بدأت تتشكل قناعة راسخة لدى الدول الغربية والإقليمية بأن تكلفة احتواء حماس أقل بكثير من إقصائها، ولكن يصطدم التصور الجديد بمسألة قانونية تتمثل بإدراج حركة حماس كمنظمة إرهابية لدى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ما يدفع تلك الدول لخيار الاستماع عن حركة حماس، وليس الاستماع من حركة حماس، وهذا يناقض الشفافية لدى تلك الدول، وعندما تحاول تلك الدول لإجراء لقاءات مع حركة حماس تكون تلك اللقاءات سرية وبدون نتائج ملموسة من شأنها تعزيز التيار البراغماتي داخل الحركة الإسلامية.
قرار تصنيف حماس كمنظمة إرهابية جاء بعد ضغوط صهيونية على الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وكان مبرر إسرائيل حينها موجة العمليات الاستشهادية في الداخل الإسرائيلي، والمتغير الجديد الذي يجب أن تأخذه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار، هو قرار حماس منذ أكثر من عشر سنوات بوقف العمليات الاستشهادية، وتم الالتزام بهذا القرار، بل أكثر من ذلك فقد بدأ قادة إسرائيليون بمغازلة حركة حماس والطلب بفتح قنوات اتصال معها، وهذا ما صرح به أكثر من مسئول سياسي وأمني إسرائيلي وكان آخرهم تصريح رئيس دولة إسرائيل ريفلين خلال جولته للمنطقة الشمالية يوم 27/5/2015م.
فهل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ملكيون أكثر من إسرائيل الذي عملت بكل أدواتها لوضع حماس بقوائم الإرهاب الدولي..؟ أعتقد أن حركة حماس والديمقراطية الفلسطينية تعرضت لمظلومية تاريخية تتناقض وقيم الغرب، ولكن البقاء على الخطأ خطيئة والتراجع عنه فضيلة، وما زال من الوقت متسعاً لتصويب المسار بما يضمن احتواء حماس والمقاومة الفلسطينية ضمن مسار سياسي جديد يعيد الحقوق الوطنية المسلوبة بما ينسجم وقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي الإنساني.
إن زيارة وزير خارجية ألمانيا لغزة – أعتقد أن معاليه كان يتمنى أن يلتقي قيادات من حماس، ولكن قرار دولته بإدراج الحركة على قوائم الإرهاب حال دون ذلك – يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هذا التوجه يضعف السياسة الدولية بمنطقة الشرق الأوسط نظراً لما تمثله حركة حماس بالوعي الجمعي العربي والإسلامي، وحتى لدى أحرار العالم.
إن حركة حماس حالها كحال باقي الحركات السياسية بالعالم، لديها مدارس وتيارات متعددة ومتنافسه، وبقاء حصارها وعزلها يعزز من قوة تياراتها المتشددة، وهذا لا يخدم كل طرف يبحث عن الأمن والاستقرار العالمي بمنطقة الشرق الأوسط، وربما وصل عرّاب الرباعية الدولية طوني بلير متأخراً لهذه النتيجة وتم ذلك في لقاء جرى بالدوحة مع رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.
إن ما يجري بالمحيط الإقليمي والدولي من ازدواجية معايير وظلم واستبداد يشكل أفضل حاضنة للتطرف والإرهاب، وهذا تجسّد بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وعلى الدول الغربية أن تعي جيداً بأن كسر إرادة الشعوب والحركات الأيديولوجية سياسة خاطئة، وان الصواب يكمن في احتوائها ورفع الظلم عنها، والعمل سوياً لبناء الدولة المدنية العصرية التي تشكل منطلقاً للاستقرار وسيادة القانون.