ترجمة وتحرير نون بوست
في العام الماضي، ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أو اختصارًا BDS، 18 مرة في خطابه أمام إيباك، وبعد مرور عام على الخطاب، أصبح من الواضح أنه بالنسبة لبيبي، حركة المقاطعة BDS أصبحت عدو الشعب الجديد رقم واحد.
حركة BDS التي يتم التنديد بها باعتبارها تهديد إستراتيجي معادي للسامية، هي حملة عالمية يقودها فلسطينيون بغية الضغط على إسرائيل، لوضع حد لانتهاكات الحقوق المنهجية التي تقوم بها الأخيرة، وحاليًا أصبحت الحركة هدفًا حقيقيًا تسعى تل أبيب لاستهدافه.
المفارقة الغربية هنا، هي أن حركة المقاطعة BDS استطاعت إحراز تقدمات كبيرة، بالذات خلال فترة حكم نتنياهو؛ فالموقف الضبابي الذي يتخذه الأخير من قضية إقامة الدولة الفلسطينية، ما بين الرفض والتأييد الذي لا يمكن الاعتماد عليه، يتفاقم من خلال وجهات نظر وزراء اليمين المتشدد الشركاء في الحكومة الائتلافية الإسرائيلية، الذين لا لبس في رفضهم لإقامة الدولة الفلسطينية، كما ساهم في تقدم حركة المقاطعة، القصف الوحشي غير المسبوق الذي شنته إسرائيل تحت أنظار بيبي على قطاع غزة، فضلًا عن المجموعة الكبيرة من المبادرات التشريعية المعادية للديمقراطية والمفرطة بالشعور القومي الإسرائيلي.
ولكن، في حين أن سياسات نتنياهو يُنظر إليها على أنها تعجل بالخطوات التي تتخذها حركة المقاطعة وفرض العقوبات، فإن ما يسمى بالمعارضة الإسرائيلة المعتدلة هي التي تجعل حركة المقاطعة أكثر ضرورة وفعالية، وذلك من خلال مواقف إسحق هرتسوغ، زعيم حزب العمل الإسرائيلي ورئيس حزب الاتحاد الصهيوني، وهو التحالف الذي أسسه مع تسيبي ليفني بغية هزيمة نتنياهو في انتخابات مارس الماضية.
زعيم المعارضة هرتسوغ، ألقى خطابًا في مؤتمر هرتسليا السنوي يوم الأحد الماضي، وتوجه للحاضرين بقوله “إن أكبر تهديد لوجود دولة إسرائيل هو الدولة ثنائية القومية”، كما حذر أيضًا من أنه “في حوالي عقد من الزمن، العرب ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط سيصبحون أغلبية واليهود سيتحولون لأقلية، الوطن القومي اليهودي سيصبح وطنًا قوميًا فلسطينيًا، وسنكون مرة أخرى تاريخيًا، وللمرة الأولى منذ عام 1948، أقلية يهودية ضمن دولة عربية”.
وتابع هرتسوغ حديثه في مؤتمر هرتسليا قائلًا، “أريد الانفصال عن الفلسطينيين، أريد أن أُبقي الدولة اليهودية بيد الأغلبية اليهودية، أنا لا أريد 61 عضوًا فلسطينيًا في الكنيست الإسرائيلي، ولا أريد رئيس وزراء فلسطيني داخل إسرائيل، أنا لا أريدهم أن يغيروا علمي ونشيدي الوطني، ولا أريدهم أن يغيروا اسم بلدي لتصبح إسرائيلسطين”.
بمقارنة هذه التعليقات التي أدلى بها زعيم حزب العمل المحسوب على اليسار السياسي، مع التصريحات المسيئة التي أطلقها نتنياهو قبل يوم الانتخابات، والتي حذر فيها من خروج المواطنين الفلسطينيين للتصويت بأعداد كبيرة، أو بتصريحات بيبي ذاته عندما كان وزيرًا للمالية في عام 2003، أمام مؤتمر هرتسليا أيضًا، والتي تحدث فيها عن أن المواطنين الفلسطينيين يشكلون مشكلة ديموغرافية حقيقية، نستطيع بسهولة أن نفهم حينها تعليق عضو الكنيست أيمن عودة الذي قال فيه، “مع يسار إسرائيلي مثل هذا، من يحتاج حقًا إلى يمين؟”.
مساء الثلاثاء الماضي، تحدث رئيس الوزراء السابق إيهود باراك أيضًا في مؤتمر هرتسليا، وكان حريصًا من خلال خطابه على التأكيد على ما اعتبره اختلافًا كبيرًا ما بين نتنياهو وهرتسوغ، حيث قال، “أغمضوا عينيكم وتخيلوا حكومة يرأسها هرتسوغ مع لبيد وكاهلون، أو حتى احلموا حلمًا أكبر، بحكومة يرأسها إسحق رابين، هل لديكم أدنى شك أن هذه الموجة الحالية ضد إسرائيل لن تكون موجودة إذا كانت هذه هي حكومات اليوم؟”.
باراك من خلال خطابه يطرح وجهة نظر مقبولة إلى حد ما، كون إعادة انتخاب نتنياهو تُظهر، كما يقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان “بتسيلم”، أن “جمهور الناخبين في إسرائيل يفضلون استمرار الاحتلال بشكله الحالي”، وهي رسالة يصعب تجاهلها حتى من حلفاء إسرائيل، ولكن مع ذلك، فإن المعارضة الإسرائيلية، وليس بيبي، هي التي أظهرت عيوب الحجج التي يتم استخدامها لنقد حركة المقاطعة الإسرائيلية BDS.
الحجة الأولى التي يتم من خلالها نقد الحركة، تزعم بأن المقاطعة تعمل ببساطة على تمكين وتفعيل اليمين الإسرائيلي بمواجهة اليسار المعتدل، الذي يسعى لإبرام اتفاق حول خيار الدولتين، ولكن في الواقع، هرتسوغ وليفني يظهران بوضوح رأي “المعتدلين” بموضوع إقامة الدولة الفلسطينية، حيث أظهر خطاب هرتسوغ في مؤتمر هرتسليا، الطريقة التي يرنو بها اليسار الصهيوني لاتفاقية السلام؛ فبالنسبة لهم، إقامة دولة فلسطينية في بعض الأراضي التي تم احتلالها عام 1967، لا يتعلق بحق تقرير المصير للفلسطينيين، بل بالفصل العنصري ما بين الدولتين، ويمكننا فهم هذا الموقف من خلال العودة إلى إيهود باراك، وشعار حملته الانتخابية في صيف عام 1999، “السلام من خلال الفصل: نحن هنا، وهم هناك”.
وكما يقول المحرر إيدو كونراد، في مقالة له في صحيفة 972+ هذا الأسبوع، “بالنسبة لكبار الليبراليين في المجتمع الإسرائيلي، السلام ووضع حد للاحتلال ليس غاية بحد ذاته، ولكنه وسيلة للحفاظ ولتكوين أغلبية سكانية دائمة، من شأنها أن تضمن السيادة اليهودية على بلد يكون 20% من سكانه ليسوا يهودًا”.
علمًا أن التاريخ يشهد أن هذه الأغلبية اليهودية الديموغرافية، لم تتشكل إلا من خلال خلال التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين الأصليين، الذين لا يزالون لاجئين ومحرومين من حقهم في العودة إلى ديارهم، بغية حماية التفوق الديموغرافي الذي تشّكل من خلال طردهم.
“يجب علينا أن نختار ما بين دولتين ممكنتين”، أوضحت ليفني في عام 2013، وتابعت “دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، أو دولة أخرى ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن، والتي ستصبح في نهاية المطاف دولة عربية، وليست يهودية”.
وهنا، يمكننا ببساطة مقارنة كلام ليفني مع رأس نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أبين دونجس، الذي قال ببساطة في عام 1959، “نحن نختار جنوب أفريقيا أصغر، بسلطة سياسية في أيدي البيض، بدلًا من جنوب أفريقيا أكبر، بسلطة سياسية في أيدي غير البيض”.
أما الحجة الثانية التي يتم استخدامها مرارًا لنقد حركة المقاطعة BDS، هي أنها تضر بعملية السلام، ولكن حتى إذا غضينا الطرف عن الطرق التي استعملها ائتلاف حكومة نتنياهو ليحبط، عمدًا، التقدم الرسمي للمفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة، فإن إلقاء نظرة صغيرة على ما لدى هرتسوغ ليقدمه في المحادثات مع الفلسطينيين، يقدم لنا نظرة حقيقية للواقع.
كما أشرت في مقالة كتبتها قبل الانتخابات الإسرائيلية، أن الخطة التي يتوخاها الاتحاد الصهيوني حول الاتفاق على الوضع النهائي تبدو قاتمة، حيث وعد الاتحاد في بيانه الانتخابي بالاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، وبالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، وبالإبقاء على المناطق السياحة والصناعية الإسرائيلية في وادي الأردن المحتل، وهذه البيانات، جنبًا إلى جنب مع بيانات الحملة الانتخابية لهرتسوغ، تحيل أي شك لدينا إلى يقين في أن الدولة الفلسطينية التي تتوخاها المعارضة المعتدلة الإسرائيلية، تماثل دولة بانتوستان ذات الأغلبية السوداء في نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا.
وكما أنه يستحيل عمليًا قيام دولة فلسطينية مستقلة، مع بقاء الاستعمار الإسرائيلي في القدس الشرقية والضفة الغربية، وهي الحقيقة التي تبرز تساؤلات حول الجدوى الأساسية والرغبة في حل الدولتين بحد ذاته، فكذلك عملية السلام تلقى حتفها على أعتاب دولة الاحتلال، مما يدفعنا إلى إعادة التفكير حول طبيعة عملية السلام بحد ذاتها.
عملية السلام الرسمية تم تصميمها لتكون بمثابة انحراف وبديل عن القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، بينما حركة المقاطعة BDS تستند إلى معيار القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، وسياسة هرتسوغ وما يسمى بالوسط الإسرائيلي، مصممة على الحفاظ على الوضع الاستعماري الاستيطاني القائم، أما حركة BDS فتسعى إلى تغيير الوضع القائم، وهكذا، في حين أن بيبي وبينيت يعجلان من نبذ إسرائيل دوليًا، فإن سياسة المعارضة، وفكر رابين وباراك وهرتسوغ، يظهرون استحالة تحقيق التغيير من الداخل، بدون الضغط والمساءلة التي تحققها حركة BDS، مما يجعلها ضرورة ملحة في وجه سياسات اليسار الإسرائيلي.
المصدر: ميدل إيست آي