ترجمة وتحرير نون بوست
يوم الجمعة، تجمّع مجموعة كبيرة من المراهقين للقيام بحفلة حول المسبح في مدينة ماكيني في ولاية تكساس، وبعد ذلك بوقت قصير، قام شخص ما باستدعاء الشرطة، ومساء الأحد، ومع انتشار لقطات من الطريقة التي تصرفت بها الشرطة تلك الليلة عبر شبكة الإنترنت، أعلن قسم شرطة ماكيني أن إريك كاسبولت، مشرف الدورية الذي ظهر في شريط الفيديو، تم وضعه في أجازة إدارية إجبارية.
هذه الحادثة هي الأحدث في سلسلة الحوادث التي استخدمت فيها الشرطة القوة المفرطة ضد الأمريكيين من أصل أفريقي، والتي استحوذت على اهتمام الرأي العام، كما أن هذه الحادثة وقعت في مسبح جماعي عام، وهي أماكن معروفة منذ أكثر من قرن من الزمان، على أنها مسرح لصراعات متصاعدة متركزة حول العرق والطبقة الاجتماعية.
يظهر شريط الفيديو الملتقط عن الحادثة، عريف من الشرطة يتفوه بكلام بذيء للشبان الذين يعنفهم، ويأمر الشابات بمغادرة الموقع بكلمات نابية وفاحشة، وعندما يطلب منه عدة شبان، أجبرهم على الجلوس على الأرض، بأدب إذنًا للمغادرة، ينفجر أمامهم بقوله “لا تجعلني أركض وأدور مع 30 كيلو من العتاد تحت الشمس لأنك تريد فقط أن تعبث بالحي”، العريف كان أبيض اللون، والشباب الذين أوقفهم كانوا جميعًا، وبدون استثناء، من السود.
الفيديو يظهر أيضًا قيام العريف بشتم مجموعة الشابات مرارًا وتكرارًا، ليدفعهن إلى مغادرة المكان، ومن ثم يظهر العريف وهو يلاحق إحدى الشابات، ويسقطها أرضًا، مما يسفر عن رعب بين المارة، الذين يندفع العديد منهم نحو الشابة بغية مساعدتها على ما يبدو، وهنا يخرج الشرطي مسدسه ويوجهه نحوهم، مسببًا فرارهم جميعًا، ومن ثم يعود إلى الشابة المراهقة، ليضع أيديها خلف ظهرها، ويكبلها، مجبرًا إياها على وضع وجهها في الأرض، وضاغطًا بركبتيه على ظهرها.
رابط الفيديو :
في بيان لها، أشارت شرطة ماكيني، أنها استجابت لبلاغ من مسبح كريغ رانش نورث كاميونيتي يشير إلى “وقوع اضطراب سببه وجود عدة أحداث في المسبح، ممن لا يعيشون في المنطقة، وليس لديهم إذن لدخول المسبح، وهم يرفضون المغادرة”، وأضاف البيان أن قسم الشرطة تلقى مكالمات أخرى ذكرت حدوث قتال في الموقع، وعندما رفض الجميع الامتثال لأوامر الضباط الذين تم إرسالهم في البدء، تم إرسال تسع وحدات إضافية.
رئيس البلدية “العمدة” بريان لوميلير عبّر عن اضطرابه وشعوره بالقلق إزاء الحادث، أما قائد الشرطة فقد وعد بإجراء تحقيق كامل وشامل حول القضية.
كالعديد من الضواحي الأمريكية، تكافح ماكيني تحت وطأة قضايا الإنصاف والتنوع العرقي، وتعتبر المدينة من بين المدن الأسرع نموًا في أمريكا، وينحدر سكانها من طائفة واسعة من الخلفيات، ورسميًا، الفصل العنصري ما بين سكان المدينة هو حالة ماضية أصبحت غير قانونية، ولكن على أرض الواقع الانقسامات ما بين السكان صارخة.
في عام 2009، اضطرت مدينة ماكيني لتسوية دعوى قضائية تزعم أنها منعت تطوير مساكن بأسعار معقولة في الجزء الغربي الأكثر ثراءً من المدينة، بحيث تكون أسعار هذه المساكن مناسبة للمستأجرين في القسم 8 من المدينة؛ فإلى شرق الطريق السريع رقم 75، وفقًا لما جاء في الدعوى القضائية، ماكيني تتألف بـ49% منها من السكان البيض، أما إلى الغرب منه، فماكيني تتألف بـ86% من السكان البيض، ووفقًا لذلك، يزعم المدعون في الدعوى أن المدينة والهيئة العامة للإسكان كانت مستعدة للتفاوض من أجل توفير وحدات سكنية لذوي الدخل المنخفض في شرق ماكيني، ولكن ليس في غربها، مما يشكل حالة غير قانونية من التمييز العنصري.
المسابح العامة الموجودة في المدينة تتركز جميعها إلى شرق الطريق السريع 75، ومسبح كريغ رانش نورث كاميونيتي، حيث وقعت الحادثة، يقع إلى غرب الطريق السريع، والتقارير الصادرة من هناك تشير إلى أن المشكلة اندلعت أساسًا عندما قالت امرأة بالغة للمراهقين “عودوا إلى القسم 8 من المدينة”.
كريغ رانش نورث كاميونيتي هو أقدم جزء سكني من المشاريع العقارية التطويرية التي تصل مساحتها إلى 2200 فدان، والحي لا يحتوي على أبنية طابقية، بل منازله عبارة عن منازل قائمة بذاتها مخصصة لعائلة واحدة فقط، ويضم الحي مركزًا مجتمعيًا يحتوي على مسبحين وحديقة وملعب، والتحسينات الخاصة التي تتم داخل الحي حاليًا، تتضمن بشكل روتيني بناء المسابح، وغالبًا ما يتم تمويل هذه المسابح من قِبل مستحقات جمعيات أصحاب المنازل، وتُحكم هذه المسابح بالقواعد الخاصة التي يتم وضعها من قِبل هذه الجمعيات، وفي الحقيقة، هذا في حد ذاته، يمثل تحولًا ملحوظًا عن القواعد السابقة.
في البداية، كانت المسابح الجماعية هي أماكن عامة مفتوحة بالتساوي أمام الجميع، ومعظم المسابح العامة في أمريكا كانت عبارة عن حمامات تخدم هدف النظافة والاستحمام أكثر من الاسترخاء، حيث كان يتم فتح أبواب هذه المسابح في أيام معينة للرجال وفي أيام معينة أخرى للنساء، ولكن على الأقل في الشمال، كانت المسابح مفتوحة دون اعتبار للجنس، وفي عشرينيات القرن الماضي، ومع انتشار المسابح العامة، أصبحت هذه المسابح تخدم أهداف الترفيه والترويح عن النفس، أكثر من خدمتها للنظافة الشخصية، ولهذا لم يرق للعامة أن يروا النساء والرجال من مختلف الأعراق يسبحون معًا في ذات المسبح؛ مما دعا الموظفين العموميين لفرض تفرقة حادة ما بين السود والبيض ضمن المسابح العامة.
مع الحروب على كافة الأصعدة التي خاضها الأمريكيون من أصل أفريقي لإلغاء الفصل العنصري في الخمسينيات، أصبحت المسابح العامة في أمريكا ساحات لمعارك متكررة قائمة على أساس عرقي؛ ففي مارشال بولاية تكساس، على سبيل المثال، تقدم شاب مدعوم من قِبل الجمعية الوطنية لتقدم الملونين في عام 1957 بدعوى قضائية لإجبار أحد المسابح العامة على السماح بدمج جميع الأعراق فيها، وعندما أوضح القاضي أن المدينة ستخسر الدعوى لصالح الدمج، صوّت المواطنون في المدينة لصالح بيع جميع مرافقها الترفيهية بدلًا من السماح بالدمج فيها، وتم بيع المسبح لنادي الليونز المحلي، الذي استطاع أن يجعل المسبح مرفق ملكية خاصة مخصص للبيض فقط.
قرارات المجتمعات الأخرى حول هذا الموضوع لم يتم الكشف عنها بشفافية، ولكن الاتجاه العام ضمن هذه المجتمعات كان واضحًا ولا لبس فيه؛ فقبل عام 1950، كان الأمريكيون يرتادون المسابح العامة بشكل متكرر ودائم، لأن عدد المسابح الخاصة كان قليل جدًا، فضلًا عن أن هذه المسابح كانت مخصصة للأثرياء فقط، ولكن على مدى النصف قرن الذي يليه، ازداد عدد المسابح الخاصة من حوالي 2500 مسبح إلى أكثر من أربعة ملايين مسبح، وهذه الزيادة الهائلة نجمت عن انخفاض تكلفة بناء المسابح، وتحسن التكنولوجيات المستخدمة فيها، وتحضّر الضواحي والأرياف، وبموازاة هذه الزيادة في عدد المسابح الخاصة، كانت المسابح العامة تتجه لتطبيق نظام الدمج العنصري.
وهنا يشير المؤرخ جيف ويلتسي في كتابه المنشور عام 2007 “المياه المتنازع عليها: التاريخ الاجتماعي لمسابح أمريكا” بقوله “على الرغم من أن الكثير من البيض تخلوا عن الذهاب إلى المسابح العامة التي تتبع نظام الدمج العنصري، فإن معظمهم لم يتوقف عن السباحة، بدلًا من ذلك، قاموا ببناء مسابح خاصة، سواء ضمن النوادي أو الأبنية السكنية، وسبحوا فيها، كما باشرت الضواحي بتمويل النوادي الخاصة التي تحتوي على مسابح بدلًا من المسابح العامة، لأن مسابح النوادي الخاصة مكّنتهم من السيطرة على الطبقة والعرق اللذان يسمح لهما بارتياد المسبح، في حين أن المسابح العامة لم تمكنهم من هذه السيطرة”.
اليوم، يستمر هذا الإرث المعقد في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فمسابح منتصف القرن الماضي العامة التي كانت تتميز بشواطئها الرملية، ومروجها المشذبة، وعنايتها الرائعة، أصبحت مرافقًا نادرة الوجود، والآن يمكنك أن تجد هذه الأنواع من المرافق فقط خلف الأبواب المغلقة، في النوادي الخاصة أو المسابح الممولة من مستحقات أصحاب المنازل، وليس عن طريق أموال دافعي الضرائب، وبذلك تكون هذه المسابح مفتوحة لأولئك الذين يستطيعون أن يعيشوا في مثل هذه الأحياء، ولكنها مغلقة أمام جيرانهم الذين يقعون على الجانب الآخر من الطريق.
ما حدث في ماكيني يوم الجمعة، حدث على هذه الخلفية، التي سمحت بخصخصة المرافق التي كانت في يوم ما عامة، مما أعطى السكان توقعًا بأنهم يستطيعون السيطرة على الأشخاص الذين يسبحون إلى جانبهم، وحتى لو كان بعض المراهقين من سكان الحي، أو كان البعض الآخر يملك بطاقة دخول إلى المسبح، كما أوضح بعض الذين تعرضوا للانتهاك في حادثة ماكيني، فإن وجود “عدة أحداث في المسبح، ممن لا يعيشون في المنطقة” كان سببًا لامتعاض البعض، وكما وضحت بعض التقارير، العديد من البالغين الذين كانوا في المسبح قاموا بالاتصال بالشرطة لتقديم الشكوى، علمًا أن السكان البالغين الذين يظهرون في مقطع الفيديو لا يبدو أنهم يظهرون أو يعبرون عن أي قلق من أن استجابة الشرطة لشكواهم قد تمادت إلى حد بعيد جدًا، ولم تعد متناسبة بعنفها مع الجرم المزعوم الذي ارتكبه المراهقين، بل على العكس من ذلك، شخص ما من الحي، وضع لوحة بجانب المسبح بعد ظهر يوم الأحد تقول ببساطة “شكرًا شرطة ماكيني، للحفاظ على سلامتنا”.
المصدر: ذي أتلانتيك