بدأ فرع تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم “داعش” في ليبيا بالتوسع على الأرض تزامنًا مع خوض التنظيم معارك فاصلة في العراق والشام، التنظيم في ليبيا كان في وضع كامن إلى حد ما إلى أن بدأ مؤخرًا في تعزيز نفوذه على الأرض، مع انتهاج استراتيجية التنظيم في سوريا وهي بسط النفوذ على أكبر مساحة من الأرض، فبعد السيطرة على مدينة سرت الليبية، والولوج إلى بعض أحياء مدينة درنة، يحاول التنظيم الآن التقدم باتجاه مصراته في حين أن نشاطه فعال في إقليم برقه، تزامنًا مع حالة الفوضى الحادثة بالبلاد.
التنظيم حاول الانطلاق في مدن بنغازي وطرابلس وأجزاء من الجنوب الليبي وذلك لإيجاد قاعدة انطلاق جديدة له في هذه الأوانة ليكون مركز عمليات التنظيم في الشمال الإفريقي، وهي نقطة حرجة أمام الغرب سيحاول التنظيم جاهدًا اقتناصها من بين الفصائل المتناحرة في ليبيا، ليثبت وجوده بها، ليكون لها دور محور في حياة التنظيم ربما الفترات القادمة، وليس فرعًا مبايع للتنظيم فحسب.
التنظيم استولى على قاعدة جوية قرب مدينة سرت منذ شهر عن طريق عملية عسكرية نفذها مسلحوه، وقبل ذلك في فبراير الماضي بدأ في بسط نفوذه على عدد من المؤسسات الحكومية في المدينة، تمهيدًا للسيكرة عليها بالكامل وهو ما قد كان، حتى أن التنظيم بات الآن يسيطر على مصدر المياه العذبة وشبكات ضخها لبقية المدن الليبية، وهو ما يعكس طبيعة تطور نفوذه في ليبيا عن السابق.
أنشطة التنظيم في نشأته كانت مقتصرة على الدعوة وتجنيد الأنصار فقط، فالتقارير القادمة في السابق عن أنشطة داعش في إقليم برقة كانت تقول إنها تقتصر على الدعوة والخدمات الطبيية للأهالي، وكذلك كان الحال في بنغازي حيث الاهتمام بالمساعدات الإنسانية، مع الإقلال من الدخول في النزاعات المسلحة.
داعش رأت الآن أن التوسع الاستراتيجي وفتح جبهة ليبيا بشكل أكبر هو مطلب آني، وذلك بسبب زيادة الضغط على التنظيم في العراق وسوريا رغم إحرازه الانتصارات الأخيرة، لكن القيادة في داعش تدرك أنه كلما توسعوا على الأرض سيزداد الضغط عليهم، لذا كانت الحاجة لفتح جبهة قتال جديدة تهم الغرب وبالتحديد أوربا وهي نقطة ليبيا الحساسة الأقرب إلى دول الجوار الأوربية.
التنظيم بدأ في لفت الأنظار إلى نفسه بتنفيذه عدة عمليات كانت أبرزها ذبح 21 مواطنًا مصريًا مسيحيًا بعد اختطافهم، وقد بث التنظيم مقطعًا مصورًا بهذه الواقعة كنوع من استعراض القوة، وهو ما دعى مصر للتفكير بقيادة عمليات عسكرية ضد قوات “فجر ليبيا” التابعة للمؤتمر الوطني تحت هذه الذريعة، لم يلبث التنظيم أن اختفى حينًا حتى ظهر بمقطع مماثل لذبح المواطنين المصريين، لكن هذه المرة ذبح 28 مواطنًا إثيوبيًا، مع بث رسائل تهديد للغرب.
بعدها خطط التنظيم لفتح جبهة تلو الأخرى بالدخول في نزاعات مسلحة مع قوات موالية للمؤتمر الوطني الليبي في أكثر من مكان، معتمدًا على تكتيكات حروب العصابات أمام هذه القوات، وهو ما حذر منه قادة الكتائب المقاتلة في مصراته والتي استهدافتهم داعش بانتحاري في عملية أسقطت خمسة قتلى.
انطلقت داعش شرق مصراته باتجاه بلدة “حراوه” وسيطرت عليها أمام أعين كتائب موالية للمؤتمر الوطني، لكن يبدو أن المعارك بين قوات فجر ليبيا والكتائب الموالية لها أمام قوات حفتر قد شغلتها عن الانتباه لتحركات التنظيم التي اتخذت شكلًا توسعيًا هذه الايام.
انتبهت قيادة طرابلس مؤخرًا لخطر التنظيم وبدأت بالتنسيق مع الكتائب الموالية لها في مصراته لشن مجموعة عمليات تستهدف بؤر التنظيم، وهو ما سيدخل في المعادلة الليبية طرفًا جديدًا في المعادلة لم يكن في الحسبان، فبينما يسعى المجتمع الدولي لحل أزمة الحكومتين في طرابلس وطبرق وسط اقتتال بين الكتائب الموالية لهما، يظهر تنظيم داعش ليضيف نفسه كرقم في المعادلة، وبدأ بقتال أحد الطرفين وهي الكتائب المعارضة لحفتر وبلرلمان وحكومة طبرق.
ووفق ما أوردت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير صحفي لها عن توسع تنظيم الدولة في ليبيا فإنها تقول أن الفصائل المسلحة الآن أدركت خطر التنظيم وباتت تتهيئ لمواجهته على الأرض، كل ذلك جاء التصعيد المفاجئ من جانب تنظيم الدولة.
الأمر بالنسبة لداعش في ليبيا استراتيجي إلى حد كبير، فالدولة بحالها الآني فرصة لن تتكرر لانتشار التنظيم وبسط نفوذه في وسط حالة الفوضى التي يجيد التنظيم استغلالها والتمدد باستخدامها، والآن مع التجهيز لحملات دولية لمحاربة داعش في العراق والشام ينظر التنظيم إلى ليبيا باعتبارها بوابة استراتيجية يمكن الهروب إليها في حال انهيار دولتهم في الرقة والموصل، والبيئة الليبية سوف توفر لهم الملاذ الآمن والتمدد المطلوب الذي سيهدد الغرب عبر أوروبا وسيؤمن الاتصال بالداخل الإفريقي عبر تشاد والسودان، وكذلك ستكون بوابة جيدة للوصول إلى بمصر، وكذا الحال كبوابة للمغرب العربي، ناهيك عن توافر كميات الأسلحة المطلوبة لذلك.
تونس رأت هذا التوسع مقلقًا لها بعد أن رأت التطورات الميدانية على الأرض في صالح التنظيم، حيث جاءت تحذيرات من أعضاء مجلس النواب التونسي من خطر داعش وذلك عقب سيطرته على القاعدة الجوية بالقرب من مدينة سرت، إذ رأى بعض النواب أن الحكومة التونسية يجب أن تشجع الفرقاء الليبيين على الحوار فيما بينهم بقصد إنهاء الخلافات الجارية باعتبار أن توصلهم الى تحقيق الوفاق يجعلهم قادرين على مجابهة خطر داعش المتمددة.
في حين رأت صحيفة الإندبندنت أون صانداي، أن خطر تنظيم الدولة الإسلامية يتعاظم في وقت يقوم الغرب بخداع نفسه بشأن قوته أمام مواجهة التنظيم، حيث تؤكد “أن الغرب والمتحالفين معه في الشرق الأوسط فشلوا حتى الأن في إيقاف زحف التنظيم، الذي يبدو غير قابل للهزيمة منذ ظهوره على الساحتين العراقية والسورية العام الماضي”، وها هو يمتدد في ليبيا الآن.
الأوضاع الميدانية للتنظيم الآن في ليبيا تنبئ بتوسعه ودخوله مرحلة جديدة بفتح جبهة قتال هناك، ستكون حليفًا قويًا لا شك لارتكازات داعش في العراق وسوريا، وهو ما سينعكس سلبًا على القضية الليبية ككل، وسيكون مطلوب من الغرب بلورة موقف جدي من الأزمة في ليبيا، يتناسب مع دخول لاعب كداعش على خط الصراع الليبي.