تتعامل قطر مع القضية الفلسطينية باعتبارها القضية الأهم التي تشغل وجدان الشعوب العربية والإسلامية؛ نظرًا لأبعادها الدينية والتاريخية والقومية، وطبيعة المشروع الصهيوني الموجهه بصورة أساسية للمنطقة العربية لإخضاعها ونهب ثرواتها.
باستقراء خطابات القادة القطريين من مختلف المستويات القيادية نجد الانسجام الواضح والعمل الجاد لدعم الشعب الفلسطيني في نضاله للحصول على حقوقه المشروعة، ويظهر لنا بصورة واضحة استناد السلوك القطري في دعمه للقضية الفلسطينية على الحلول السياسية السلمية.
تكمن أهمية دعم القضية الفلسطينية لقطر في جانبين أساسيين؛ الأول: يتعلق بتطلع النخبة الحاكمة القطرية لمكانة فريدة مؤثرة على الساحة الإقليمية من خلال رسم صورةٍ في أذهان الشعوب العربية حول قطر، وتَبنيها لقضايا الشعوب العادلة، أما الجانب الثاني: فهو البعد الديني والقومي باعتبار فلسطين أرضًا إسلامية عربية، تحتل المكانة الأبرز في وجدان كل عربي ومسلم.
ولهذا التوجه الساعي للمكانة الإقليمية، الأثر في بلورة الرؤية القطرية باتجاه التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، من خلال المحافل الدولية وقرارات الأمم المتحدة، مستندة في ذلك على أدوات قوتها الناعمة التي تتمثل في دبلوماسيتها المرموقة، وإعلامها المؤثر عبر شبكة الجزيرة الإعلامية، دون إغفال أداتها الصلبة الأبرز والتي تتمثل في اقتصادٍ قويٍ؛ مما مكنها من تقديم مساعدات سخية للفلسطينيين.
وبرغم ذلك التوجه وتقييده بالطرق السلمية لحل الصراع، إلا أن قطر لم تغفل في سياستها عن دعم المقاومة بصورة غير مباشرة، من خلال تبني عدة إستراتيجيات سياسية واضحة ومعلنة، مكنتها من التحرك بحرية دون الوقوع ضمن دائرة دعم ما تسميه بعض الأنظمة بـ “الإرهاب”.
فقد برزت قطر كأهم حاضنة لسكان قطاع غزة، من خلال تبني إعادة إعمار ما خلفه العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة في حروبه الثلاث (2008 – 2009، 2012، 2014).
ولم تكتف بمشاريع إعادة الإعمار، بل تجاوزتها لدعم متطلبات الحياة اليومية والإنسانية للفلسطينيين بصورة عامة، وسكان قطاع غزة بصورة خاصة، ثم تبنت عدة مشاريع تطويرية للبنية التحتية سعيًا منها للارتقاء بالحياة المعيشية ودعمًا لصمود الفلسطينيين في نضالهم من أجل استعادة حقوقهم المسلوبة.
لقد شكل الدعم القطر الظهير القوي للمقاومة الفلسطينية للاستمرار في إعدادها وتجهيزها المستمر لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، فبدلًا من أن تنفق فصائل المقاومة من ميزانياتها على الحياة العامة وتفاصيلها، استطاعت ضمان استمرار الحياة الكريمة للفلسطينيين بأيدي قطرية، مما عزز ثبات الجبهة الداخلية، ومكن المقاومة من التفرغ لمجابهة العدو.
ولم تقف قطر عند هذا الحد من دعم المقاومة بصورة غير مباشرة، بل تخطتها لطرق الدعم المباشرة؛ من خلال توفير الملجأ الآمن لقادة المقاومة السياسيين بهدف تمكين حركتهم وإيصال آرائهم للأطراف الإقليمية والدولية، وعلى سبيل المثال يعد الدعم القطري لحماس بمثابة سياسة رسمية، فقد سُمح لها بالحفاظ على مكاتب رسمية في الدوحة، كما سُمِحَ لها بجمع الأموال من خلال الجمعيات الخيرية، ثم تزايد الدعم الرسمي لحركة حماس بشكل ملحوظ، عندما تعهدت قطر بالتبرع بمبلغ 50 مليون دولار للحكومة العاشرة التي شكلتها حماس.
وبالنظر لدول الإقليم وخاصة المركزية منها، نجد أنها تشترك مع قطر في أساس التعامل مع القضية الفلسطينية، من حيث السعي للمكانة الإقليمية المؤثرة، لكنها بحاجة لاتخاذ القرار المبني على رغبة صادقة للخروج عن رتابة الأداء السياسي تجاه القضية، وتوطيد العلاقة بها على أساس تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني العادلة، نظرًا لما تمثله القضية من أبعاد مختلفة، وخصوصًا ما يتعلق بالأمن القومي العربي.
إن ما قامت به قطر من دعمٍ سياسي واقتصادي وإنساني سخي للفلسطينيين ليس تهورًا ولا تصنعًا، وإنما هو توظيفٌ سليمٌ للموارد تجاه تحقيق المصلحة القومية، ويشكل ذلك مثالًا واضحًا على القدرات العربية الكامنة، والتي إن وُظِّفت في مكانها فإنها ستكون الضامن الحقيقي للأمن القومي العربي من خلال ردع الاحتلال عن ممارساته وصولًا لكنسه عن أرضنا ومقدساتنا.
يرونه بعيدًا، ونراه قريبًا.