استغاثات من داخل سجن مصري لإنقاذ معتقل من بتر ذراعيه

Ref3at

فجر نون بوست قبل أكثر من عام قضية المعتقل  في السجون المصرية، رجل الأعمال “رفعت طلعت عبد الجابر” البالغ من العمر 47 عامًا، وكان نون بوست قد نشر في مايو من العام الماضي تقريرًا مرفق به صور مقتطعة من فيديو مصور تؤكد تعرض المعتقل لتحصريعذيب بشع، حيث حصل موقع نون بوست على صورة عن طريق محامي أحد المعتقلين يظهر عبدالجابر يعاني من كسور في معصميه وذراعيه، وعرضت الصور آثار تعذيب شديد تعرض له المعتقل آنذاك، وحكت الفيديوهات التي حصل عليها الموقع كيفية القبض عليه بواسطة قوات مباحث الأمن الوطني من مقر عمله بمنطقة فيصل بالجيزة قبل عدة أيام من تصوير الفيديو الذي احتفظت به نون بوست ولم تنشره خوفًا على سلامة مصدر هذا المقطع.

اقتيد رفعت طلعت بعد اعتقاله مطلع أبريل من العام الماضي إلى قسم بولاق وسط القاهرة، حيث تعرض للتعذيب الشديد والصعق بالكهرباء بجميع أنحاء جسده وخاصةً بالأماكن الحساسة، منذ الساعة الخامسة من مساء السابع من أبريل 2014 وحتى الثالثة من صباح اليوم التالي، في تحقيق مطول خضع له طلعت، كما تم تعليق المعتقل من ذراعيه لأكثر من ثلاث ساعات مع استمرار ضربه على الأكتاف بعصي حديدية، واستمرار التعذيب بالكهرباء، كل ذلك لإجباره على الاعتراف بتتهم لفقت له.

المعتقل تحدث عن تعرضه للضرب على الرأس والظهر بشكل مستمر طوال فترة التحقيق، وكذلك الضرب على باطن الأقدام أو ما يعرف بـ (المد)، ومع شدة التعذيب الذي تعرض له تكسرت عظام ذراعيه، فيما كانت عيناه معصوبتين طوال فترة التعذيب بحيث لا يستطيع التعرف على أي من الضباط أو الجنود المسؤولين عن تعذيبه، كما ظل معصوب العينين لثلاثة أيام تالية للتعذيب داخل القسم، فيما كانت إدارة القسم تحضر له عدد من الأدوية السطحية، وبعدما ساءت الحالة قامت إدارة قسم بولاق بنقله معصوب العينين إلى مستشفى بولاق، وأكد المعتقل أن سرعة انتقاله للمستشفى بعد دقائق من خروجه من القسم هو سر معرفته لاسم المستشفى لأنها الأقرب للقسم مسافةً.

المستشفى لم تقدم حينها أي رعاية طبية مناسبة للإصابة، فقامت بتجبير ذراعية بجبيرة بدائية، وتمت إعادته لمحبسه بقسم بولاق ليمكث ثلاثة أيام أخرى دون تمكن المعتقل من النوم والحركة بشكل مريح وطبيعي، بالإضافة إلى حرمانه من تواجد دورة مياه، وخضوعه لاستجوابات وتحقيقات أخرى تجاوزت السبع ساعات يوميًا.

إدارة القسم سعت في إخفاء جريمتها عبر تقرير المستشفى المزيف المعروض على النيابة، والذي قال أن سبب إصابة ذراعي طلعت هو سقوطه عليهما إبان تواجده بالقسم، فبعدها تم نقله إلى النيابة بدون علمه، حيث نُقل لنيابة أمن الدولة، في الوقت الذي كان يعتقد فيه أنه في مقر مباحث أمن الدولة، وبعد تحقيق لم يستطع فيه جابر أن يتكلم بشيء، حتى أنه لم يستطع أن يوقع بإمضائه أو حتى ببصمته على ما كتبه المحقق.

بعد تلك الأيام العصيبة التي قضاها المعتقل قامت إدارة سجن بولاق بترحيله إلى سجن طره، حيث رفضت إدارة السجن استقباله حينها ولأكثر من أربع ساعات، قبل أن يأتي ضباط من أمن الدولة مرة أخرى ليدخلوه إلى السجن.

وفور استقباله دخل سجن طره سعت إدارة السجن لكتابه تقرير طبي بحالته، وكان موقع “نون بوست” قد حصل أيضًا على نسخة من التقرير، ووصف التقرير الحالة كما يلي: “كسر بعظمة العضد الأيمن، وكسر مضاعف بالعضد الأيسر، واشتباه قطع بالعصب في الناحيتين اليمنى ويسرى، وسقوط الرسغ Wrist Drop في الناحيتين اليمنى واليسرى كما يعاني من تورم شديد بالطرفين العلويين”، وأوصى حينها الطبيب المنتدب من مزرعة سجن طرة بحجزه تحت ملاحظة عظام بمستشفى ليمان طرة، واستكمال الفحوصات والتحضير للتدخل الجراحي من خلال استشاري العظام حيث إنه لا يستجيب للعلاج المحلي ولا يزال الذراعان متورمان، وأوصى حينها بضرورة ترحيله لمستشفى ليمان طرة للحجز بملاحظة العظام واستكمال الفحوصات والعلاج تحت ملاحظة أخصائي العظام.

إدارة سجن طره تعنتت في البداية  في تنفيذ وصية الطبيب، وبعد ضغوط من المعتقلين في السجن وتحرك أهله بتقديم شكاوى لجهاتٍ عدة، قامت الإدارة بتحويله إلى مستشفى سجن ليمان طرة بتاريخ 16 أبريل 2014، وحينها أجرى المعتقل عملياتان جراحيتان بذراعيه، وقام بتركيب شرائح ومسامير، لكن يبدو أن العمليتان كان مصيرهما الفشل، ففي أواخر ديسمبر من العام الماضي عرض المعتقل على مستشفى المنيل التخصصي تبين أن الشرائح والمسامير المستخدمة لم تكن مناسبة لنوع الكسر، وذلك الاكتشاف جاء بعد 8 أشهر من إجراء العملية والتجبير الذي كان يتبقى عليه شهرين بحسب وصية طبيب سجن طرة ويتماثل المعتقل للشفاء التام.

الاكتشاف هذا جاء نتيجة صعوبة حركة اليد اليسرى التي عانى منها لمعتقل، واحتجازه بالمستشفى حينها لأكثر من شهر ونصف، والتي أصرت حينها على ضرورة خضوعه للعلاج الطبيعي سنة على الأقل، لكن إدارة السجن أعادته عنوةً، وذلك مع علم الطبيب المسؤول عن قسم العلاج الطبيعي بمستشفى المنيل أنه سجين سياسي، ما دفعه لإخلاء مسؤوليته من المعتقل، ليعود أدراجه مرة أخرى للحبس في سجن استقبال طره في منتصف فبراير من العام الجاري، رغم تردي صحته وعدم ملائمة الزنزانة صغيرة الحجم سيئة التهوية الخالية من دورة مياه لحالة طلعت المرضية.

العملية الفاشلة التي أجريت للمعتقل رفعت طلعت عبدالجابر استمرت في تدمير صحته، ففي مايو الماضي تورمت ذراعي المعتقل بشكل كبير مع استمرار الآلام فيهما وصعوبة الحركة، وبعد العرض على طبيب السجن تبين أن المسامير المزروعة بذراعيه تحركت فتسببت في التورم، وأكد الطبيب أن استمرار هذا سيؤدي إلى الإصابة بغرغرينا والتي ربما تودي بحياته أو تتسبب في عاهة مستديمة ببتر الذراعين.

أثارت قضية المعتقل اهتمام حقوقي في الآونة الأخيرة، الذين أعربوا عن خشيتهم على مصيره، فقد تقدم الائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان (AED) بنداء عاجل في 12 يونيو الجاري  إلى المقرر الخاص بالصحة والمقرر الخاص بالتعذيب، التابعين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وطالب الائتلاف بضرورة نقله مستشفى متخصص لإجراء جراحة طارئة، وأكدت الأسرة من جانبها تقديمها عدة شكاوى إلى النائب العام ومصلحة السجون والمجلس القومى لحقوق الإنسان، إلا أن جميع الشكاوى ظلت موجودة في أدراج مكاتبهم دون تحرك.

وقد اهتم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي هم أيضًا بتلك القضية، وأخذوا بجانب نشطاء حقوق الإنسان في نشر المعلومات الموثقة عن حالته الصحية المتدهورة، والوضع الغير آدمي الموجود داخل السجن.

موضوع نون بوست السابق عن الأمر يحتوي على صور حصرية والتقرير الطبي الخاص بالمعتقل