تفجرت الأزمة بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ أسابيع عدة، وظهرت هذه الأزمة للعامة في صورة حرب للبيانات وتراشقات إعلامية بين مجموعتين من القيادات التي تولت إدارة الجماعة عقب وقوع الانقلاب العسكري في مصر، مطلع يوليو 2013.
المجموعة القديمة أو ما تسمى بالحرس القديم في الجماعة بقيادة الأمين العام السابق لها القيادي محمود حسين، اشتبكت مؤخرًا إعلاميًا مع المتحدث الرسمي باسم الجماعة الذي يظهر باسم محمد منتصر، المُعين من قِبل القيادات الجديدة المنتخبة التي تولت إدارة الجماعة بعد فض اعتصام رابعة العدوية، فحسين لا يرى نفسه أمينًا عامًا سابقًا ويرى أن هيكل الجماعة كما هو لم يتغير وأن نائب المرشد محمود عزت هو القائم بأعمال المرشد حاليًا، وذلك عبر بيان نشره على حسابه الشخصي بموقع “فيس بوك”.
أثار بيان حسين جدلًا واسعًا في أوساط الجماعة خاصة بين الشباب، أما منتصر فقد نقل وجهة نظر مجموعة القيادات الجديدة المنتخبة، وذلك بقوله إن الدكتور محمود حسين لا يمثل جماعة الإخوان المسلمين ولا يتولى أي مناصب إدارية بداخلها طبقًا لآخر انتخابات جرت بعد الفض والتي كانت في فبراير عام 2014، مؤكدًا أن الجماعة لا يعبر عنها سوى منافذها الإعلامية الرسمية فقط.
الأمر حرك موجة من البلبلة في صفوف الجماعة لعدة أيام متوالية، كما بدأت التحليلات في الخروج متحدثة عن هذه الأزمة باعتبارها أزمة منهجية بين التعامل السلمي مع الانقلاب العسكري في مصر والذي تتمسك به القيادة التاريخية للجماعة، وبين مسلك المقاومة العنيفة له الذي يريد بعض الشباب في الجماعة دفع القيادة الجديدة نحوه، البعض الآخر رأى أنها أزمة داخلية وتنازع على القيادة لا أكثر ولا يوجد خلاف منهجي بين طرفي الأزمة، من تبنى وجهة النظر هذه علل بأن القيادات الجديدة كانوا مساعدين قدامى للقيادة السابقة ويحملون نفس أفكارها المنهجية، وبين هذا وذاك بدأت تحركات داخلية لاحتواء الموقف قبل أن ينفجر أكثر من ذلك.
كُشف النقاب بعد ذلك عن عدة اجتماعات عُقدت في مدينة إسطنبول التركية مقر إقامة القيادي محمود حسين، ضمت هذه اللقاءات عددًا من قيادات الجماعة في الخارج، محاولين بحث سبل الخروج من الأزمة التي تشهدها الجماعة، في ظل استقطاب بدأ بين الأطراف المتنازعة، وصلت هذه اللقاءات إلى نتيجة لم ترض محمود حسين حيث قام بالاعتراض عليها، وهذه النتيجة هي إجراء انتخابات لاختيار مجلس شورى عام للجماعة بانتخابات جديدة، ومن ثم انتخاب مكتب إرشاد جديد من خلال المجلس، مع تعديلات جديدة للائحة من خلال نفس المجلس الجديد المنتخب، ولكن بشرط وحيد هو ألا يترشح طرفي الأزمة لهذه الانتخابات.
وقد خرجت تسريبات من داخل الجماعة تقول إن هذا الحل هو الأقرب بعدما تدخلت شخصيات تاريخية في الجماعة لإنهاء الأزمة، وبالرغم من رؤية البعض صعوبة إجراء هذا الحل في ظل التطورات التي يشهدها الوضع الميداني في البلاد والذي اعتقل على إثره أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد القديم، وهو ما سيصعب أمر إجراء الانتخابات في ظل الملاحقات الأمنية لكل قيادات الجماعة في الداخل.
تطورات جديدة
خرجت مصادر مسؤولة من داخل جماعة الإخوان المسلمين رفضت الإفصاح عن اسمها تؤكد في تصريحات خاصة لـ “نون بوست”: أن ثمة تحركات للقيادي محمود حسين للالتفاف على هذا الأمر بسعيه لجمع أعضاء مجلس شورى الجماعة المقيمين بالخارج في اجتماع أعد له بنفسه يُعقد غدًا -الثلاثاء الموافق 9 يونيو الجاري – وذلك من أجل الحصول على تأييدهم في وجه هذه القرارات، وذلك بعدما أُقيل من منصب الأمين العام للجماعة في الانتخابات الأخيرة، بحسب المصدر.
الجدير بالذكر أن إدارة حسين للإخوان المصريين في الخارج الذين غادروا البلاد عقب الانقلاب العسكري قد لاقت نقدًا شديدًا خاصة من جانب شباب الجماعة المتواجدين في دولة تركيا، وكذلك من جانب بعض القيادات الذين وصفوا فترة إدارته لشؤون الجماعة في الخارج بالسيئة، متهمين إياه بعدم الشفافية والإقصاء ما تسبب في الإرباك الشديد على الصعيد الخارجي للجماعة طوال الفترة الماضية.
كما أن محمود حسين – وفق المصادر ذاتها – رفض التعاون مع مكتب إدارة الأزمة المنتخب من الأقطار التي يتواجد بها الإخوان المصريون في الخارج والمكلف بمعاونة مكتب الإرشاد الجديد، وشاركه في هذا الرفض بعض قيادات الإخوان في الخارج أبرزهم القياديين إبراهيم منير ومحمود الإبياري المقيمين في لندن، حيث رأى محمود حسين أنه مخول من مكتب الإرشاد القديم – الذي لم يسقط وفق وجهة نظره – بإدارة شؤون الإخوان المصريين في الخارج بالتعاون مع التنظيم الدولي الممثل فيه منير والإبياري، وهو ما عطل المكتب الجديد عن القيام بمهامة حتى هذه اللحظة.
وقالت المصادر أيضًا إن الدكتور محمود حسين كان يرفض تمامًا التعاون مع أعضاء مجلس شورى الجماعة الذين خروجوا من مصر بعد الانقلاب، معتبرًا أنهم قد فقدوا عضويتهم بالمجلس لحظة الخروج من مصر، رغم ادعائه الاحتفاظ بمنصبه طيلة هذه الفترة وهو مقيم بالخارج، إذ إن القيادي محمود حسين قد خرج من مصر قبيل الانقلاب بأيام بتكليفات من مكتب الإرشاد آنذاك له ولبعض الأعضاء الآخرين، وكان مجلس شورى الإخوان بتركيا قد عقد عدة اجتماعات بخصوص مشكلة حسين وطريقة إدارته وانتهت هذه الاجتماعات بتوجيه نقدًا لاذعًا للرجل، ليبدأ فصل جديد من فصول الأزمة داخل جماعة الإخوان المسلمين بعد أن خفت ضجيجها في الأيام القليلة الماضية.