انطلقت يوم الإثنين جولة جديدة من المباحثات الأممية المخصصة للنزاع الليبي بالبلاد، من أجل وضع حد للصراع الذي قسّم ليبيا منذ شهور، واستضافت قاعة المؤتمرات بالصخيرات المغربية، جولة المباحثات الجديدة بين الأطراف الليبية المتنازعة، بعد أن فشلت جولات سابقة من المحادثات عن تقدم يُذكر، مع نشوب جدال على مدى أشهر بين الحكومتين والبرلمانيين بشأن اتفاق لتشكيل حكومة وحدة.
ويهدف الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة بين طرفي النزاع منذ أشهر إلى إدخال البلاد في مرحلة انتقالية لمدة لا تتجاوز سنتين، يتخللها تشكيل حكومة وحدة وطنية، مجلس رئاسي، وإعادة تفعيل هيئة صياغة الدستور.
دعم إقليمي لمباحثات الصخيرات
وقد انطلقت المباحثات مسنودة بدعم سياسي إقليمي عبرت عنه كلاً من مصر والجزائر وإيطاليا، حيث أكدت هذه الدول على دعمها للحل السياسي في ليبيا، خلال اجتماع وزاري ثلاثي جمعهم، عُقد يوم الأحد في القاهرة.
وأكد وزيرا خارجية مصر سامح شكري، وإيطاليا باولو جنتيلوني، ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي بالجزائر عبد القادر مساهل، أن الدول الثلاث تؤيد “الحل السياسي” في ليبيا والجهود التي تبذلها الأمم المتحدة بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وعبرت الدول الثلاث عن دعمها للمبعوث الأممي إلى ليبيا، برناردينو ليون، في جهوده للتوصل لحكومة وحدة وطنية تؤدي إلى العمل المشترك من قِبل الأطراف السياسية الليبية، التي نبذت العنف والإرهاب وتنازلت عن الخيار العسكري.
وأجمع وزراء الخارجية خلال ندوة صحفية على أن الاتفاق بين الأطراف المتنازعة في ليبيا وتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ هو السبيل للسيطرة على الأوضاع على الأرض، والسيطرة على “الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية”.
ليون متفائل، رغم كل شيء
ومع انطلاق المباحثات حول الوثيقة الجديدة التي قدمها المبعوث الأممي برناردينو ليون، قال الأخير في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية في الجلسة، التي حضرها ممثلو المؤتمر الوطني الليبي العام ومجلس النواب المنحل، “إن هذه المسودة الجديدة تهدف لإيجاد حلًا سياسيًا وكليًا للأزمة الليبية”، مشيرًا إلى أنها تتضمن رؤية للهيكل المؤسساتي المقبل والترتيبات الأمنية.
وأضاف أن الوقت حان لاتخاذ القرارات الصعبة لتحقيق السلام، والبدء في العملية الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية، حسب تعبيره، وشدد على ضرورة توقف المعارك، معربًا عن أمله بأن يتسلم من الوفدين ردودهما على الوثيقة الجديدة في أقرب وقت قبل أن يتم الاجتماع الأسبوع المقبل “للتوقيع”.
وكانت بعثة الأمم المتحدة أصدرت بيانًا يوم الجمعة الماضي، أعلنت فيه أن جولة جديدة من جلسات الحوار الليبي تنطلق الإثنين في مدينة الصخيرات المغربية، بعد تلقيها “آلاف الرسائل من الليبيين الذين يشعرون بقلق بالغ إزاء الأوضاع المتردية في بلادهم، ومطالبتهم باستئناف مباحثات الحوار بشكل عاجل”.
وأوضحت البعثة، من خلال صفحتها على الفيسبوك، أن المدعوين للاجتماع سيناقشون المسودة الجديدة للاتفاق السياسي، بالاستناد إلى الملاحظات التي قدمتها مختلف الأطراف مؤخرًا، من دون أن تقدم أي تفاصيل بشأن هذه الملاحظات.
وحث البيان الأطراف الليبية المعنية على الانخراط في المناقشات القادمة بـ”روح المصالحة والتوصل إلى تسوية، والإصرار على التوصل إلى اتفاق سياسي، لإحلال السلام والاستقرار في البلاد”.
وقال ليون إن هناك تفاؤل وأمل في أن تؤدي المباحثات التي تقودها الأمم المتحدة إلى اتفاق بين الأطراف الليبية، مؤكدًا أن المجتمع الدولي يدعم التوصل للاتفاق، وبيّن ليون أن مسودة الاتفاق الجديدة التي قدمها لحل الأزمة الليبية لا تزال قيد النقاش من قِبل مختلف الأطراف، معتبرًا أن الأمر لا يزال يحتاج لوقت لتقييم مدى نجاح هذا المقترح.
محتوى المسودة محور النقاش
ونصت مسودة الاتفاق على الالتزام بتشكيل حكومة وفاق وطني، تقود الجهاز التنفيذي وتعمل على تنفيذ برنامج عمل متوافق عليه، كما نصت على تشكيل حكومة الوفاق الوطني على أساس الكفاءة، وأن يكون مقرها الرئيسي العاصمة طرابلس، ويمكنها أن تمارس أعمالها من أي مدينة أخرى، كما اتفق الطرفان على الالتزام بأن مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد خلال الفترة الانتقالية.
ويدعو الاتفاق إلى تشكيل مجلس للدولة ذي صفة استشارية يتألف من 120 عضوًا من أعضاء برلمان طرابلس، ويتناول أيضًا شروط وقف إطلاق النار، نزع سلاح الجماعات المسلحة، تشكيل قوات مسلحة موحدة، وانسحاب الجماعات المسلحة من المنشآت النفطية والمطارات والمنشآت الأخرى بعد توقيع الاتفاق.
انسحاب جديد لبرلمان طبرق
وعلى نحو مفاجئ، قرر مجلس نواب طبرق المنحل، يوم الثلاثاء، تعليق مشاركته في جلسات الحوار المنعقدة في الصخيرات في المغرب، إلى جانب جلسات الحوار المُكمّلة لها، والتي انعقدت في ألمانيا، كما رفض اقتراح الأمم المتحدة بتشكيل حكومة وحدة، لإنهاء الصراع على السلطة الدائر في البلاد.
وقرر البرلمان الليبي المنتخب منع نوابه من السفر إلى ألمانيا لحضور اجتماع مع زعماء دول أوروبية ودول شمال أفريقيا، وفق الاقتراح المُقدم من مبعوث الأمم المتحدة الخاص برناردينو ليون.
المؤتمر الوطني العام يتفاعل إيجابيًا وترحيب من واشنطن وباريس
ومن جهة أخرى، أعلن المؤتمر الوطني العام في ليبيا أنه سيعطي مطلع الأسبوع القادم رأيه في مسودة الاتفاق التي تقدمت بها بعثة الأمم المتحدة، وعلى صعيد دولي، رحبت الخارجية الأمريكية بمسودة الاتفاقية التي قدمتها الأمم المتحدة لأطراف النزاع في ليبيا، ووصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جيف راثكي، المسودة بالوثيقة المتوازنة، معتبرًا أنها تقدم أفضل السبل للمضي قدمًا في طريق المصالحة الوطنية بين أطراف الأزمة.
من جهته، قال وزير الدفاع الفرنسي، جون إيف لودريان، إن الخيار الوحيد لحل الأزمة في ليبيا هو الحل السياسي، وأضاف أن الذين يفكرون في الحل العسكري إنما يخدمون أهداف تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعمل من أجل ذلك، وعبر الوزير الفرنسي عن دعم بلاده المطلق للمبعوث الأممي في ليبيا، الذي يواصل مشاوراته في برلين من أجل التوصل لاتفاق سياسي، قبل حلول شهر رمضان.
اجتماع ألمانيا : فرض للأمر الواقع؟
وفيما يشبه فرض الأمر الواقع، عقبت جلسات الحوار المنعقدة في الصخيرات جلسات أخرى احتضنتها ألمانيا، شملت أطراف الحوار الوطنى الليبى والدول الخمس الكبرى الأعضاء بمجلس الأمن ، يوم الأربعاء، ورغم قرار الانسحاب الذي صدر عن برلمان طبرق، ودعوته لممثليه بعدم المشاركة في مشاورات ألمانيا، احتضنت ألمانيا ممثلي كلا الطرفين، وهو ما أشار إلى وجود اختلاف داخل معسكر الشرق الليبي.
وقال وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إن على الليبيين تقديم تنازلات “مؤلمة” للتوصل لاتفاق، وبيّن شتاينماير أن ليون قدّم مسودة بها حلول معقولة للاتفاق، وأن هذه المسودة تطالب ببعض حلول الوسط “والتنازلات المؤلمة” من جميع الأطراف، وأكد الوزير الألماني أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق فإن البلاد ستنزلق في مرحلة أخطر؛ تتمثل في انتشار الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والاستفادة من تآكل هيكل الدولة في ليبيا، وهو ما يُعجل بانهيار الدولة، حسب تعبيره.
وفي السياق ذاته، قال المبعوث الأممي ليون، إن الأوان قد آن للتوصل للاتفاق، معتبرًا أن ليبيا ليس لديها الوقت لتنتظر، والليبيون لا يستطيعون العيش في هذه الظروف الصعبة الكارثية، كما أشار إلى المخاطر الأمنية والخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استطاع السيطرة على سرت.
واعتبر المبعوث الأممي أن هذا الوضع لا يشكل خطرًا على ليبيا فقط بل على أوروبا والدول المجاورة، متطرقًا إلى صعوبة الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، وذكر أن هذه العوامل تشير إلى أن الوقت لم يعد كافيًا لليبيا ولليبيين الذين يجب أن يدعموا التوصل للاتفاق، وأضاف أن التحدي ليس التوافق على هذه المسودة بل أن يكون التوافق سريعًا، وأن يتفق الفرقاء قبل أو بداية شهر رمضان.
لا شك أن إتمام جلسات حوار الصخيرات في ألمانيا تحت إشراف الدول الخمس الكبرى الأعضاء بمجلس الأمن يحمل دلالات كبيرة، كما أن تمرد ممثلي طبرق على برلمانهم يحيل على أن معسكر الشرق قد استوفى كل الفرص التي منحها إياه المجتمع الدولي، فلم يعد يخفى على عاقل أنه بات في حكم حجر العثرة أمام استحقاق التسوية السياسية، الذي بات ضرورة لا خيار في ظل تمدد داعش في العمق الليبي.
قد يصل الفرقاء الليبيون إلى مذكرة تفاهم نهائية، في حال تم الضغط كفاية على من عطلوها وبصفة متكررة منذ أشهر، وقد تكون مشاورات ألمانيا أحد أوجه هذا الضغط.