“أنا أشعر بالارتياح ، كما لو كنت مُخَدّرًا، ولازلت أحاول أن أتمسّك بالسبب الذي يجعلني أشعر بما أشعر به الآن، أعتقد أن ذلك الشعور بالتخدير نابع من تلك الحقيقة التى تقول لا يُهم ما تفعله مادمت مستمرًا فيه”. عمر سمرة
هل أنت شمعة أم مرآة؟ نعم، لقد كان السؤال كما قرأته بالضبط، إنني أسألك عن مصدر الضوء في حياتك، هل هو نابع منك أم أنك مجرد انعكاس لضوء الآخرين، إليك أحد الشخصيات التي نشأت في بلادك، ولها لغتك ودينك، والتي قررت أن تكسر المرآة وتكون هي مصدر إلهام الآخرين.
عمر سمرة الذي أبهر المصريين منذ زمن ببطولاته، ذلك الفتى الذي قهر مرض الربو في صغره، ليتحول إلى ذلك الرجل الذي غرس علم مصر في قمم الجبال، انضم منذ شهر إلى قائمة الحاصلين على بطولة “جراند سلام” للمغامرين والمستكشفين، وهي البطولة التي تتطلب أن يصل المُغامِر إلى كلٍ من القطب الشمالي والجنوبي وأعلى سبع قمم جبال في العالم، احتل عمر مكانة بين 33 ممن سبقوه في الحصول على الـ “جراند سلام”، لوصوله لقمم أعلى الجبال في كل قارة، وتزلجه في كلا القطبين.
لقد حقق عمر ما لم يحققه أي عربي من قبل، فعلى الرغم من الصور الحافلة بإنجازاته والتي يظهر فيها رافعًا العلم المصري فهو أيضًا رائد في مجاله، فهو الملهم الأول للمغامرين أمثاله، ومثال بارز لمحاضري التنمية البشرية، الآن عمر بطل للـ “جراند سلام” المشهورة، ومحطته القادمة كما يقول هي “الفضاء”، عمر سمرة، هو أول مصري وأصغر عربي يصعد إلى جبل إفرست؛ حيث وصل إلى قمة الجبل في 17 مايو 2007، واختارته شركة “آكس” للعطور في 5 ديسمبر 2013 ليصبح رائد فضاء، ليكون أول مصري يذهب للفضاء في عام 2014.
عرض عُمَر في مقابلة له مع Aprille Muscara على موقع scoopempire تجربته الشخصية كبطل وكرجل خلال حياته، وهو من خلال هذا العمل يعرض نموذجًا مثاليًا للإلهام، حيث كوّن بخبراته حديثًا يُعبر عن الإحساس بالمسؤلية، موضحًا فيه رسالته.
يقول: “أسهل إجابة أن أقول أنا أشعر بالسعادة بكل تلك الإنجازات أو الشعور بأنني فخور بنفسي، بالطبع أنا سعيد وأشعر بالفخر بعد قيامي بتلك المهمات، ولكن السعادة والفخر ليسوا من بين المشاعر التي أشعر بها الآن، في نهاية المطاف يتقلّص ذلك الشعور بالإنجاز، لأنه بطريقة أو بأخرى أصبح شيئًا روتينيًا.”
“لقد أُتيحت لي الفرصة أن أُقابل العديد من المغامرين، منهم الذي أسّس عملًا من خلال لهفتهم للمُغامرة وكسر الحواجز، وكسر توقعاتهم ذاتها، بعضهم يخوض المغامرة من أجل وسام الشرف، والبعض يخوضها من أجل الشغف والتشويق، أما أنا فأعتقد أنها الهدف من الحياة”.
“الناس لهم تصور رومانسي للغاية للمغامرات، ولكن في الأصل الشغف هو وقود المغامرة، حب الطبيعة والرغبة في المغامرة ذاتها هو ما يحركني لأدفع بنفسي إلى الخارج، أنا أُغامر لأكتشف ما هي حدودي وأين تقع، أسعى إلى أن أكون منضبطًا ومنظمًا، التفكير التحليلي في كل هذه العناصر هو أمر مصيري ويغفله الأغلب من الناس”.
“لا أعلم إن كان من الغطرسة قول ذلك ولكنني أؤمن أن لدي القدرة على إلهام الناس، ومروة زوجتي آمنت بذلك أيضًا، وأعلم أن من طرق إلهام الناس هو أن أدفع بنفسي إلى المخاطرة وأعود لأروِي ما حدث في الرحلة”.
لقد رأينا سلسلة الصور التي تم نشرها من قِبِل صفحة Humans of New” York”، والتي كشفت عن ذكريات أعظم محنة مرّ بها عمر سمرة في حياته الشخصية وهي وفاة زوجته، مروة فايد، في 2013.
يقول عمر إن كان طُلِب منه تصوير سلسلة كهذه قبل وفاة زوجته لكان رفض رفضًا قاطعًا أن ينشر سرًا من أسرار حياته الشخصية بتلك الطريقة، ولكن تغيرت كل الأمور بعد وفاتها، صوّرَت الصفحة قصة وفاتها على هيئة سلسلة من الصور لعمر وهو يروي ما حدث، مروة وافاتها المنية بعد ولادتها لابنتهما “تيلا” بأيام.
“مشاهدة الناس لعملك البطولي هو شيء مألوف، ولكن أن تكون مشاعرك مكشوفة للناس فذلك شيء مرعب، لم أتخيل أن تلك التفاصيل التي شاركتها مع أقرب الأقربين من عائلتي سيعلمها الملايين من الناس ويشعرون بالأسف تجاهي”.
“أعلم أن الوقت كان سيُحَتّم علي رواية القصة، لقد سعدت بلقاء “براندون ستانين”، مؤسس صفحة Humans of New York على فيسبوك، والذي ساعدني في رواية مشاعري بطريقة ملائمة وبشكل مقالي”.
برأيي كلما كنت صادقًا مع نفسك، كلما انهزمت أكثر، وكلما انهزمت كلما اشتدّ ساعدك، وهذا درس صعب بالنسبة لي، لكنني بدأت في استيعابه، بعد وفاة زوجتي لم أتخيل أن بإمكاني تحقيق الـ “جراند سلام”، لقد خسرت كل شيء يدفعني للنجاح، لقد كانت بالنسبة لي رحلة القطبيين هي عقاب شخصي لي بعد وفاة مروة، لقد كنت هناك مُحاطًا بالثلج والبرودة القارصة، أسمع صوت أفكاري وحدي، أؤمن إن لم يكن لديك القوة العقلية الكافية للسيطرة على نفسك، فإن أفكارك ستحطمك، في تلك البيئة المعزولة كل شيء يزول، وتبقى وحدك مع أفكارك لتروضها وتسيطر عليها”.
تُعتبر رحلة القطب الشمالي من أخطر الرحلات على كوكب الأرض، أتمّ عمر رحلته في أبريل من العام الجاري، وعاد منها مُحققًا بطولة الـ “جراند سلام”.
لم أعد قادرًا على العمل بعد وفاتها، الشيء الوحيد الذي دفعني للعودة هو “Toy Run” المنظمة الخيرية التي أسستها مروة للأيتام في 2010، تحولت من شخص يعمل 15 دقيقة في اليوم إلى 15 ساعة في اليوم، شعرت بأن لا قيمة لكل ما فعلته سابقًا، فَوز المؤسسة بالمشروع الخاص بالأيتام لتلك السنة كان بالنسبة لي هي الجائزة الكبرى التي حصلت عليها منذ زمن، كان بإمكاني بعد ذلك أن أعيد Wild Guanaba، المؤسسة التي أنشأتها للمغامرين على أقدامها، مروة كانت الجزء الأساسي فيها، بعد رحيلها بدأ الجميع يرحل تدريجيًا من حولي وكان علي أن أبدأ من الصفر”.
“أنا لازلت حزين، ولازال وجع الخسارة يلاحقني يوميًا على الأغلب، ولكنني اخترت المُضِيّ قَدمًا واعلم أن مروة لو كانت معي لاختارت ذلك لي أيضًا، لا أريد أن أستسلم، هذا ما احتاجه لابنتي، اخترت ذلك لأنني أعلم أن لدي المزيد لأُقدّمه للجميع، الأمر لا يتعلق بالإنجازات، أو الوصول إلى القمة، الأمر يكمن في التغلب على الصعاب، في تخطّي العواقب التي تُعرقلنا، بالنسبة لي، الأمر يكمُن في الترحال وكل ما عليك فعله أن تدفع بنفسك للأمام، وأن تُضمّد جراحك بنفسك، الحياة لا تتوقف من أجلك”.
“أنت لديك الخيار بأن تمر بكل ما يُقابلك من تحديات، حتى ولو كانت مؤلمة، وأن تتغلّب عليها، الكون من حولك يُؤَهلك بتلك التجارب حتى ترتقي روحيًا لمستوى أعلى، أو لديك الخيار الأسهل أن تتخلّى عن كل شيء، اجعل همك مُنصبًا على الرحلة، الهدف هو المحاولة ذاتها، لا يُهم أبدًا تحقيق الهدف، أعلم أن ذلك يبدو مبتذلًا ولكن الكنز في الرحلة ذاتها”.
“لطالما تصوّرت الحياة طريقًا سريعًا حيث يوجد دائمًا مخرج، أنت على يقين بوجود مخرج لذلك الشاطئ الجميل على الطريق السريع حيث يمكنك أن تذهب وتستريح، أرى كثير من الناس يقولون دائمًا أن طموحي هو الحياة بجوار الشاطئ حيث يمكنني أن أرى البحر دائمًا وأسترخي لبقية حياتي، أو حُلمي أن أشتري قاربًا وأصطاد السمك دائمًا، شخصيًا لا أرى الحياة من خلال هذه الأحلام، أحب أن أقوم بتلك الأشياء مرة في حياتي، ولكنني أراها نهاية للحياة، لو كان في مخيلتهم أن هذه الأحلام تُجسد الحياة فهم يقولون ببساطة لهذه الدنيا أنا أستسلم”.
“مهمتنا في الحياة أن ننجو، نتحمّل ما يمر بنا، وأن ندفع بأنفسنا للأمام من أجل أن نخلق اختلافًا في حياة الآخريين، من أجل إنسانية أفضل حتى ولو كان تأثيرنا بسيطًا.”
“خلال رحلتنا سنمر بلحظات عابرة من السعادة لا بد أن نعتزّ بها، ولكن برأيي إن أردت أن تنضج فكريًا فالألم هو سبيلك، هذه هي الحياة، المجهول هو جزء من السعادة، عدم معرفتك بما تُخبئه الحياة لك في السنة المُقبلة أو العشر سنين المقبلة هو جزء من تلك السعادة التي نمر بها”.
“لقد فشلت في العديد من الأعمال، أخفقت في الوصول إلى القمة في الكثير من المرات، خذلتني صحتي أكثر من مرة ولكنني أعلم أنني تعلمت الكثير من فشلي، في المقابل أعلم أنني حققت الكثير، وذلك هو ما جعلني أكتشف نفسي أكثر وأعلم أين تقع حدودي وإلى أين يمكنني أن أنطلق، وما يُهمني أنني تعلمت كيف أن أُغيّر العالم بطريقتي الخاصة”.