يواصل موقع نون بوست نشر الجزء الثاني من حواره مع الدكتور أحمد رامي أحد المتحدثين الإعلاميين باسم حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، الجدير بالذكر أن أحمد رامي هو أحد قيادات الإخوان المحكوم عليهم بالإعدام في قضية اقتحام سجن وادي النطرون، إذ كان ضمن مجموعة قيادات الإخوان التي اعتقلت إبان ثورة يناير وأودعت في السجن، وبعد الانقلاب العسكري فتحت القضية مجددًا ليجد نفسه متهمًا باقتحام السجن، وقد صدر عليه حكمًا غيابيًا بالإعدام.
الجزء الأول من الحوار تناول إلى أي نقطة وصل حراك جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في مناهضة النظام الجديد الذي تشكل عقب انقلاب الثالث من يوليو، خاصة مع قرب حلول الذكرى الثانية لهذا الانقلاب والجماعة لا تزال تُصر على موقفها من رفض الواقع الذي تشكل بعد الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في مصر، والذي كان أحد أبرز قيادات هذه الجماعة.
في الجزء الثاني من الحوار نتناول إلى أين وصل الحراك الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين وما هي انعكاساته على الأزمة في مصر، في ظل تدافع حالي شكل أزمة ظهرت للإعلام مؤخرًا بين مجموعتين من قيادات الجماعة، وهو ما يتوقع من خلاله البعض أن ينعكس على قرارات الجماعة في التعاطي مع السلطة الفترة القادمة، فثمة فريق مدعوم من بعض شباب الجماعة يرى ضرورة مواصلة التصعيد ضد النظام الذي دخل في مرحلة التصفية للجماعة، أما مجموعة القيادات التاريخية فترى أن هذا جر للجماعة في طريق العنف، بين هذا وذاك تساءلنا لماذا غضب الشباب داخل الجماعة من إدارة القيادات التاريخية بعد قرب العامين من الحراك الرافض للانقلاب، وهل نجح حراك الإخوان ضد السلطة بهذه الإدارة؟
ويعقب الدكتور أحمد رامي بقوله:” لانستطيع تحديد الإخفاق والنجاح إلا بالنظر إلى السياق العام الذي تمارس فيه حركة الإخوان، كما أننا لا نستطيع تقييم النجاح والفشل إلا في ضوء الظروف المحيطة بالحراك، القمع غير المسبوق ليس فقط في تاريخ مصر بل في تاريخ العالم”، أيضًا أضاف رامي أن هناك حالة من تزييف الوعي تمت للشعب المصري تتحسن مع الوقت بالإضافة إلى تشرذم الساحة السياسية المعارضة، كل هذه العوامل أدت إلى صعوبة الإنجاز في الفترة القصيرة، كما يعتبر أيضًا أن كل ما تم إلى الآن نعتبره مُرضي إلى حد ما، ونتيجة لهذا الحراك النظام غير قادر على فتح الميادين، وغير قادر أيضًا على تحقيق وعوده الاقتصادية والأمنية، وغير قادر على التحرك بصورة طبيعية في المجتمع الدولي، وكل هذه الأسباب سببها الحراك الموجود في الشارع، والتضحيات التي قدمها عموم المصريين، كما أكد أن الإخوان قيموا الفترة الأخيرة منذ الانقلاب وإلى الآن، وانتهت إلى توصيات ورفعت إلى لجنة إدارة الأزمة ومكتب الإرشاد.
ولكن رغم كل ما ذكره رامي إلا أنه لم يكن مرضيًا للبعض خاصة مع رؤية أنه كان هناك أداء أفضل من ذلك؛ فظهرت الدعوات صريحة بوجوب تنحي القيادات القديمة التي يراها لفيف من شباب الجماعة أنها تسببت في هذه الأزمة ولا يمكن أن تكون جزء من حلها، مما سبب شرخ ظهرت آثاره بين جيلين في الجماعة، وهو ما يراه رامي أنه سيحسم عن طريق مؤسسات الجماعة، مؤكدًا أن هذه الأمور مطروحة على مجلس شورى الجماعة، الذي يُعد السلطة الأعلى حتى من مكتب الإرشاد التنفيذي، معتبرًا رامي إياه أنه هو من سيقرر كيفية التعاطي مع هذه الأزمة، وعلى الجميع حينما تتكلم السلطة الأعلى في الجماعة أن يمتثل لقرارتها.
وبالفعل قرارات مجلس الشورى العام تعد قرارات نافذة داخل الجماعة وفقًا للائحة الداخلية للجماعة، ولكن الأزمة الأخيرة أظهرت أن ثمة بعض القيادات تريد الالتفاف على قرارات مجلس الشورى العام في هذه الأزمة، وهو ما نشره موقع نون بوست مؤخرًا عن مصدر خاص داخل الجماعة يؤكد سعي القيادي محمود حسين، أحد أطراف الأزمة، إلى اجتماع مع أعضاء مجلس الشورى العام لرفض الحل الذي توصل إليه طرفا الأزمة والذي يقضى بإجراء انتخابات جديدة عل صعيد مجلس الشورى العام ومن ثم وضع لائحة جديدة يتبعها انتخاب مكتب إرشاد تنفيذي جديد مع استبعاد طرفي الأزمة من هذه الانتخابات، وهو ما ترفضه المجموعة القديمة في الجماعة.
يؤكد رامي في هذا الصدد أن مما يفخر به الإخوان، أنه برغم هذا الظرف تم إجراء انتخابات، ورغم هذا الظرف التي تمر به الجماعة تتواجد مكاتب إدارية في كل المحافظات تمارس عملها وتؤدي دورها في تسيير الحراك، مؤكدًا أن مؤسسات الجماعة موجودة وتؤدي عملها.
الانتخابات التي تحدث عنها رامي علم موقع نون بوست أنها جرت بالفعل في شهر فبراير الماضي ولكن على صعيد ثلاث محافظات فقط هي الفيوم وبني سويف والمنيا، وقد قامت بقية المكاتب الإدارية في الجماعة بتزكية أعضاء منها بسبب الظروف الأمنية، وهو الأمر الذي أفرد القيادة الجديدة التي استبعدت مجموعة من القيادات القديمة وعلى رأسهم الدكتور محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة وتم تعيين مكانه الدكتور محمد كمال، وهو ما لا يعترف به حسين حتى الآن، معتبرًا أن من أفرزتهم الانتخابات الأخيرة في الداخل والخارج مجرد لجنة معاونة لمكتب الإرشاد القديم وهو محل الخلاف بين القيادات.
فيما أعرب الدكتور أحمد رامي عند طرح هذه المعلومات عليه عن التزامه بقرار أصدرته الجماعة بعدم التعاطي مع هذا الأمر في الإعلام وترك حسمه لمؤسسات الجماعة، قائلًا: “التزامًا بهذا القرار لن أتحدث في هذا الشأن وسنترك القرار لمجلس الشورى ليضع النقاط على الحروف”، وفي سؤاله عن خروج الأزمة إلى الإعلام بالفعل أكد أنه منذ صدور هذا القرار ممن سعوا لاحتواء الأزمة لم يحدث أي تجاوز، مع رؤيته أن الجماعة تسير في اتجاه إجراء انتخابات جديدة لهياكلها بالإضافة لوضع لائحة جديدة.
هذا الخلاف قد وصل ذروته في الخارج حيث تتواجد بعض أطراف الأزمة الداخلية للإخوان، وهو ما خشى البعض منه بأن يطال الحراك الخارجي للإخوان ويؤثر عليه، وهو ما يعبر عنه الدكتور أحمد رامي بصفته أحد القيادات في الخارج بقوله: “نرى ما نقدمه في الخارج قليلاً بجوار التضحيات التي تقدم في الداخل”، مؤكدًا أن من بالخارج هم مجرد صدى صوت لما يحدث في الداخل، ودائمًا ما نتهم أنفسنا بالتقصير، رغم وجود تحسن بسيط في الأداء، كان أبرز ملامحه ما حدث في زيارة ألمانيا وجنوب أفريقيا، وأيضًا نداء الكنانة، كل هذا يشير إلى تحسن بسيط في الأداء في الملف الإعلامي في الفترة الأخيرة، وإن كنا غير راضين عن هذا الحد وهناك الكثير أمامنا، وهذه من الملفات المنوطة بصورة رئيسة بإخوان الخارج، ومطلوب منا تحسين الأداء فيها، رغم هذه الظروف”
وبحديث رامي عن نداء الكنانة، يفتح بذلك ملف تصدير الجماعة مؤخرًا لخطابها السياسي عن طريق بعض المشايخ الذين يظهرون على فضائيات المعارضة في الخارج، بما في ذلك الترويج لما سمى بـ “نداء الكنانة”، وهو ما يعتبره رامي رأي فقهي ينبغي أن يصدر عن هؤلاء المتخصصين، لأن الشرع من وجهة نظره حاكم لتصرفات الجماعة، ولكن يتفق رامي في ضرورة احترام التخصص بين ما هو ديني وسياسي، أما عن رأي الإخوان الرسمي فتعبر عنه في وجهة نظر رامي منابر الإخوان المسلمين الرسمية، وذلك عبر بياناتهم والمتحدثين الرسميين الذين حددوهم، معتبرًا أن أي شيء بخلاف ذلك لا يعبر عن موقف الإخوان، وأنه ليس من بين هذه المنابر المعبرة عن الجماعة القنوات الفضائية.
كما يفتح ملف نداء الكنانة أيضًا وظهور مشايخ يتحدثون باسم الجماعة ثنائية الجنوح للعنف والتصعييد أمام السلطة وهو ما فهمه البعض من “نداء الكنانة”، وعلى النقيض السير في المسار السياسي المعارض للسلطة بسلمية تامة، وهو ما يعتبر أحد الخلافات الآن بين قيادات الجماعة، حيث ترى مجموعة القيادات التاريخية القديمة أن ثمة من يحاول اتخاذ العنف منهجًا في الفترات القادمة، وهو ما ترفضه تمامًا.
الدكتور أحمد رامي يرى أن هناك اتفاق بين جميع الإخوان، أن المسار الثوري هو خيار هذه المرحلة، كأي ثورة من ثورات العالم، فهي محاولة إصلاح جذرية لا تقبل الحلول الوسط، ما يعني خيار المقاومة والحصول على الحقوق بتضحيات كبيرة تُقدم.
ومسألة العنف يراها رامي في إطار أن جماعة الإخوان لهم ضوابط شرعية تقيدهم في هذا الإطار، مضيفًا أن الثورات عندما تنطلق فإنها لا تنطلق من خلال تنظيم معين وإنما من خلال جموع الشعب، فيما آثر رامي أن يؤكد على أن الإخوان ليسوا فقط وحدهم في الميدان، ولو كان وارد أن تستخدم مثل هذه الوسائل في الميدان، فسيكون الإخوان أقل احتمالية في استخدامها وأكثر انضباطًا من الناحية السياسية ومن الناحية الشرعية.
في الوقت نفسه تحدث رامي عن ما اعتبره مغالطات يروجها النظام الذي يعتبره المسؤول عن هذا المناخ من العنف، بإيجاد البيئة والظرف الذي نشأت فيه هذه الأعمال من ردود أفعال، في ظل غياب منظومة القضاء والقصاص من وجهة نظره، مؤكدًا أنه حينما تغييب العدالة، فعلينا أن نلوم من غيبها قبل أن نلوم الضحية التي خرجت لتدفع عن نفسها الظلم، على حد قوله، مضيفًا أن من غيب التقاضي وغيب إمكانية الحصول على الحقوق بالطرق المعروفة، من فعل كل هذه الأمورهو من يلام على إنشاء بيئة العنف وهو النظام.
وبين هذا وذاك يؤكد رامي أن الخلاف بين قيادات جماعة الإخوان ليس خلافًا منهجيًا كما يروج البعض بين العنف والسلمية ولكنه خلاف إداري وستحسمه لوائح الجماعة ومؤسساتها، كما أنه يرى أن الكل متفق على أن الخيار الثوري خيار إستراتيجي، لا رجعة عنه في هذه المرحلة.
وبالانتقال للحديث عن المبادرات المطروحة على الساحة لتسوية الخلاف بين الجماعة والنظام يؤكد الدكتور أحمد رامي أنه ليست هنا مبادرات مطروحة من أي طرف، وبسؤاله عن الأنباء التي تحدثت عن سعي الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية من أجل إجراء مصالحة بين النظام المصري عن طريق المملكة العربية السعودية، أجاب رامي بقوله:” الحديث عن وساطة شخصيات كالشيخ راشد الغنوشي الذي له حضور سواء في الإخوان أو في الساحة الإقليمية جيد، لكن لم يطرح أحد علينا مبادرات، ومن حيث المبدأ نحن نقبل أي مبادرات تحقق ذات أهداف الحراك، وهي القصاص من القتلى، محاسبة من أجرم بحق هذا الشعب، كذلك رجوع الجيش لثكناته، كل هذه الأمور نحن متمسكون بها، إذا أتت بدفعنا في اتجاه استمرار الحراك، أو عن طريق التفاوض”.
وفي صدد وجود معارضين للنظام ليسوا من الإخوان المسلمين قد يسعوا إلى الوصول إلى نقاط تفاهم فإن الدكتور أحمد رامي يؤكد أن “المعادلة ليست ذات طرفين فقط، فمصر ليست عسكر وإخوان فقط ولا الساحة الإقليمية كذلك”، مؤكدًا أن الجماعة قابلة للتعاطي مع كافة أطراف الداخل الخارج ولكن في إطار تحقيق أهداف ثورة يناير.
في الوقت نفسه يرى الدكتور أحمد رامي في نهاية حواره أن المستقبل للحراك الثوري وأن من سيحدد الخطوات القادمة فيه هو الوضع الميداني وليس من هم خارج مصر، الذين لديهم دور آخر في الشق الإعلامي والحقوقي وحصار النظام في الخارج.