ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
وصل ياسين إلى كوالالمبور منذ ثمانية أشهر، وها هو يضع يديه تحت ساقيه، متأرجحا على كرسي بلاستيكي أثناء روايته لتفاصيل رحلته في نبرة خجولة، عينيه السوداوين الكبيرتان تعبران عن مدى دهشته بعد قيامه ولوحده، وهو الطفل البالغ من العمر 10 سنوات، برحلة طويلة في بحر اندامان وطرق جنوب شرق أسيا؛ فقد فر هذا الروهينجا المسلم وحده من تحرش وعنف السلطات البورمية من نورولا، وهي قرية في بلدة مونغدو غرب البلاد، أحد أعمامه، وهو لاجئ في ماليزيا، رتب مروره ودفع 3000 رينجيت ماليزية في المقابل (ما يعادل 710 يورو).
في إحدى الليالي ركب ياسين قارب وغادر ميانمار مع سكان قريته في اتجاه تايلاند، ويتذكر الطفل أن الرحلة دامت شهر، وكان على متن القارب الكثير من الناس وليس لديهم ما يكفي من الغذاء والماء، ويعتقد أن المؤونة دامت أسبوع قبل أن يعطيهم صيادون شيئًا يأكلونه، حتى هبطوا على ساحل تايلاند.
مخبأ وسط الأبقار
قضى ياسين سبعة أيام في معسكر أول في الغابة، ثم معسكر ثاني، ثم مشى ليلاً في اتجاه ماليزيا، في هذه المنطقة الجبلية والبرية جنوب تايلاند، وعند وصوله الحدود، “أقله المهربون في شاحنة وأمروه بأن يختفي بين الأبقار”، هذا ما قاله الصبي ضاحكًا، وعثرت الشرطة التايلاندية على ياسين بين الماشية ليتم تحويله إلى مركز استقبال، ليحاول مرة أخرى عبور الحدود عن طريق سيارة مهربين.
وهكذا انتقل ياسين من أيدي الشرطة إلى أيدي المهربين، وهو ما يدل على وجود تعاون وثيق بين المسؤولين الفاسدين على جانبي الحدود، في هذا الإتجار الإقليمي بالبشر، يعتبر الأطفال فريسة سهلة، وفي الكثير من الأحيان يتم تقييد الأطفال وتخزينهم على السفن التي ترسو قبالة الساحل في انتظار السفر، ولاحظ رجال الإنقاذ والعاملين في المنظمات الإنسانية أنه من بين الأطفال الذين يجدونهم مكتظين في الزوارق، العديد منهم يسافرون وحدهم أو مع أخ أو أخت، فعندما يكون الآباء لا يزالون على قيد الحياة فهم يقدرون أنه من الأفضل التضحية بأبنائهم وإرسالهم إلى بلد مسلم آخر أكثر ترحيبًا، دون معرفة ما ينتظرهم في عرض البحر أو في مخيمات المهربين.
“الصيادون يعطوننا ما نأكل من وقت لآخر”
وصل ياسين أخيرًا إلى ماليزيا ووجد عمه، يعيش الطفل الآن في المنطقة السكنية تامان، على بعد 10 كيلومتر شمال كوالالمبور، وتوجد المدرسة القرآنية الصغيرة على بعد كيلومتر من كهوف باتو الرطبة، المزار الهندوسي الكبير، وفي غرفة الصف ذات الجدران البيضاء، وجد ياسين الطفل عمران، وهو أيضًا روهينغي، وعمره 11 عامًا، وهو في ماليزيا منذ خمسة أشهر، بجسمه النحيل وعيونه التي يبدو عليها التعب، يبدو عمران أكثر حميمية من ياسين، ولكنه أكثر قلقًا أيضًا، وفر عمران من قريته في ضواحي سيتوي رفقة والدته وثلاثة من أشقائه البالغة أعمارهم 8 و9 و10 أعوام، وقال عمران: “كان علينا الفرار لأن الناس أضرموا النار في منزلنا، وكانوا يقتلون سكان القرية، أخبرتني أمي أنه من الأفضل العيش في بلد آخر”.
استقلت الأسرة قارب صيد قبالة سيتوي، ولمدة 30 يومًا توجهوا جنوبًا مع “القليل من الماء والقليل من الطعام”، وكان “الصيادون يعطوننا ما نأكل من وقت لآخر”، بحسب عمران، الذي قال إن القوات البحرية التايلاندية أوصلت السفينة إلى الحدود البحرية الماليزية في مضيق ملقا، و”هناك، أزالوا الحبل بين القاربين وبينوا لنا الاتجاه للوصول إلى بينانغ”، وهي جزيرة شمال غرب ماليزيا.
“شاهد الأطفال أناس يموتون على متن القارب”
على الفور، أوقفهم خفر السواحل الماليزي وقدموهم إلى العدالة، وانتقل عمران وعائلته من مركز الاحتجاز إلى مراكز الشرطة والسجون لـ “ثلاثة أشهر ويوم واحد”، قبل أن تخرجهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة (UNHCR) للأمم المتحدة وتمنحهم صفة لاجئين.
ولم ينس عمران المبلغ الباهظ الذي دفعه عمه لجلب أقاربه: “500.000 كيات بورمي للشخص الواحد”، أي 2000 يورو لجميع أفراد الأسرة، وهو ما يعادل أشهر إن لم يكن سنوات من أجور الفقراء البورميين، وخلال هذه الرحلة البحرية “كان الأطفال مرضى، ولم يأكلوا لبعض الأيام، كما شاهدوا الناس يموتون على متن القارب، وتلقى جثثهم في البحر”، بحسب عبد الحق، البالغ من العمر 37 سنة، والذي يدير مدرسة صغيرة تقع في منزل سكني في تامان أين يدرس ياسين وعمران.
وقام هذا المدرس بالتكفل بـ 50 طفلاً لتعليمهم الدين الإسلامي وتمكينهم من “تجنب تحولهم إلى هندوس أو مسيحيين”، وغالبًا ما يكون هؤلاء الأطفال فارين من البؤس والعنف والمنفى، والمهاجرون من بنغلاديش يبحثون عن راتب وحياة أفضل في إندونيسيا أو ماليزيا، في حين أن الروهينجا يفرون من نظام الفصل العنصري في ميانمار.
وكان عبد الحق هو أيضًا ضحية قبل أن يغادر بلدته مونغدو في ديسمبر من عام 2011، وقال “لا يمكننا أن نتحرك بحرية، ومقابلة من نريد، ولم يكن هناك لا كهرباء ولا حافلات، ولا يحق لك حتى الحصول على هاتف محمول، وكان من المستحيل الذهاب إلى المسجد”.
“لا يمكن الالتحاق بالمدرسة بعد المرحلة الابتدائية”
وسبق لعبد الحق الهروب مرة واحدة إلى بنغلاديش لمتابعة الدراسات الإسلامية، وللمرة الأولى، كان قد عبر الحدود بشكل غير قانوني عبر نهر ناف، وعند عودته، بدأت الناساكا، وهو الاسم الذي يطلق على شرطة الحدود البورمية، بالاهتمام بهذا الشاب المتدين الذي قال: “شرحت للسكان المحليين أننا لا نستطيع أن نعيش هكذا، مراقبين ومحرومين من كل شيء، كان من الضروري علينا أن ننتظم من أجل الدراسة لأنه لا يمكن الالتحاق بالمدرسة بعد المرحلة الابتدائية”، وعندما علم عبد الحق بأن ناساكا ستعتقله، هرب من البلاد، وعند وصوله لميناء بنجلاديش كوكس بازار، اشترى جواز سفر مزيف ودخل ماليزيا عبر ركوب القوارب وعلى أنه شاب بنغالي.
ولجأ بعد ثلاث سنوات إلى كوالالمبور، وقال عبد الحق: “كل أسبوع أطلب بطاقة هوية من الأمم المتحدة لأتمكن من السفر، ومن الحصول على الرعاية الصحية، ولكني لا أجد الرد”، عندما يذهب عبد الحق إلى مقر الأمم المتحدة في العاصمة الماليزية، يعرض عليه المهربون دفع ما بين 1000 و3000 رينغيت ماليزي (ما بين 240 و720 يورو) مقابل تقديم ملفه للدرس، إلا أنه يرفض دفع الرشوة، مضيفًا: “لكني أعرف بعض الروهينجا الذين كانوا ينتظرون لأكثر من عشرين عامًا! كنا مشردين في ميانمار، ولا زلنا كذلك.
المصدر: صحيفة لبراسيون الفرنسية