لم يكن أكثر المتشائمين من أنصار حزب العدالة والتنمية يتوقع أن تنخفض نسبة الحزب إلى 41%، وكذلك الحال مع حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، الذي كان يحلم أن يتعدى عتبة 10% فإذا به يصل إلى قرابة 13%، وهو ما شكل نوعًا من المفاجأة لأنصار الطرفين.
إن نظرة سريعة على أسباب ارتفاع ما جناه الحزب الكردي، وانخفاض ما جناه حزب العدالة والتنمية من أصوات، قد تفيد في تفسير الواقع الانتخابي قليلًا؛ لنتحدث في البداية عن أسباب ارتفاع أصوات حزب الشعوب الكردي مقارنة بالانتخابات الرئاسية الماضية، إذ حصل على 9.6%، والذي في الحقيقة ليس ارتفاعًا بقدر ما هو دخول عامل جديد، لأنه يدخل الانتخابات البرلمانية لأول مرة، ولأن هناك فوارق كبيرة بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
لقد توقعنا أن تتراجع نسب التصويت للحزب الكردي بعد أن أعلن الحزب أنه سيلغي وقف الديانة التركي، وسيدافع عن حقوق المثليين، وسيلغي مدارس الأئمة والخطباء، لأن الوسط الكردي وسط متدين كما هو معروف عنه، ولكن أتت النتائج مخالفة حيث صوت معظم الأكراد لحزبهم، وهذا يؤشر إلى أن النداء القومي كان قويًا جدًا، وتولد نتيجة شعور كبير بأن الخسارة في الانتخابات تعني أن المكون الكردي سيخسر، وربما سيدفع ثمن خسارته، فكان هناك دوافع قوية نحو العمل والنجاح.
وقد أججت أحداث هجوم داعش، على مدينة عين العرب كوباني على الحدود التركية، مشاعر الأكراد تجاه إخوانهم على الجانب الآخر من الحدود، قد تم تقييم تردد الحكومة التركية تجاه الموقف هناك سلبيًا من قِبل الأكراد، والذين ردوا على هذا الموقف من خلال صناديق الاقتراع.
أحد الأسباب الأخرى وهو أن حصول المرشح الكردي على 9.6% في الانتخابات الرئاسية قبل عدة أشهر رفع سقف الآمال لدى الأكراد بعبور العتبة الانتخابية، كما أن بعض الدعوات، حتى من أنصار حزب الشعب الجمهوري، دعت بعض العائلات الموالية للحزب أن يصوت فرد من كل عائلة لحزب الشعوب الديمقراطية، إضافة إلى أن كمًا كبيرًا من الشباب بين 18 و21 عامًا صوتوا لحزب الشعوب نكاية في حزب العدالة فقط، لأنهم يريدون التغيير فحسب.
أما عن أسباب تراجع نسبة العدالة والتنمية فيمكن النظر إليها من عدة أوجه:
لقد كان طبيعيًا الحديث عن تراجع في نسب العدالة والتنمية خلال الفترة الماضية منذ 2011، حيث تعرض الحزب لضغوطات ومستجدات كثيرة، كان من أهمها عدم قدرة عدد من القادة التاريخيين للحزب على الترشح بسبب قوانين داخلية، إضافة لمشاكل وأزمات المنطقة، وتحديدًا سوريا ومصر.
أما في الفترة التي سبقت الانتخابات فقد حدثت عدة مواقف ربما يراها البعض بسيطة لكن بالتأكيد كان لها أثر مع استخدام المعارضة لها، ومنها على سبيل المثال، الجدل الذي دار حول القصر الذي بناه أردوغان وعدد الغرف التي يحويها، والجدل الذي دار حول ترشح قائد الاستخبارات التركية هاكان فيدان ثم انسحابه بعد معارضة أردوغان، وكذلك الملاسنة التي حدثت بين رئيس بلدية أنقرة ونائب أحمد داود أوغلو.
أما فيما يتعلق بالنظام الرئاسي فقد استخدمته المعارضة للحديث عن ديكتاتورية أردوغان، ومن الأسباب الأخرى التي تم تداولها ترشيح حزب العدالة لمرشحين ضعفاء لا يمتلكون مزايا كبيرة خاصة في المناطق الكردية، ففي حوار أجريته مع أحد المسئولين الأتراك أبدى اعتراضه على مرشحي الحزب في مدينة ديار بكر، وعدم امتلاكهم مؤهلات أمام منافسيهم من الأحزاب الأخرى.
لا يعني ما سبق أن حزب العدالة لم يقم بإنجازات كبيرة في الفترة الماضية، ولكن يبدو أنها هذه المرة، مع ما ذكرنا من أسباب، لم تكن كافية لحصول العدالة والتنمية على أغلبية يستطيع من خلالها تشكيل الحكومة.
أعتقد أن كل الأحزاب ستكون في سباق مع الزمن لإقناع أكبر قدر ممكن من الرأي العام والناخبين بالوقوف معها، خاصة أن سيناريوهات التحالفات كلها ستكون ضعيفة فيما يبدو، وبالتالي قد نتجه في الأغلب إلى انتخابات مبكرة سيكون التحدي فيها إحداث تغيير في القناعات خاصة من قِبل حزب العدالة والتنمية، وهذا يستلزم جهودًا كبيرة جدًا.