القضيّة النوويّة الإيرانيّة ليست المسؤولة الوحيدة، عن بلوغ مرحلة إفشاء العلاقات التعاونيّة بين المملكة السعودية وإسرائيل، فهناك جملة من المواضيع المشتركة، التي ساعدت إلى بلوغها، فعلاوةً على مخاوفهما المشتركة، بشأن وقف التغلغل الإيرانيّ في المنطقة، وتوافقات هامّة حول إسقاط حكم “بشّار الأسد” في سوريا، وانسجام باتجاه دعم الحكم المصري الجديد برئاسة “عبد الفتاح السيسي”، وقتال الحوثيين في اليمن، فإن هناك تعاونات مشتركة مع الولايات الأمريكيّة، وبضمنها صفقات التسليح السعوديّة، باعتبارها تقع تحت رحمة إسرائيل فيما إذا توافق عليها أم لا.
حتى قبل النووي الإيراني، كانت السعودية على استعدادٍ تام للتطبيع مع إسرائيل، واعتبارها دولة شرعيّة، وتأكيد حذفها من سجلاّتها كـ (دولة عدو)، إذا ما قامت بالموافقة على قبول المبادرة العربية – السعودية- التي طرحها الملك “فهد بن عبد العزيز” على قمّة بيروت 2002، والتي تشترط قيام دولة فلسطينية، على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعلى أن تبقى القدس الشرقية عاصمة لها.
وبغض النظر عمّا سبق، فإن هناك تاريخ طويل، يسرد، بأن علاقات مهمّة ربطت الدولتين برباط، يفي بمتطلبات كل مرحلة، وحتى في ظل أنها لم تكن مباشرة، وكما نذكر طلب السعودية مساعدة إسرائيل لدعم قوات الإمام “محمد البدر حميد الدين” خلال ستينات القرن الماضي، فإننا نستطيع الحديث عن أن هناك العديد من اللقاءات التاريخية بين الطرفين، خلال السنوات القليلة الفائتة، وبضمنها اللقاء التاريخي، الذي جمع بين ممثلين سعوديين وإسرائيليين في إمارة (موناكو) أواخر 2013، بحجة تدارس مبادرة السلام العربية.
أسفرت تلك اللقاءات عن جملة من الاتفاقات – السرّيّة- التعاونيّة، وأهمّها، الاستخباراتيّة، والتي اشتملت على تأمين مسارات الطائرات الإسرائيلية بشأن ضرب النووي الإيراني عسكرياً، أو تكنولوجيّاً أيضاً بواسطة توجيه فايروسات كمبيوترية لتدميره، إضافة إلى الوصول إلى تفاهمات متقدّمة، أدّت إلى التشويش على الدبلوماسية الأمريكية حول جملة قضايا الشرق الأوسط بشكلٍ عام.
خلال اليومين الفائتين، كُشف النقاب أن واشنطن شهدت لقاءً علنيّاً (سعودي- إسرائيلي)، جمع بين مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية “دوري غولد”، وبين مسؤول سعودي، اللواء المتقاعد “أنور العشقي”، والذي أتى بعد عِدّة لقاءات سريّة، وأسفر عن الاعتراف المتبادل بوجود مصالح مشتركة للبلدين، والذي يُعتقد بأن يكون أُعِدّ للتمهيد لتكوين حلف عسكري ضد إيران، باعتبار أن أي اتفاق مع الغرب لم يكن له داعٍ بالنسبة لهما، سيما بعد أن تمكّنت إسرائيل من جلب السعودية إلى خندق المواجهة إلى جانبها، بعد إقناعها، بأن البرنامج النووي الإيراني هو خطر عليها أكثر من أيّ دولة أخرى، مع ملاحظة عدم التطرّق إلى خطر السلاح النووي الإسرائيلي.
وكان امتناع الملك “سلمان بن عبدالعزيز ” عن تلبية دعوة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” بشأن تدارس الموضوع النووي الإيراني، خير دليل على صحة ذلك، بعد الإصغاء لنصائح إسرائيلية، باعتباره احتجاج ضد الاتفاق المزمع التوصل إليه، وفي نفس الوقت خط رجعة نحو امتلاك قنبلة، أو نسج علاقات شراكة استراتيجية مع إسرائيل، تحت عنوان: كيف يمكن إحباط الاتفاق النووي؟ أو كيف يمكن مواجهة إيران في حال حصولها على اتفاق؟ باعتبارها مصدر إرهاب ضد المنطقة بأسرها.
الولايات المتحدة في ظاهر الأمر، تبدو مستاءة بفتور الدولتين باتجاه الاتفاق النووي، بسبب أن ذلك مناسباً، وليس في وسعها انتزاع أكثر مما تم انتزاعه، لكنها وبالقدر الذي تشعر فيه بالفخر، باعتبار أن الفضل يعود لها، بشأن الإعلان عن علاقات سعودية- إسرائيليّة (جهرية) ، فإنها تشعر بفخرٍ أكبر، بعد رؤيتها تلك العلاقات تتفجّر بين أهم حليفتين استراتيجيتين لها، بعد إزالتها البون الشاسع الذي كان يحول دون وجود علاقات دبلوماسيّة كاملة.
منذ الآن فصاعداً، تستطيع إسرائيل السماح لنفسها، بأن تضع رجلاً على رجل، وتُغنّي عل طول رأسها، طمعاً في استقبال الدول ألـ (56) العربيّة والإسلاميّة، من دون أن تدفع فلساً واحداً، في مقابل حاجة تلك الدول إليها وعلى الجهتين السياسية والأمنيّة والاقتصادية أيضاً، أو للتقرّب من واشنطن على الأقل، ناهيكم عن أن هذه العلاقات ستقلل من الحماس السعودي بشأن القضيّة الفلسطينيّة، باعتبارها موضوعاً ثانوياً، بعدما بات التهديد الإيراني، الموضوع المركزي في برنامج العمل السعودي – الإسرائيلي المشترك.
بمراعاة أن للسعودية الحق في أن تفعل ما تراه مناسباً، لكن وعلى أيّ حال، فإنه لا يجدر بها الوثوق بإسرائيل لحظة من الزمن، سيما وأن هناك حقائق دامغة تقول: بأنها لا يهمّها سوى، أين تكمن مصالحها فقط؟ كما لم تكن هناك أيّ دواعٍ، لتبريرها نسج علاقات متبادلة معها، بناءً على تهديدات إيرانية- فيما لو تحقق لها بأن هناك تهديدات-، وذلك بسبب تواجد المزيد من مظلاّت الأمان، والتي تبدأ بالتعهّدات الأمريكية بحماية أصدقائها، وتمرّ بتواجد معاهدة الدفاع الخليجية المشتركة، وتنتهي بمشروع القوة العربيّة المشتركة الجديدة، التي تأخذ على عاتقها، مسألة صدّ أيّ أخطار خارجيّة قادمة.