ترجمة وتحرير نون بوست
أثار الإفراج عن عمر خضر بعد 13 عامًا من الحبس اهتمامًا كبيرًا، بعد أن عُرفت قضيته باسم “طفل غوانتانامو”، وعلى الرغم من أنني كنت أيضًا في غوانتانامو، بيد أنني لم ألتقِ به هناك، بل التقيت بصبي في معتقل باغرام، الذي كان على وجهه المصاب بجروح خطيرة، وجسمه، وعقله، أن يتحملوا وحشية انتقام الآلة العسكرية للولايات المتحدة ما بعد حوادث 11 سبتمبر؛ منذ 15 عامًا، وفي صيف عام 2002، هكذا كانت الحالة التي التقيت بها عمر خضر لأول مرة.
بالنسبة لي، فقد تم اعتقالي من قِبل المخابرات الباكستانية في إسلام أباد، واستجوابي من قِبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قبل أن يتم نقلي إلى المعتقل العسكري الأمريكي في قاعدة باغرام الجوية، المعروف بكونه أشد عنفًا وقمعية من معتقل غوانتانامو.
في باغرام، كان يتم توزيع السجناء بين ست زنازين جماعية، تتسع كل منها لحوالي 10 إلى 12 شخص، والمدخل إلى كل زنزانة كان يمر ببابين من الأقفاص المعدنية، وكان يتم عزل السجناء في إحدى غرفتين، غرفة “Airlock” أو غرفة “Sally Port”، وبالغالب كانت تستعمل هذه الغرف لأغراض تكبيل السجناء، أو لعزلهم عن السجناء الآخرين، أو لعقابهم وتعنيفهم.
الزنازين لا تحتوي على نوافذ ولا تصلها الإضاءة الطبيعية، والضوء كان يقتصر على الأضواء الكاشفة الاصطناعية القوية المسلّطة فوق رؤوسنا ليلًا ونهارًا، وفي الجزء الخلفي من كل زنزانة، كان يوجد برميل مقصوص في منتصفه، يتم استعماله بمثابة مرحاض للزنزانة.
أحاديث الهمس
القواعد كانت تحظر على السجناء التحدث إلى بعضهم البعض، ولكن معظم الأحاديث كان يتم إجراؤها همسًا، وباعتباري واحد من عدد قليل من السجناء الذين يعرفون التحدث باللغة الإنجليزية، استطعت في كثير من الأحيان أن أجري محادثات مع الحراس، وفي إحدى المرات، أخبرني أحدهم عن وصول صبي مراهق مصاب بشدة، تم القبض عليه واتهامه بإلقاء قنابل يدوية على الجنود الأمريكيين الغافلين.
عندما أُحضر عمر إلى الزنزانة التي تقع بالقرب من زنزانتي، كان من الواضح أنه مجرد صبي هزيل، وحينها كان بالكاد يبلغ 15 عامًا، ومصابًا بجروح مروعة في جميع أنحاء جسده، بالإضافة إلى إصابته بالعمى في إحدى عينيه، وببعض الجروح الغائرة بعمق في كتفه وصدره، وذكرتني الخياطة التي تحيط بتلك الجروح بشكل خياطة الجثة بعد القيام بتشريحها.
في الليل، كان الجنود يأخذون عمر ويضعونه في غرفة التعذيب “Airlock”، ويصرخون في وجهه، ويصفونه بأنه قاتل، وإرهابي حقير يستحق الموت، ولكن عمر كان هادئًا ولم يظهر أي شكوى مما يحصل معه.
المشي، الكلام، صلاة الجماعة، قراءة القرآن بصوت عالٍ، كانت جميعها أمور محظورة في المعتقل، وفي حال انتهكنا هذه القواعد، كان يتم معاقبتنا بعزلنا في غرفة “Sally Port”، حيث يتم تغطية رؤوسنا وتكبيل أيدينا بالأغلال ورفعها فوق باب الغرفة لساعات طويلة، هذا النوع من التعذيب كان مجهدًا وصعبًا بالنسبة لنا، نحن الرجال المكتملون والقادرون بدنيًا، ولكن عندما كان يتم تعذيب الطفل عمر بهذه الطريقة، كانت قلوبنا تنفطر.
ولكن مرة أخرى، عمر كان هادئًا ولم يشتكِ أبدًا، رغم جراحه المروعة، وفي الواقع، عندما كان يقرأ القرآن بصوته الناعم واللطيف، كان يبدو أشد هدوءًا.
في نهاية المطاف تم نقلي مع عمر إلى ذات الزنزانة، وهناك قضينا بعض الوقت بإجراء محادثات صامتة، وكان بعض الجنود، ومن ضمنهم داميان كورسيتي الملقب بالوحش، وعلى الرغم من اتهامه بإساءة معاملة السجناء، يلاحظون سوء المعاملة التي يتلقاها عمر، ويعاملونه ببعض الإنسانية نتيجة لذلك.
خرطوش بوب
الحراس كانوا يطلقون على عمر اسم “خرطوش بوب” في إشارة إلى السبب الرئيسي لإصاباته، حيث قام الجنود الذين قبضوا على عمر بإطلاق النار على ظهره ببندقية صيد من مسافة قريبة، رغم أنه حينها كان يرقد جريحًا تحت أنقاض المبنى الذي قصفته القوات الأمريكية حيث تم القبض عليه، ومن المدهش أن عمر كان الشخص الوحيد الذي نجا من هذا القصف.
بقي عمر في معتقل باغرام لبضعة أشهر فقط، ومن ثمّ أُرسل إلى غوانتانامو قبلي، ومنذ ذلك الحين لم أره مرة أخرى، ولكن قصته كانت دائمًا تجول في المعتقل، وبعد إطلاق سراحي، التقيت مع المحامين المدنيين والعسكريين الذين كانوا يدافعون عنه، وتحدثت إلى عائلته، علمًا أن عمر كان آخر مواطن تابع بجنسيته إلى دولة غربية يتم الإفراج عنه من غوانتانامو؛ فجميعنا تم الإفراج عنا قبله، وعودته إلى بلده الأم كندا، جاءت نتيجة لصفقة اعترف فيها بأنه مذنب بارتكاب جرائم حرب، ولكن أيًا كان ما ارتكبه عمر، فإنه بالتأكيد لم يقم برمي قنابل يدوية على الجنود المطمئنين والغافلين في أفغانستان.
معظم السجناء الذين اعترفوا بأنهم مذنبون في محاكمة اللجان العسكرية الهزلية في غوانتانامو، تم إعادتهم إلى ديارهم، وهذا الاعتراف كان تذكرة عمر للعودة إلى الوطن، حيث سعى هناك لاستئناف الحكم واغتنام حريته.
مرارة العيش
بعد إطلاق سراحه، طعن عمر بالاعتراف الذي تم سلبه منه في غوانتانامو، وأصر على أن هناك شكوكًا حقيقة حول ما إذا كان من الممكن أصلًا أن يكون هو الذي قد ألقى القنبلة التي قتلت نشطاء القوات الخاصة الأمريكية، ودعّم هذه الأقوال لاحقًا بشهادات لشهود عيان من الجنود، الذين أثبتوا أقواله بأن شخصًا آخر هو الذي رمى القنبلة.
كلمات عمر التي قالها بعد الإفراج عنه بكفالة، أسعدت أنصاره وأخرست منتقديه، وكالعادة لم يُظهر عمر أي شكوى، ولم يذكر المرارة التي عانى منها.
رغم الإفراج عنه، بيد أن عمر ليس حرًا تمامًا، حيث أُجبر على البقاء في عنوان واحد، وعلى ارتداء شريط إلكتروني لتحديد موقعه، كما أنه ممنوع من استخدام الهاتف المحمول أو الإنترنت، والأهم، هو أنه غير قادر على رؤية عائلته التي تبعد عنه 3200 كم، حتى يتم قبول طعنه، ويربح استئنافه.
محامي عمر، دينيس ادني، هو أكثر من مجرد محام، هو صديق ملتزم يهتم لأمره حقًا، ولكن، مثل أغلبنا، وفي منتصف الليل، وعندما يعم الهدوء المكان، يزحف عمر تحت سريره، ويباشر البكاء، تمامًا كما فعل عندما كانت مقلتيه الشابتين المصابيتن تسقيان أرض معتقل غوانتانامو وباغرام.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية