذلك يمكن للكنيسة أن تلعب دور الحكم في العلاقات الدولية”.
وكمثال على ذلك، قام البابا يوحنا بولس الثاني بالتدخل لنزع فتيل أزمة اشتعلت بين الشيلي والأرجنتين بسبب نزاع حدودي، كما قام الفاتيكان بالتدخل لتسهيل إطلاق سراح الجنود البريطانيين الذين احتجزتهم إيران في مياهها الإقليمية، وهو جعل ملكة بريطانيا تستقبل البابا بينيدكت السادس عشر.
كما تعتبر دولة الفاتيكان عضوًا في عدة منظمات دولية، وهو ما يشير إلى رغبتها في أن تكون قوة فاعلة على الصعيد العالمي، ولكن البابا لا يعتمد على مبادئ القانون الدولي عند الحديث عن الحرب والسلام؛ فالبابا فرنسيس على سبيل المثال يستشهد دائما بنصوص دينية قديمة عند إصدار حكم حول مدى عدالة أي حرب دائرة، وكانت آخر مرة دعا فيها البابا إلى الحرب المقدسة، حرب ليبانت خلال القرن السادس عشر بين الدولة العثمانية والتحالف الأوروبي، التي دعا فيها البابا بيوس مختلف ممالك أوروبا للتوحد لمواجهة قوة العثمانيين.
ويقول كريستوف ديكاس، بالنسبة للصراع الدائر للشرق الأوسط، يدعو البابا إلى تدخل دولي تحت غطاء أممي للتصدي لتنظيم داعش، لأنه يعتبر هذا التنظيم شرًا كبيرًا يهدد كل الإنسانية.
كما يدافع الفاتيكان عن رؤيته، التي تدعو إلى إنشاء تحالف بين أوروبا وروسيا وتركيا لمساعدة الشعب السوري، وفي هذا السياق يمكن فهم زيارة البابا فرنسيس الأخيرة لتركيا، فهو يتمنى أن تتبنى أنقرة موقفًا واضحًا إلى جانب القوى الغربية.
أما فيما يخص الوضع في العراق، فإن البابا يوحنا بولس الثاني كان معارضًا للتدخل الأمريكي في العراق في سنة 2003، لأنه كان يعتقد أن نتائج هذا التدخل ستكون أكثر كارثية من دوافعه، وقد أثبت الواقع الحالي أن توقعات البابا في محلها، بعد أن تضرر الشعب العراقي والمنطقة والعالم من الغزو الأمريكي ونشوب الفوضى في العراق.
وخلال عهد البابا يوحنا بولس الثاني، كانت دبلوماسية الفاتيكان موجهة خاصة لمواجهة الشيوعية، ولكن اليوم أصبحت محاربة الحركات الدينية المتشددة هي الأولوية بالنسبة للمؤسسة البابوية، في إطار سعي الكنيسة لحماية مسيحيي الشرق الأوسط.
ويسعى البابا فرنسيس اليوم للاضطلاع بمهمتين في الشرق الأوسط: الدعوة إلى السلام والتعايش المشترك بين مختلف الطوائف، ومحاربة التطرف الديني بالكلمة والموعظة، وهو يسعى لجعل الدين حلاً للمشاكل العالقة عوض أن يكون سببًا لإثارة المشاكل والكراهية بين الطوائف، كما يدعو إلى الصلاة من أجل أن يحل السلام، بينما ترتكب أفظع الجرائم باسم الدين، وربما كانت هذه نقطة ضعف دبلوماسية الفاتيكان ونقطة قوته في نفس الوقت.
وينتظر أن يستقبل البابا فرنسيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاشر من يونيو القادم في مدينة الفاتيكان، وتعد هذه المرة الثانية التي يستقبل فيها هذا البابا الأرجنتيني الرئيس الروسي؛ ففي 13 نوفمبر 2013، زار بوتين الفاتيكان لمقابلة البابا بعد أن تم انتخابه من قِبل مجمع الكرادلة، خلفًا للبابا بندكت السادس عشر الذي استقال نظرًا لتقدمه في السن، وتأتي هذه الزيارة في سياق علاقات متوترة بين موسكو والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية.
كما تأتي زيارة البابا للبوسنة خلال هذه الأيام في سياق أمني حساس، حيث سيتم استقباله في سراييفو من قِبل أكثر من مائة ألف شخص، وهو ما يمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا للبوسنة، التي أصبحت في السنوات الأخيرة مسرحًا للعنف والجريمة والمجموعات المتطرفة.
فقبل شهر قام أحد المتشددين بمهاجمة مركز شرطة في البوسنة الشرقية وإطلاق الرصاص؛ ما أدى لقتل شرطي وجرح اثنين، وقد أقر مؤخرًا وزير الأمن البوسني بخطورة الوضع قائلاً: “يجب علينا أن نواجه الواقع، هنالك مشكلة وجود أنشطة إرهابية في البوسنة، وهي تكبر يومًا بعد يوم”، ولكن الأجهزة الأمنية طمأنت الفاتيكان وأكدت عدم وجود تهديدات معينة ضد البابا.
في القدس: البابا بولس الرابع (1978 ، 1963) يقابل البطريارك أثيناغروس في 4 يناير 1964 بمدينة القدس.
في الدار البيضاء، المغرب، مع الحسن الثاني، أعلن يوحنا بولس الثاني في 19 أغسطس 1985 أن “الاحترام والحوار يستوجبان الاحترام المتبادل لحرية ممارسة الشعائر الدينية”، كانت هذه أول زيارة للبابا لبلد مسلم.
البابا في كوبا، مع الرئيس السابق فيدال كاسترو، في 21 يناير 1998، وقال خلالها البابا إنه يجب على الولايات المتحدة رفع الحظر المفروض على جزر الكارايبي.
البابا يوحنا بولس الثاني في الجامع الأموي في دمشق، في 6 مايو 2001، وهو أول بابا يتلو الصلوات في مكان عبادة مسلمين.
المصدر: صحيفة لوريون لوجور