تفاجأ التونسيون بقرار المحكمة الإدارية القاضي بإلغاء المرسوم المتعلق بمصادرة أملاك المتورطين في نهب المال العام خلال فترة ما قبل الثورة، وخاصة بن علي وأصهاره.
وقال مصدر مطلع من المحكمة الإدارية إن قرار إلغاء المرسوم المتعلق بالمصادرة قد صدر الإثنين بالدائرة 11 من المحكمة الإدارية إثر دعوى تقدم بها بلحسن بن رحومة الطرابلسي وعدد من أفراد عائلته ضد رئاسة الحكومة للطعن في هذا المرسوم عن طريق مجموعة من المحامين، وأفاد المتحدث في تصريح أدلى به اليوم الثلاثاء بأن الحكم أقر بقبول الدعوة شكلاً وأصلاً وإلغاء مرسوم المصادرة المطعون فيه.
حكم مخالف لحكم آخر صدر عن نفس المحكمة
وقد سبق للمحكمة الإدارية عن طريق دوائر ابتدائية أن ذهبت في اتجاه معاكس لهذا الحكم وأصدرت أحكامًا إما بعدم قبول الدعوى المرفوعة أو برفضها لعدم الاختصاص باعتبار أن الطعن موجه ضد مرسوم محصن أي من الأعمال التشريعية التي لا يجوز الطعن فيها بدعوى أن في ذلك تجاوز للسلطة.
وبحسب بعض القانونيين، سيدفع هذا التناقض في الأحكام بين مختلف الدوائر الابتدائية حول الطعن في المرسوم المتعلق بالمصادرة، إلى الحسم فيه من طرف الدوائر الاستئنافية للمحكمة الإدارية، أو تعقيبيًا عبر الجلسة العامة القضائية بالمحكمة ذاتها، في صورة الاختلاف بين الدوائر الاستئنافية، باعتبارأن الجلسة العامة من دورها توحيد فقه القضاء بالمحاكم.
يذكر أن المرسوم عدد 13 المتعلق بمصادرة أموال وممتلكات منقولة وعقارية للرئيس المخلوع زين العابدين بن على وزوجته و114 شخصًا من أقاربه وأصهاره قد صدر فى 14 مارس 2011 قبل أن يتم تنقيحه بالمرسوم عدد 47 المورخ فى 31 مايو 2011.
وقد اعتمدت السلطة التونسية على هذا المرسوم لتقنين عملية مصادرة أموال وممتلكات الرئيس المخلوع وزوجته وأقاربه، كما أنها كانت من بين مؤيدات القضايا المرفوعة في مختلف الدول الأجنبية (سويسرا ولبنان على سبيل المثال لا الحصر) من أجل استرجاع الأموال المهربة خارج البلاد.
حينما يستفيد الجاني من القانون الذي انتهكه
وقال مصدر من المحكمة الإدارية التونسية إن قرار إلغاء المرسوم المتعلق بالمصادرة قد صدر الإثنين إثر دعوى تقدم بها بلحسن الطرابلسي، شقيق ليلى الطرابلسي، وعدد من أفراد عائلته ضد رئاسة الحكومة للطعن في هذا المرسوم عن طريق مجموعة من المحامين، وأضاف المصدر بأن الحكم الصادر أقر بقبول الدعوى شكلاً ومضمونًا وإلغاء مرسوم المصادرة المطعون فيه، مبينًا أن هذا الحكم هو ابتدائي وقابل للاستئناف عملاً بأحكام الفصل 64 من قانون المحكمة الإدارية.
وقد قدم محامو بلحسن الطرابلسي وعدد آخر من رجال الأعمال المعنيين بالمصادرة ، محمّد الهادي الأخوة وفيصل بن جعفر ومحمّد الصغير أولاد أحمد بن علي وساسي بن حليمة، عريضة في تجاوز السلطة ضد الرئيس المؤقت الأسبق فؤاد المبزع.
ووفق المحكمة الإدارية فإن المرسوم المتعلق بالمصادرة غير سليم من الناحية القانونية لأنه لم تتم المصادقة عليه من قِبل المجلس الوطني التأسيسي المنبثق عن انتخابات 2011 أو مجلس نواب الشعب الذي أفرزته انتخابات عام 2014.
يذكر أن وزارة أملاك الدولة التي أعلنت في الـ 24 من سبتمبر أنها تمكنت من مصادرة ما قيمته 13 مليار دولار أمريكي من العقارات والشركات والأرصدة المالية التابعة لبن علي وعائلته ومقربين منه، قد تجد نفسها في حال إقرار هذا الطعن مجبرة على إرجاعها مع تعويض “المتضررين”.
وبلحسن الطرابلسي، هو الشقيق الأكبر ليلى بن علي، لا يعرف الكثير عن نشأته وبداياته إلا أن اسمه ظهر بقوة في نهاية التسعينات إثر صعوده السريع في عالم المال، كانت أعماله في ذلك الوقت تتمركز أساسًا في قطاع العقار والاستيراد والتصدير والفندقة، جمع ماله مستغلاً نفوذه وقرابته من رئيس الجمهورية عن طريق ابتزاز رجال أعمال ومواطنين وبنوك تونسية واستغلال المال العام لتحقيق أغراض شخصية.
الحكومة مصدومة وتعتزم الاستئناف
ومن جهته، اعتبر وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية حاتم العشي قرار المحكمة الإدارية القاضي بإلغاء مرسوم المصادرة قرارًا خطيرًا وصادمًا، مشيرًا إلى أنّ جميع المراسيم التي لم يتم المصادقة عليها من طرف المجلس التأسيسي المنحل ومجلس نواب الشعب أصبحت قابلة بدورها إلى الإلغاء، وأوضح في تصريح إذاعي، أمس، أنه بإلغاء المرسوم أصبح بإمكان بن علي وعائلته المطالبة باسترجاع أملاكهم وبتعويضات.
وقال وزير أملاك الدولة إنّ القرار قابل للاستئناف وعند الاستئناف يتم إيقافه، معتبرًا أنه كان على المحكمة الإدارية متابعة ملفات الأشخاص الذين تمت مصادرة أملاكهم كل على حدة لا إلغاء مرسوم برمته.
وأضاف أنه في حال تأييد القرار من طرف محكمة الاستئناف سيتم الالتجاء إلى محكمة التعقيب، داعيًا قضاة محكمة الاستئناف إلى اتخاذ القرار المناسب باعتبار أنّ لهم خبرة، على حد تعبيره، وأكّد أن الوزراة كانت بصدد مراجعة مرسوم المصادرة ودعت إلى ربطه بالمصالحة.