بغض النظر عمّا إذا كان عضو الكنيست الليكودي “أورين حازان” التابع لرئيس الوزراء “بنيامين نتانياهو” سيقوم برفع دعوى قضائيّة ضد القناة الثانية الإسرائيليّة، بتهمة القذف والتشهير أم لا؟ وذلك في أعقاب بثّها لتقريرٍ يكشف عن أنّه كان ضالعاً في إدارة حانة للقمار خارج البلاد، تشمل تشغيل بائعات الهوى من الإسرائيليات والأجنبيات في إطار شبكة دعارة، وفي تعاطي المخدرات والاتجار بها.
لكن ما يهم، هو الاستنتاج بأنه لا دخان بلا نار، بمعنى أن هناك فساد لـ “حازان” أولاً، ثم ماهي انعكاساته، ليس على مستقبله هو بمفرده، برغم منصبه كعضو كنيست، وباعتباره أحد أكثر الأعضاء شهرة في إسرائيل، استناداً إلى حضوره وصخبه، وإنما على مستقبل سيدّه “نتانياهو” وحزب الليكود بشكلٍ عام ثانياً؟ سيما، وأن “نتانياهو” بالكاد يُحافظ على حكومته واقفة على رجليها، بواسطة المنبّهات والمنشطات، ولو إلى صباحٍ آخر، يتم تسجيله باسمه على رأسها، بسبب أنها وُلدت ضعيفة ومنبوذة داخلياً وخارجياً أيضاً.
مجرّد التعريف بـ “حازان” جالب العار – كما جرت تسميته لدى المتربصين شرّاً بالحكومة على الأقل- باعتباره ابن النائب السابق “يحئيل حزان” من الليكود أيضاً، والذي سبق وتمّت إدانته والحكم عليه بقضايا متعلقة بالتزوير والاحتيال، وخرق الثّقة بعد تصويته المزدوج في الكنيست عام 2003، ومحاولته في كل مرّة إخفاء الأدلة، ما يعني أنه فاسد بالوراثة، وليس إرثاً عن أبيه فقط، بل عن معظم القادة في إسرائيل أيضاً، وكأنّهم فُطِروا يحترفون الفساد، إضافةً إلى ثقة القناة صانعة التقرير بنفسها، بأنّ التحقيق الذي بثته ضد “حازان” لم يُبنَ على الخيال، وإنّما مدعوم بوثائق وبشهادات غير قابلة للطعن، فهذه من العناصر الكفيلة بإدانته، وجرّ الحكومة أيضاً إلى إشكالات غير متوقعة.
هذا الكشف – الورطة- ولا شك، أثار عاصفةً هوجاء، وسوف يُثير صخباً أكبر، على المستوى الإسرائيلي برمّته، وبالدرجة الأولى هو صيدٌ ثمين بالنسبة للمعارضة، التي هي في الأساس تبدو قويّة بشأن ملاحقة “نتانياهو” وحكومته، والتي أخذت على عاتقها إسقاطها، حتى قبل خروجها من الإناء الزجاجي.
فمنذ البداية، كانت الردود عليه قاسية جدّاً، خاصّةً بعد أن تسلّمه بكل حفاوة، “إسحاق هيرتسوغ” زعيم المعارضة والندّ الكبير لـ “نتانياهو” باعتبارها بادرة جيّدة لإضعافه وتسفيه حكومته، لسبب أخلاقي على الأقل، وهو أن “نتانياهو” مسؤول عن أعضاء حزبه ومنذ ولادتهم.
وذهب بعض الأعضاء والقادة، إلى المطالبة بطرد “حزان” فورًا من منصبه كنائب لرئيس الكنيست، كخطوة أولى، وكانت أعلنت رئيسة كتلة (ميرتس) البرلمانية “زهافا غال أون”، عن أنّ قوادة النساء هي حقارة أخلاقيّة وإنسانيّة، ولمن اشتغل بها لا مكان له في الكنيست الإسرائيلي.
أي شخص مُتّهم حتى بأبشع الأشياء وأكثرها جرماً، يمكنه بدايةً إنكار ما يُنسب إليه، ودفع ما يُلقى على كاهله، ولا ننسى يأن كل مفسدي إسرائيل من القادة والزعماء السياسيين والعسكريين والحاخامين الدينيّين، والذين أُدينوا بالتهم الموجّهة إليهم، جاهدوا في النفي والإنكار في كل ما نُسِب إليهم من اتهامات ومخالفات، وكانوا يؤكّدون بأنهم خضعوا لابتزاز وحسب.
يمكن التذكير- كمثال- بالإدانة التي حصل عليها بجدارة رئيس الدولة السابق ” موشيه كتساف” منذ أواخر 2010، والمتعلّقة بتُهم التحرش والاغتصاب، كما أدِين رئيس الوزراء السابق “إيهود أولمرت” في أواخر مارس/أذار الماضي، بتُهم فساد مختلفة ومنها الغش والاحتيال.
بمقدور الكل تصوّر حال “نتانياهو” الآن وهو يتابع مجريات الحادثة، بالتأكيد فهو في أسوأ حالاته، سيما وهو ينتظر انعكاسات مؤلمة، ستؤثّر على مستقبل حكومته وربما مستقبل الحزب نفسه، خصوصاً وأنه لا يحتاج إلى مكدرات زائدة فوق الكتل الحرجة والمتواجدة على أكتافه، كما أنه غنيٌ عن إشكالات متعلقة بالفساد، باعتباره أيضاً لا يزال تحت طائلة الشكوك حول اقترافه لقضايا يُعاقب عليها القانون.
فمنذ أن عاد إلى العمل السياسي بعد سقوط حكومته في العام 1999، كنائب في الكنيست ثم كوزير للماليّة في حكومة “أرييل شارون” وكرئيس للمعارضة في عهد حكم كل من “شارون” و”إيهود أولمرت”، وما بعد تمكّنه من تشكيل الحكومة في 2009، كانت توجّهت إليه العديد من الاتهامات، وعلى رأسها المتعلقة بإهدار موارد الدولة، كانت قد تقدّمت بها أحزاب معارضة ومؤسسات إسرائيلية أخرى، ومع أنها تُعتبر من الأوزان الثقيلة، وبأن من الصعب الإفلات أو التهرّب منها، إلاّ أنه كان ينجو منها بأعجوبة، إمّا نتيجة لظروف سياسية أو اقتصادية أو انتخابية، أو أن الشرطة لا ترى أسباباً كافية لفتح ملفات جنائيّة ضده.