“11 يونيو القادم خليك في البيت، متروحش الشغل، متروحش الجامعة، متفتحش المحل، متبيعش وﻻ تشتري، شارك في الاحتجاج”.
بهذه العبارات وغيرها دعت حركة شباب 6 أبريل المصريين للمشاركة في إضراب عام كصورة من صور الاحتجاج على الوضع القائم، الدعوة التي جاءت تحت عنوان “وآخرتها ” في تساؤل عن متى تنتهي تلك الحالة التي تعيشها مصر منذ ما يقرب من عامين وتحديدًا منذ أعلن الجيش عزل مرسي، قُدمت الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية على القضايا السياسية والحقوقية رغم تدهور الأخيرة، في رسالة للشعب كي يتحرك من أجل مصلحته المباشرة في المقام الأول، حيث ينظر كثير من المصريين إلى الصراع السياسى المحتدم على أنهم غير معنيين به دون إدراك انعكاساته على حياتهم ومستقبل بلادهم.
في المقابل لم تقف السلطة مكتوفة الأيدى أمام تلك الدعوات بل وجهت أذرعتها العنيفة ضد شباب الحركة فلا يمر يوم إلا ونسمع عن اعتقال أو إخفاء قسرى يطال أعضاء وقيادات الحركة الشبابية.
“إسلام سعد ومحمود جمال من أبوالمطامير بحيرة، نجوى عز وأحمد الزيات، محمود باشا من الشيخ زويد، أحمد خطاب الطالب بهندسة حلوان”، هذه الأسماء وغيرها تعرضت للاعتقال والإخفاء القسرى خلال الأيام القليلة الماضية، وبينما عرض عدد منهم على النيابة بتهم مثل الدعوة لإضراب عام، مايزال مصير البعض الآخر مجهول ويعاني ذووه من إخفائه قسريًا وعدم عرضه على جهات التحقيق أو الاعتراف باعتقاله.
الحركة الشبابية التي شاركت في مظاهرات 30 يونيو الداعية لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة والتي على إثرها تدخل الجيش لإزاحة أول رئيس منتخب بإرادة شعبية، باركت تحرك الجيش واعتبرته عملاً وطنيًا لكنها دعته إلى الالتزام بما أعلنه من إتاحة المجال أمام كافة التيارات للعمل السياسي والمجتمعي السلمي وتحقيق مصالحة وطنية وعمل ميثاق شرف إعلامى وغيرها مما جاء في بيان الجيش وتم تنفيذ عكسه تمامًا؛ ما أدى إلى انفصال الحركة تدريجيًا عن مسار السلطة العسكرية خاصة بعد إصدار قانون التظاهر الذي عارضته الحركة؛ ما كلفها اعتقال مؤسسها أحمد ماهر وعدد من قياداتها والتشهير بها في وسائل الإعلام وترويج دعاية تشير لعدم وطنيتها وتبعيتها لجهات خارجية ورفع دعاوى تطالب بحظر نشاطها واعتبارها جماعة إرهابية.
كسر ثنائية الصراع
أهم ما في هذه الدعوة أنها فتحت الباب أمام الحركة الشبابية للعودة بصورة فاعلة في المشهد الثوري ومربع الفعل والمقاومة؛ ما يجعلنا نتوقع كسرًا لحالة الثنائية بين العسكر والإخوان التي تعيشها مصر منذ ما يقرب من عامين، ﻻ شك أن كسر هذه الثنائية سيعد عاملاً إيجابيًا في مصلحة الثورة ذلك أنه يفتح على النظام جبهات جديدة كما أنه يخاطب شرائح أخرى غير المنخرطة في الصراع الثنائى بما يوحيه للمواطن والمتابع للمشهد من أن هذه السلطة ليست مرفوضة من حزب أو تيار واحد، بل هناك حالة توافق وإجماع ثوري ووطني ضدها على عكس ما يروج النظام له من أنه يواجه تيارًا وحيدًا مع محاولات عزله عن مكونات يناير التي مازالت قابضة على جمر الثورة، ما يشجع قطاعًا جديدًا من الشعب على الوقوف في صف الثورة.
رغم ما هناك من تباين بين الحركة الشبابية والمكونات الإسلامية المناهضة للسلطة إلا أن كلا الطرفين يتفقان على رفض الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها النظام وربما نشاهد تنسيقًا غير متفق عليه بين الطرفين في مقاومة تلك السلطة، وربما أيضًا يجبر الطرفان لاحقًا على التعاون معًا من أجل إسقاط ذلك النظام ويتناسا كلاهما ما بينهما من تباين لأن التحدى لا يتحمل مزيدًا من الترف في اختيار الحلفاء وهو التوجه الذى يشجع عليه عدد غير قليل من الشباب في كلا الجانبين.
سياسات اللاعنف
ﻻ يخفى عن الحركة تأثرها واقتباسها كثير من قيم وأفكار الحركة الصربية الشهيرة أوتبور أو المقاومة والتي نجحت عبر نهج سياسات اللاعنف من إزاحة الديكتاتور ميلوسيفيتش وهو ما تؤمن به 6 أبريل وتدعو إليه ويظهر جليًا في دعوة الحركة المواطنين للإضراب لأنها تدرك تكلفة النزول للشارع ومواجهة رجال الأمن في الوقت الحالي فتختار تجنبهم، وهو ما عبرت عنه في ذكرى تأسيس الحركة منذ شهرين عندما تظاهر أعضاؤها في الصحراء تعبيرًا عن غياب حرية التظاهر في مصر وإشارة إلى أنه إذا فكرت في الاحتجاج فعليك أن تكون بعيدًا عن كل شيء حيث لا يراك أحدًا، لذلك لا تطلب الحركة من المواطنين أن يعرضوا أنفسهم للخطر أو أن يغامروا، فهي تدعوهم فقط إلى عدم الفعل وأن يجلسوا في بيوتهم هذا اليوم ليعبروا للنظام عن رفضهم له ولسياساته، هذه الطريقة من سياسات اللاعنف تم تجربتها في عدد من الدول وبينما أحرزت نجاحًا في عدد منها لم تقدم جديدًا في غيرها، على سبيل المثال عرف عن ثورات أمريكا الجنوبية الطرق على أواني الطهي في وقت محدد وبصوت مسموع للخارج، وأيضًا تحديد موعد يسير فيه المعارضون بسياراتهم ببطئ، كذلك عرفت الثورة الإيرانية عددًا من هذه الوسائل في إحدى مراحلها.
هذه الدعوة للإضراب أبرزت اتجاهين في النقاش: الأول يرى أن هذا هو عين ما تحتاج إليه الثورة المصرية في الوقت الحالي مع صعوبة المواجهة المباشرة والمفتوحة مع النظام وتكلفتها الباهظة، بينما يرى الآخر أن تلك الوسائل الهادئة ليست سوى تعبيرًا عن رؤية شبابية حالمة بتكرار نموذج يناير بدءًا من إضراب عمال المحلة 2008 مرورًا بوقفات خالد سعيد نهايةً بمشهد التحرير في الـ 18 يومًا قبل إسقاط مبارك، وهو الأمر الذي يصعب تكراره بنفس الطريقة إذا ما أضفنا إلى ذلك ضعف ثقافة “مقاومة اللاعنف” عند الشعب المصري حسب هذه الرؤية، وهو النقاش الذى يدفع الجميع لترقب تفاعل المواطنين مع تلك الدعوة.
عقدة يناير
مجددًا يبدو أن أبرز نقاط ضعف السلطة العسكرية الحاكمة هي فئة الشباب التي لاتزال رغم حجم التضحيات الكبير تصر على العمل والمحاولة تلو الأخرى من أجل إزاحة تلك العقلية المستبدة التي تحكم مصر، فالشباب ﻻيزال يحافظ على أمله في تحقيق دولة يناير المدنية التي تتسع للمعارضة وﻻ تلقي بها في القبور والسجون، ومازالوا قادرين على الحلم والبحث عن ثورتهم واستكمالها من أجل الانتصار لأمنيات رفاقهم خالد سعيد وكريم بنونة وعلاء عبدالهادي وأسماء البلتاجي وصلاح عطيتو إلى نهاية قائمة الشهداء الذين ما حلموا إلا بدولة يناير الحرية والعدل، والتي سيقيمها الشباب بعد هدم معاني الاستبداد والإرهاب الذي تمارسه طغمة عسكرية جاءت من الماضي لتغتال أحلام المستقبل ولكن هيهات هيهات.