الحكومة السودانية الجديدة التي تشكلت وفق مراسيم جمهورية من الرئيس السوداني “عمر البشير” في مستهل ولايته الجديدة، تتكون من 67 وزيرًا وزير دولة، وقد أثار تشكيلها جدلًا واسعًا في الشارع السياسي السوداني، البشير في هذه الحكومة استبعد رجاله الأقربين في خطوة كانت مفاجئة للجميع، بالطبع كان أبرز الغائبين عن التشكيل الجديد هو الفريق عبدالرحيم محمد حسين، وزير الدفاع، الذي غادر منصبه إلى منصب مدني، بعد أن بقي على رأس الوزارة مدة 12عامًا، وذلك بعد إعلان تشكيل الحكومة الجديدة.
رأى البعض في هذه الخطوات، التي اختفت على إثرها أسماء بارزة من الحرس القديم في الحزب الحاكم “حزب المؤتمر الوطني”، بأنها خطوات للقضاء على بعض مراكز القوى التي ظهرت مؤخرًا، وتسببت في إعاقة حركة الرئيس عمر البشير ونوابه الممسكين بزمام الأمور في البلاد؛ فكان لزامًا إحداث تغييرات في بنية مناصب الدولة لعدم صعود هذا التيار أكثر من ذلك.
وقد يفسر البعض هذا الأمر أنه تغلب لجناح على جناح آخر داخل المؤتمر الوطني، خاصة بعد وجود إرهاصات انشقاقات وشيكة من بعض القيادات التي تتبنى نهجًا إصلاحيًا من الداخل، وهو ما حاول البشير تفاديه بإبعاد بعض الوجوه المحافظة القديمة، تلبية لمطالب الإصلاح، في محاولة لرأب صدع الحزب وتفادي أي عمليات انشقاقية جديدة.
التأكيدات الداخلية من قيادات الحزب على أن ليس هناك أي خلافات على خلفية تشكيل الحكومة بهذه الصورة، وذلك بزعم أن هناك عملية توافق كاملة بين قيادات الحزب حول القرارات الأخيرة، وعلى رأسها التشكيل النهائي للحكومة بعد أن تم تأجيله أكثر من مرة، وقد تم تسريب أنباء عن وجود خلافات داخلية حول تشكيلها.
ربما يسعى البشير وزمرته في هذه الفترة لتنفيذ أجندة إصلاحية بعض الشيء، خاصة بعد الانتخابات التي شهدت مقاطعة للمعارضة الرئيسة في البلاد، وفي ظل ضغوط دولية تُمارس على الخرطوم، لإنجاز تقدم في ملفات بعينها من بينها الإصلاح السياسي، مما دفع البشير في تشكيل الحكومة لتغيير الوجوه القديمة التي قد تكون عائقًا أمام هذا الإصلاح، واستبدالها ببعض الترضيات الداخلية والخارجية.
وفي نفس الإطار يرى مراقبون أن البشير انتقى شخصيات الحكومة الجديدة غير محسوبة على الإسلاميين الأوائل في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المنفذين في نظامه، في محاولة لتجميل صورته غربيًا، وكان أبرزهم نائب الرئيس ومساعده السابق، علي عثمان، ونافع علي نافع، لكن لا أحد في النظام يأمن ما يمكن أن تصير إليه الأمور في حال استمرت هذه الخلافات بين الإسلاميين والبشير داخل منظومة حكمه، والتي أدت بحركة الإخوان المسلمين في السودان لمقاطعة الانتخابات الأخيرة رغم تأثيرهم فيها بشكل ملحوظ.
كما أن من إرهاصات تشكيل هذه الحكومة هي خلافات حادة بين المؤتمر الوطني وكتلة الأحزاب التي تحالفت معه، وذلك بسبب ضعف تمثيل الأحزاب في الجهاز التنفيذي للدولة، رغم أن البشير حاول وضع صورة أفضل؛ بتعيين نجل زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، المتحالف مع المؤتمر الوطني، مساعدًا أول، وقد تردد الأنباء أن التشكيل تأخر الإعلان عنه لأكثر من مرة قبل ظهوره، والسبب في ذلك أن بعض الأحزاب المتوافقة مع المؤتمر الوطني الحاكم تأخروا في تقديم مرشحيهم لبعض المناصب التنفيذية في الدولة بسبب الخلاف مع الوطني، وذلك حسبما صرح وزير الخارجية الجديد، إبراهيم غندور، بيد أن الحكومة الجديدة ظهر فيها استئثار الوطني بنسبة 65% من المناصب، بينما أعطيت نسبة 35% منها للأحزاب التي شاركته في الانتخابات الأخيرة ضد تحالف المعارضة المقاطعة.
على الجانب الآخر تجد المعارضة السودانية الرئيسية، التي أعلنت عدم اعترافها بنتيجة الانتخابات، وقاطعت تشكيل الحكومة واحتفالات تنصيب البشير، تقول إن هناك مقاطعة شعبية واسعة للعملية الانتخابية التي ترتب عليها هذه النتائج، معتبرين أن استمرار النظام في هذا النهج ما هو إلا “تكريس لسياسة الهيمنة الأحادية غير المقبولة”.
حزب المؤتمر الشعبي، وهو الجناح الأقرب للنظام في المعارضة السودانية، رفض نتائج الانتخابات واعتبر أنها ليست حلًا لأزمة السودان السياسية، ودعا إلى حوار مفتوح بين فصائل المعارضة في السودان والنظام، بينما ترى بقية الأحزاب المعارضة أنه ليس هناك بيئة للحوار من الأساس مع النظام، كما يتوهم حزب المؤتمر الشعبي، الذي يقوده “حسن الترابي” أحد قيادات النظام المنشقين عنه.
وبالرغم من اعتبار المؤتمر الشعبي الأقرب إلى النظام إلا أن الحزب أصر على مقاطعة كافة احتفالات النظام بافتتاح البرلمان، تنصيب البشير، وتشكيل الحكومة، وظهر ذلك جليًا في رفض حسن الترابي، زعيم حزب المؤتمر الشعبي، الدعوة التي وجهت له لحضور جلسة افتتاح البرلمان السوداني في دورته الجديدة، كأحد رؤساء البرلمان السوداني في السابق.
فسرت المعارضة هذا بفشل مساعي الترابي في التقارب مع المؤتمر الوطني، بعدما اتهمته المعارضة بالانحياز لطرف النظام في الأزمات الأخيرة، فيما رد حزب المؤتمر الشعبي بقوله إن المعارضة لا تقدم أي حلول عملية للأزمات في السودان، وهو ما يجعل المعارضة السودانية منقسمة على نفسها بالأساس، ويرى محللون ذلك بأنه في مصلحة النظام بداية ونهاية.
وقد استمر النظام في التضييق على نشاط المعارضين حتى بعد إنجاز مهمة الانتخابات التي كانت تشكل أزمة للنظام، في محاولة لإفشال أي تكتل للمعارضة ضده، سواء في الداخل أو في الخارج، فمنذ أيام قليلة منعت السلطات السودانية ستة قياديين معارضين من مغادرة السودان إلى فرنسا، لحضور اجتماعات مع “الجبهه الثورية المسلحة” والحكومة، وصادرت جوازات سفرهم في المطار، كذلك منعت السلطات السودانية رئيس هيئة التحالف المعارض، فاروق أبوعيسى، من السفر إلى القاهرة، وقد تسربت أنباء عن إعلان البشير امتعاضه للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من نشاط المعارضة السودانية المتزايد على الأراضي المصرية، وذلك أثناء لقائهم على هامش احتفالات تنصيب البشير.
وبينما تشهد السودان هذه التقلبات السياسية التي يُعزيها البعض لضغوط خارجية على البشير، تظل الرئاسة السودانية محاصرة، بعد صدور إعلان من الاتحاد الأفريقي يؤكد أن الرئيس السوداني عُمر البشير لن يحضر القمة الأفريقية القادمة، المزمع عقدها في جنوب أفريقيا، بسبب أنه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، وجنوب أفريقيا هي إحدى الدول الموقعة على “ميثاق روما” الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، مما سيشكل إلزامًا لجنوب أفريقيا بتنفيذ قرارات اعتقال البشير، في حين أتت الأنباء عن تفويض البشير نائبه الأول العسكري، بكري حسن صالح، لترؤس وفد السودان في القمة.