قال الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم، نائب وزير الشؤون الخارجية القطري، الأحد، إن هناك اتفاق تام في وجهات النظر بين بلاده والجزائر بشأن الأزمة الليبية، وشدد رمضان لعمامرة، الوزير المكلف بالتعاون الدولي، في تصريحات صحافية له في الجزائر عقب لقاءات رسمية مع نائب وزير الخارجية القطري، نقلتها الإذاعة الحكومية، أن “لديهم اتفاقًا تامًا في وجهات النظر بين الجزائر وقطر فيما يخص الملف الليبي”، وأكد بعد لقائه وزير الخارجية والتعاون الدولي الجزائري رمضان لعمامرة، أن “المشاورات مستمرة بينهم وبين الأشقاء الجزائريين في كافة الملفات الإقليمية وخصوصًا الملف الليبي”.
لماذا الآن؟
دخلت الجزائر مُتأخرة على خط الأزمة الليبية، ورغم هذا التأخر، يرى مراقبون أنها كانت اللاعب الأبرز مؤخرًا، والمحرك السياسي للعملية السياسية في جارتها التي تحولت إلى أرق مزمن لها.
ورغم التنافس الجزائري المغربي على لعب دور القيادة في المنطقة، ساهمت خبرة الدبلوماسية الجزائرية في حل النزاعات الإقليمية في صنع الفرق، وهو ما تجلى خاصة عبر تبني الأمم المتحدة للطرح الجزائري الرافض لأي تدخل عسكري أو حل غير سياسي.
وتدعو الجزائر منذ أشهر إلى الإسراع بإيجاد مخرجًا سياسيًا للأزمة في ليبيا عبر الحوار بين فرقاء الأزمة، وترفض أي تدخل خارجي، أو عمل عسكري أجنبي هناك، حسب تصريحات سابقة لمسؤولين جزائريين، واحتضنت الجزائر منذ مارس الماضي ثلاث جولات حوار لقادة أحزاب وشخصيات سياسية ليبية برعاية من الأمم المتحدة، لبحث ملفي تشكيل حكومة وحدة وطنية، ومسودة اتفاق سياسي شامل بين أطراف الأزمة في البلاد.
وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينيو ليون، قد أعلن الخميس الماضي في نهاية جولة حوار في الجزائر بين الأطراف الليبية، أن “الوضع الأمني في ليبيا حساس في ظل توسع تنظيم الدولة الإسلامية” قائلًا إنهم “وجهوا نداءً حول ضرورة توقيع اتفاقًا سياسيًا لتجاوز الأزمة”.
وكان المؤتمر الوطني العام، المنعقد في العاصمة طرابلس، قد أعلن رفضه للمسودة الأخيرة، فيما خيّر مجلس النواب المنعقد في طبرق (شرق) تعديل بعض النقاط، ما يجعل المسودة الجديدة المنتظرة محل تساؤل، حول ما إذا كانت تلبي رغبات أطراف النزاع في ليبيا، وتشهد مدينة الصخيرات في المغرب، اليوم الإثنين، جولة جديدة للحوار الليبي.
وقد سبق اللقاء القطري – الجزائري لقاء بين وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية في الجزائر، عبد القادر مساهل، لقاء جاء قبل بدء أعمال الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية مصر والجزائر وإيطاليا حول الأوضاع في ليبيا، وبحث الأوضاع في ليبيا، بحسب ما صُرّح به إلى وسائل الإعلام.
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير بدر عبدالعاطي، أن الوزيرين شكري ومساهل تناولا خلال اللقاء العلاقات الوثيقة التي تجمعهما بالأشقاء في ليبيا، والأهمية البالغة لتحقيق الاستقرار هناك، ودعم جهود الحل السياسي.
إذًا نحن أمام تحرك جزائري، وتفاعل مع مختلف القوى الإقليمية التي تُحرّك من بعيد تفاصيل المشهد الليبي، بين قطر ومصر(ومن ورائها الإمارات)، قد يتم الدفع برفض المؤتمر الوطني العام وتحفظ مجلس طبرق نحو منطقة وسطى يلتقي فيها الشتات الليبي، خاصة أمام استثمار الوضع الحالي من طرف داعش.
نحو استعادة المصالح القطرية في الجزائر
بالنظر إلى تباين المواقف من ثورات الربيع العربي، شهدت قطر تدريجيًا تقليصًا لحضورها الاقتصادي والدبلوماسي في الجزائر، خاصة إثر اعتزال أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السلطة لصالح نجله تميم.
ومع التغيرات التي شهدتها المنطقة، وبروز أحلاف مضادة – بالأساس السعودية، الإمارات، ومصر – يرى مراقبون أن قطر تسعى جاهدة لاستعادة مكانها، حيث يرى أستاذ العلاقات الدولية الدكتور أحمد ثابت أن السعي القطري لتوثيق علاقاتها مع الجزائر، وتنمية هذه العلاقات يهدف إلى موازنة ومواجهة محاولات الأطراف الأخرى – السعودية والإمارات – التي تحاول التموضع في الجزائر اقتصاديًا وسياسيًا.
ومن جهة أخرى، يقول الباحث في الشؤون المغاربية، الدكتور فؤاد خضر، إن السياسة القطرية تعمد إلى بناء مرتكز لها في الجزائر ورأس جسر، نحو دول الجوار (تونس وليبيا) بهدف حماية حلفائها في المنطقة، في حين ذهب الدكتور عبد الله جودت، الباحث بالشؤون التركية، إلى أن قطر تسعى من وراء بناء علاقات متشعبة ومتطورة مع الجزائر، وخاصة من خلال الجانب الاقتصادي لامتلاك المفتاح إلى الجزائر حتى “تعبر تركيا إلى هذه الساحة من باب الاقتصاد والصفقات، ثم من خلفه الأيديولوجيا”، وفق تعبيره.
ورغم اختلاف القراءات، إلا أنها تتفق على أن قطر جادة في تشبيك علاقاتها مع دولة الجزائر، وقد يكون الدفع الإيجابي بالملف الليبي نحو الحل أحد عرابين القرب، ومفتاحًا لتدارك سنوات البرود الاقتصادي بين الدولتين.