لا بد وأنك تضع زيارة طبيب الأسنان في قائمة أسوأ 10 أشياء في حياتك، ربما اقترب الوقت الذي تتخلص فيه من هذا الكابوس، وتتخلص من جر أطفالك الآخذين في الصراخ إلى العيادة، فقد أعلن باحثون أنهم طوروا جزيئات كروية الشكل حجمها دقيق جدًا، وتستطيع هذه الجزيئات أن تحمل عليها الأدوية قاتلة البكتيريا، لتصل إلى موقع المعركة، وتزيل طبقات البلاك المترسب وتسوس الأسنان بشكل عاجل وفوري!
طبقة البلاك هي طبقة مكونة من البكتيريا وبقايا الطعام أي بوليمرات السكريات التي تلتصق بعناد بالأسنان، وهي طبقة من “البيوفيلم”؛ البيوفيلم هو غشاء حيوي ملتصق من البوليمرات ومحتوي على البكتيريا، هذه البكتيريا تتغذى على السكريات، لتنتج الأحماض التي تسبب تآكل أسنانك، وهو ما يعرف بالتسوس، لو تناولت دواءً موضعيًا مقاومًا للبكتيريا فإنه لن يجدي لحماية أسنانك، لأن اللعاب يغسله ويزيله بسرعة.
الجزيئات النانوية تتخطى هذه المشكلة، فهي أيضًا تتشبث بالأسنان، فلا يجرفها التيار، حاملة الدواء القاتل للبكتيريا معها، صحيح أن هذه ليست التقنية الأولى التي تفعل ذلك، لكنها قامت بالبناء على ما سبقها من طرق، فهي لا تتشبث فقط بالسن، بل بطبقة بيوفيلم البلاك.
لكن كيف للجزيئات النانوية هذه أن تلتقط مكان العدو وتهاجم بذكاء هكذا؟ حدث ذلك عندما قام الباحثون بجعل بوليمراتها مكونة من جزئين لهما خصائص مختلفة؛ فالجزء الخارجي مشحون بشحنة موجبة تمكن الجزيء من الالتصاق بطبقة البلاك ومينا الأسنان السالبة، أما الجزء الداخلي منها فيستجيب للوسط الحمضي في الفم، فيتفكك، وتبدأ أسلحته الدوائية تتساقط منه على الموقع الموشك على التسوس والتخرب، لتقتل البكتيريا.
ولتجريب هذه التقنية قبل اعتمادها، اختبر الباحثون هذه الجزيئات النانوية، من خلال تصنيع أدوات مخبرية تحاكي الأسنان الحقيقية المغطاة بالبلاك، باستخدام بعض من معدن وجدوه في مينا الأسنان، ثم زرعوا عليها بكتيريا تسمى البكتيريا العقدية الطافرة، وهي التي تعتبر المتهم الأساسي خلف تسوس الأسنان.
بعد ذلك قاموا بمقارنة طريقتين، الأولى كانت باستخدام جزيئات النانو الحاملة لدواء الفارنيسول، والأخرى بالدواء لوحده، فوجدوا أنهم استطاعوا إزالة طبقة البلاك في الطريقة الأولى بمقدار الضعفين، لقد أضعفت التصاق البلاك بالأسنان فعلًا.
الاختبار الآخر كان على الفئران المصابة بالبكتيريا العقدية الطافرة، وجد الفريق أن الفئران التي تم إعطاؤها هذه الجزيئات مرتين في اليوم حققت تقدمًا ملحوظًا في تقليل شدة وعدد التسوسات في أسنانهم، أما الفئران التي أخذت الدواء لوحده فلم يكن هناك أي فرق.
وقال عالم الأدوية، دونج وانج، من جامعة مركز نبراسكا الطبي، إن هذه أول مرة تكون تقنية مثل هذه ناجحة مع الحيوانات، وأن هذه خطوة ضخمة للأمام.
لكننا لا نستطيع أن نفرح بشكل كامل بعد، فهذه التقنية ما يزال لديها بعض السلبيات التي لم يتم التغلب عليها، فقد صممت لتتشبث بأي بيوفيلم، لذلك فإنها قد تهاجم تلك الأغشية الحيوية المبطنة للسان أو أي مكان آخر في الفم، حيث يمكنها أن تدمر البكتيريا المفيدة، لكننا نريد قتل الأعداء السيئين، وليس أصدقاءنا!
لكن هذا الذي قد يعتبر عيبًا هو أيضًا ميزة، فهجوم الجزيئات النانوية على أي بيوفيلم في طريقها بلا تفرقة، يمكن أن يستخدم في حالة وجود أغشية حيوية والتصاقها يُعد خطرًا؛ مثل تلك التي تلتصق على العظام المزروعة أو القساطر.
إن تخيل الأمر مدهش، أن تذهب إلى الصيدلية وتطلب بعض غسول الفم أو معجون الأسنان أو الجيل المحتوي على هذه الجزيئات، وبعلاج لمدة أسبوعين تكون تخلصت من التسوس والألم، وزيارة الطبيب أيضًا.
ما يزال هناك بعض الوقت وكثير من الاختبارات اللازمة على البشر قبل أن ينزل إلى الأسواق، لكن تخيل مستقبلًا ليس فيه رحلات الأطفال المرعبة إلى طبيب الأسنان، جميل حقًا.