ترجمة وتحرير نون بوست
قبل حوالي أربعة أشهر، الأمير محمد بن سلمان، 29 عامًا، كان مجرد أمير سعودي آخر منخرط في سوق الأسهم والعقارات، ولكنه الآن شخص مختلف تمامًا.
نشأ محمد وترعرع في ظل ثلاثة أخوة غير أشقاء يكبرونه سنًا، ويُعتبرون من بين الأمراء الأكثر تثقيفًا والأبرع في المملكة العربية السعودية؛ الأخ الأول هو أول رائد فضاء عربي، والثاني محلل سياسي خريج من جامعة أوكسفورد، كان يعمل كزميل أبحاث في جامعة جورجتاون، ومؤسس لشركة استثمارية كبرى، والثالث نائب حسن السمعة لوزير النفط.
لكن هذه الأمجاد كانت قبل اعتلاء والدهم، الملك سلمان بن عبد العزيز، 79 عامًا، العرش السعودي، فالآن أصبح الأمير محمد، الابن البكر من زوجة سلمان الثالثة والأخيرة، هو النجم الصاعد ما بين الأمراء.
استطاع محمد بسرعة بالغة تجميع السلطة بين يديه أكثر من أي أمير آخر، مقوضًا بذلك نظام توزيع المناصب المُتبع داخل الأسرة المالكة منذ فترة طويلة، والذي يهدف إلى الحفاظ على وحدة العائلة، كما استخدم محمد نفوذه للاضطلاع بدور قيادي في الموقف الحازم الذي اتخذته المملكة السعودية في المنطقة، بما في ذلك التدخل العسكري في اليمن.
منذ تتويج الملك سلمان على رأس النظام السعودي، قام بتسليم نجله محمد العديد من المسؤوليات الضخمة، مثل مسؤولية نفط الدولة، شركة الاستثمارات العامة، السياسة الاقتصادية للبلاد، ووزارة الدفاع.
محمد هو الزعيم الأكثر بروزًا في الحرب الجوية السعودية المستمرة على اليمن، كما عمد والده الملك إلى تعيينه وليًا لولي العهد، متجاوزًا بذلك عشرات الأمراء القدماء الأكثر أحقية في العائلة المالكة، وفي خطوة مذهلة وغريبة، قام الملك سلمان بإزاحة أخيه الأصغر غير الشقيق، الأمير مقرن بن عبد العزيز، 69 عامًا، من منصب ولي العهد، وعيّن بدلًا عنه وزير الداخلية المحبوب الأمير محمد بن نايف، 55 عامًا، علمًا أن الأخير ليس له ورثة من الذكور من صلبه، مما يضع الأمير محمد بن سلمان بالمركز الثاني مباشرة على عمود خلافة المملكة.
دفعت هذه التغييرات السريعة والساحقة الأمير الشاب إلى السلطة، في الوقت الذي تخوض فيه المملكة العربية السعودية سلسلة من الصراعات المتصاعدة في المنطقة، والتي تهدف من خلالها إلى الدفاع عن رؤيتها للنظام الإقليمي، وتثبيط الهيمنة الإقليمية لمنافسها الرئيس، إيران، وفي خضم تحقيقها لهذه الغاية تقوم المملكة بتمويل حكام مصر والأردن، دعم النظام الملكي السني في مملكة البحرين المجاورة ضد تمرد الأغلبية الشيعية، تسليح الثوار في سورية ضد الرئيس المدعوم إيرانيًا، القتال في الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في العراق ضد داعش، وقيادة الهجوم الجوي الذي ابتدرته على فصيل الحوثيين المدعوم من إيران في اليمن، فضلًا عن أنها تكثف إنفاقها العسكري رغم انخفاض أسعار النفط، وإطراد النفقات المحلية؛ مما عمل على تخفيض الاحتياطيات المالية من العملة الأجنبية لدى المملكة بمقدار 50 مليار دولارًا على مدى الستة أشهر الماضية، حيث يبلغ الاحتياطي النقدي لديها الآن حوالي الـ700 مليار دولار.
“من الواضح أن الملك وضع نجله على منحنى صارم للتعلم”، قال فورد فراكر، رئيس مجلس سياسة الشرق الأوسط، وسفير الولايات المتحدة السابق لدى المملكة العربية السعودية، وأضاف “من الواضح أيضًا أن الملك مقتنع بأن نجله على مستوى هذا التحدي”.
لكن بعض الدبلوماسيين الغربيين، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من استعداء الأمير والملك، يقولون إنهم قلقون من تنامي نفوذ الأمير، حيث وصفه أحدهم بأنه “متسرع” و”متهور”، كما أوضح أميران سعوديان على عمود خلافة العائلة المالكة في مقابلات أُجريت معهما، أن بعض كبار السن من أفراد العائلة تساورهم المخاوف والشكوك كذلك، وكان لدى كلا الأميرين شكوك وتكهنات حول تكاليف وفوائد حملة اليمن التي قادها الأمير الشاب.
بطبيعة الحال، الملك سلمان هو الذي يمتلك كامل الصلاحيات والسلطات بين يديه في نهاية المطاف، ولكن مع ذلك، أشار بعض الدبلوماسيين الذين التقوا مع الأمير محمد بن سلمان وولي العهد الأمير محمد بن نايف في الأشهر الأخيرة، أن الأخير يظهر مودة وتحببًا تجاه ابن عمه الأصغر سنًا، وقال العديد منهم إن ولي العهد كان يعمل بكد ومثابرة لإرشاد وتدريب الأمير محمد، ولكن دبلوماسيين آخرين قالوا إنهم يعتقدون أن الأمير محمد لعب الدور الأكبر في الدعوة والدفاع عن الحملة الجوية في اليمن.
من جهته، وبعد لقائه مع الأميرين، ولي العهد ونائبه، في اجتماع قمة الدول الخليجية في كامب ديفيد الشهر الماضي، صرّح الرئيس أوباما واصفًا الأمير الأصغر قائلًا “لقد أدهشنا بسعة معرفته، وذكائه المتقد”، وأضاف، في ذات المقابلة التي أجرتها معه قناة العربية المملوكة للسعودية ،”أعتقد أن حكمته تفوق سنوات عمره”.
يرى بعض الفقهاء السياسيين بأن تجميع الكثير من المسؤوليات في أيدي فرع واحد من الأسرة المالكة، ناهيك عن أنها مجتمعة بيد أمير شاب، يقوض نظام تقاسم السلطة داخل الأسرة، الذي وضعه وصاغه عند تأسيس الدولة السعودية الحديثة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود منذ ثمانية عقود، حيث ساعد هذا النظام على ختم عقود من الصراع الداخلي، العنيف أحيانًا، وساعد على الحفاظ على وحدة الأسرة منذ ذلك الحين.
جرت العادة منذ فترة طويلة على أن يترأس أولياء العهد في المملكة العربية السعودية الديوان الملكي، كما أن الوظائف الوزارية الأخرى، وخاصة الوزارات التي تسيطر على الجيش والحرس الوطني والأمن الداخلي، يتم توزيعها على الأمراء الآخرين، وجرت العادة أيضًا على وضع وزارتي النفط والاقتصاد الأساسيتين والجوهريتين بالنسبة للمملكة، في أيدي التكنوقراط المحايديين من خارج العائلة المالكة، كون هؤلاء هم الأقدر على إدارة هذه الشؤون.
ولكن الملك سلمان رمى بكل ذلك عرض الحائط، ووضع الأمير محمد كرئيس للديوان الملكي، مقدمًا إياه على ولي العهد محمد بن نايف، كما أخرج شركة النفط الحكومية من ولاية وزارة النفط، ووضعها تحت سلطة نجله محمد، الذي سلمه أيضًا رئاسة مجلس السياسات الاقتصادية الذي تم إنشاؤه حديثًا، بالإضافة إلى تسليمه مقاليد وزارة الدفاع، الوزارة التي كانت أساسًا بيد سلمان قبل توليه عرش الملك.
ومن المتوقع أيضًا أن يتولى الأمير محمد بن سلمان رئاسة الحرس الوطني من ابن عمه الأمير متعب بن عبد الله، وفقًا لأحد مساعدي الأمير متعب وبعض الدبلوماسيين الغربيين، وهذا التغيير – إن تم – سيوحد كلا القوتين تحت لواء وزارة الدفاع، ولكنه بذات الوقت سيعمل على إحداث تغييرًا جذريًا في ميزان القوى ضمن الأسرة المالكة.
إخوة الأمير محمد غير الأشقاء والأكبر منه سنًا، هم أبناء الزوجة الأولى لوالدهما، سلطانة بنت تركي السديري، المتوفاة عام 2011، وجميعهم يتمتعون بسيرة ذاتية متميزة، وكان يُنظر إليهم كمنافسين شرسين على المراكز الحكومية العليا، الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، 58 عامًا، هو عقيد سابق في سلاح الجو السعودي، ورائد فضاء سابق في بعثة مكوك الفضاء ديسكفري التي انطلقت عام 1985، ويرأس حاليًا لجنة السياحة والآثار في المملكة، الأمير عبد العزيز بن سلمان، 55 عامًا، هو نائب وزير النفط السعودي حسن السمعة، والذي بذل جهودًا حثيثة لتحديث وتطوير هذه الصناعة، الأمير فيصل بن سلمان، 44 عامًا، حاصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد، وكان زميل أبحاث سابق في جامعة جورجتاون، كما أسس أحد أكبر الشركات الاستثمارية في المملكة العربية السعودية، شركة جدوى للاستثمارات، ويشغل حاليًا منصب حاكم المدينة المنورة.
بالمقابل، الأمير محمد، يحمل درجة البكالوريوس من كلية الحقوق في جامعة الملك سعود في الرياض، ولم يدرس خارج المملكة بتاتًا، وهو الابن البكر للزوجة الثالثة والأخيرة للملك سلمان، فهدة بنت فلاح بن سلطان، التي عملت بكد لتصويره كخلّف لوالده، وفقًا لدبلوماسيين غربيين تجمعهم علاقات وثيقة مع الأسرة.
يبدو أن الأمير محمد كان يخطط لمستقبله في الحكومة السعودية منذ سن مبكرة، وفق ما قاله أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، الذي أوضح أن الأمير محمد، وعلى عكس العديد من الأمراء السعوديين من أبناء جيله، لم يدخن أو يشرب الكحول أو يسهر حتى وقت متأخر في الليل، ويضيف قائلًا “كان من الواضح لي أنه كان يخطط لمستقبله، فقد كان دائمًا يشعر بقلق بالغ إزاء صورته الاجتماعية”.
محمد، أصبح يتواجد باستمرار إلى جانب والده، وفقًا للأصدقاء والأقارب والمقربين، وفي نهاية المطاف، ضمنت له صحبته الدائمة لأبيه ألقابًا رسمية، مثل تعيينه كمستشار لوالده، عندما كان الأخير حاكمًا للرياض ووزيرًا للدفاع.
تقول الدكتورة سلوى الهزاع، طبيبة الأسرة المالكة، وعضو مُعين من قِبل الملك في مجلس الشورى السعودي، “لقد كان مع الأمير سلمان في كل دقيقة، هل لك أن تتخيل الخبرة التي قد يكتسبها جرّاء ذلك؟” وأضافت قائلة، “هل نحتاج لشخص تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، أم شخص كان ظلًا لوالده طوال الوقت؟”.
الدبلوماسيون الحاليون والسابقون ممن يمتلكون خبرة طويلة في المملكة العربية السعودية، يقولون إنهم بالكاد يعرفون الأمير محمد، كونه نادرًا ما قام بمقابلة صحفية، حتى مع وسائل الإعلام المؤيدة للنظام السعودي، ولكن السيرة الذاتية الرسمية له تذكر بشكل غامض أنه عمل لحسابه الخاص، واكتسب خبرة تجارية من العديد من الأعمال التجارية والاستثمارات التي قام بتأسيسها، كما يقول رجال الأعمال في الرياض إنه كان معروفًا بكونه تاجرًا نشطًا في سوق الأسهم والعقارات.
يقول أحد المقربين إن محمد يهوى التزلج على الماء والرياضات المائية الأخرى، التي يمارسها على البحر الأحمر أو خلال رحلاته الأخرى، وهو من محبي الآي فون وغيرها من منتجات أبل، كما يقول أحد المقربين إنه منذ طفولته يحب دولة اليابان، ولا تزال هذه البلاد هي المفضلة لديه، وعندما تزوج لأول مرة منذ عدة سنوات، اصطحب زوجته في شهر عسل لمدة شهرين إلى اليابان وجزر المالديف، علمًا أنه تزوج مؤخرًا من الزوجة الثانية، كما يقول أحد المقربين.
دور الأمير محمد الأكثر علنية كان يتمثل بإدارة مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية، الملتزمة بتطوير الشباب السعودي على نطاق واسع، حيث عقدت المؤسسة عدة مؤتمرات حول استخدامات تويتر ويوتيوب، وطرحت فكرة استخدام الرسوم المتحركة اليابانية “المانجا” لعرض الثقافة العربية من خلالها.
مرددين وجهة نظر وسائل الإعلام السعودية، أشاد العديد من السعوديين الذين التقيناهم في شوارع الرياض مؤخرًا بالأمير محمد، حيث يُنظر إلى الأمير الشاب باعتباره ممثلًا لـ70% من سكان المملكة، وهي الفئة السعودية الذين تقل أعمارهم عن الـ30 عامًا.
ولكن على الرغم من تردد السعوديين عادة في التعبير عن معارضتهم الكلامية علنًا، عبّر الكثيرون عن قلقهم من بزوغ نجم الأمير محمد، “هذه عائلة كبيرة تتنافس على الحكم، وسيطرة شاب على الحكومة، سيخلق الكثير من المشاكل” قال رجل في منتصف العمر التقيناه في مقهى في الهواء الطلق، قدم نفسه باسم أبو صلاح، وتابع قائلًا “نحن قلقون جدًا بشأن المستقبل”.
من جهته قال أبو فهد، وهو رجل أعمال سعودي، أثناء احتسائه القهوة في أحد الفنادق الفخمة، “يُروج للأمير محمد بأنه الشخص الذي يعلم كل شيء، ولكنه في الـ 29 من عمره فحسب، ما الذي يعلمه حقًا في هذا العمر؟”.
المصدر: نيويورك تايمز