لم ينقطع الحديث في الجزائر حول إمكانية تغيير رأس النظام الحاكم في السنوات الأخيرة، فرغم نجاح بوتفليقة في تفادي رياح التغيير الذي حركها الربيع العربي، إلا أن تقدمه في السن وحالته الصحية، خاصة منذ تعرضه لجلطة تسببت في فقدان قدرته على الحركة، في أبريل 2013.
وفي هذا السياق، توقع مركز “ستراتفور إنتربرايز”، في دراسة نشرها الخميس الماضي، بأن يرحل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم خلال الأشهر القادمة، وأن تعلن الجزائر عن خليفته، على عكس ما أعلنه ديوان الرئاسة، الأسبوع الماضي، بأن الرئيس بوتفليقة مستمر في الحكم حتى 2019.
وتعتبر مؤسسة ستراتفور إحدى أهم المؤسسات الخاصة التي تعني بقطاع الاستخبارات، ويُطلق عليه في أمريكا اسم “وكالة المخابرات المركزية في الظل”، ويضم ضباط وموظفين سابقين في الاستخبارات والجيش الأمريكيين.
التغيير آت بسرعة
وورد في دراسة المركز المذكور والذي تم عنونتها بـ “الإصلاحات في الجزائر، عاجل غير آجل”، أن فريق الرئيس بوتفليقة عزز هيمنته على دواليب أخذ القرار في الدولة من خلال ترتيب أوضاع حزبي الأفالان والأرندي، وإجراء تغيير حكومي، يهم بإطلاق إصلاحات جديدة، في إشارة إلى الدستور.
وبحسب المؤسسة الأمريكية، فإن الرئيس بوتفليقة يفكر في التنحي من منصبه العام المقبل، والاكتفاء بالإشراف على تعيين خليفته، الموكلة له مهمة إكمال ما تبقى من فترة حكمه المقرر أن تكتمل 2019، واعتبرت المؤسسة أن عبد المالك سلال وأحمد أويحيى والأخضر الإبراهيمي هم أبرز الأسماء المرشحة لخلافته، وهي أسماء مُتداولة في الشارع الجزائري منذ مدة.
واعتبرت المؤسسة في تحليلها أن الرئيس بوتفليقة يسعى لإطلاق إصلاحات عميقة بهدف ضمان استقرار اجتماعي، في وضع يتميز بصعوبات اقتصادية ترتبت عن تراجع مداخيل صادرات المحروقات وارتفاع كلفة مجابهة التحديات الأمنية المتزايدة، في فترة تصاعدت فيها مطالب قوى المعارضة برحيل الرئيس عن الحكم، والدخول في مرحلة انتقالية، تمهد لانتقال ديمقراطي طال انتظاره.
وأشار ذات المصدر إلى أن السنوات التي عقبت موجة الربيع العربي، منذ سنة 2011، لم تكن مثالية بالنسبة للنظام الجزائري خاصة أمام الإنحراف السريع الذي شهدته ليبيا وأمام الهاجس الأمني المتعاظم على الحدود مع دولة مالي أو تونس الذي انعكس على الداخل الجزائري، واعتبرت الدراسة أن أحداث عين أميناس التي استهدفت أحد حقول إنتاج الغاز مثلت برهانا على هشاشة الدولة، وأضافت أن الجلطة الدماغية التي تعرض لها بوتفليقة سنة 2013 عجلت بانطلاق حوار داخلي تجاوز الحديث عن معوضه في حال عجزه، ليشمل طبيعة دولة ما بعد تفليقة.
المعارضة: توريث أم ديمقراطية؟
وبالرجوع إلى أغلب تصريحات زعماء المعارضة، نجد أن المسألة باتت محسومة بالنسبة إليهم، وأن محور النقاش اليوم هو في مرحلة ما بعد بوتفليقة، بين هاجس التوريث ومطلب الديمقراطية الاحتكام الحقيقي للصندوق.
هيئة التشاور والمتابعة، التي تعتبر أكبر تكتل معارض في الجزائر، قالت بعد اجتماع لقادتها الأسبوع الماضي إن “هناك إعادة ترتيب شكلي للسلطة بمنطق التدوير والتوريث (من بوتفليقة إلى شخصية أخرى داخل النظام) بعيدًا عن الإرادة الشعبية والمصلحة العليا للوطن”.
وأكد سليم صالحي رئيس حزب الحراك الشعبي لنهضة الجزائر، أن ما تتحدث عنه المعارضة عن وجود ترتيبات لمرحلة ما بعد بوتفليقة ليست مجرد تخمينات، وأنها معلومات وصلت قادتها، ومصدرها مراكز اتخاذ القرار في البلاد، واعتبر أن البلاد تمر بعملية تغيير يحضر لها داخل السلطة الحاكمة، وستظهر ملامحها بشكل جلي خلال المرحلة القادمة، من خلال تعديل دستوري قد يستحدث منصب نائب الرئيس، أو تنظيم انتخابات مبكرة، لأن وضع الرئيس الصحي لا يسمح له باستكمال ولايته، والنظام يحتاط لأي طارئ بشأن هذا.
من جهته، وصف عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل والمرشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الوضع السياسي في الجزائر بالمتعفن، ودعا بلعيد في تصريحات صحفية إلى تضافر جهود الشعب الجزائري من أجل التغير السلمي والديمقراطي في البلاد.
كما اعتبر سليمان شنين، مدير مركز الرائد للدراسات السياسية بالجزائر، أن كل المؤشرات في الجزائر توحي بأن تغييرًا سيقع في القريب العاجل، والمرجح هو انتخابات رئاسية مبكرة بسبب مرض الرئيس، واعتبر أن ما يحدث هو ترتيبات بين مراكز القرار داخل النظام، من أجل انتقال سلس للسلطة من بوتفليقة إلى شخصية أخرى محسوبة على النظام.
الموالاة: المعارضة واهمة
في المقابل رد أحمد أويحي، مدير ديوان الرئيس الجزائري، في تصريحات صحفية على كلام المعارضة بقوله “الرئيس بوتفليقة هو الرئيس الحالي للجزائر، وسيستمر في ذلك إلى نهاية ولايته الرئاسية العام 2019″، وشدد على أن الرئيس قادر على إدارة شؤون البلاد وتسيير جميع الملفات باقتدار.
وخلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الجزائرية، قال عمار سعداني أمين عام الحزب الحاكم، ردًا على تصريحات المعارضة بوجود تحضيرات لمرحلة ما بعد بوتفليقة، أن “الرئيس باق في منصبه، ومن يظن أنه سيغادر واهم ويُتعب نفسه بلا جدوى”.
ومن جهته، قال لخضر بلماحي، رئيس حزب التجديد، أن التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة هي من صميم صلاحياته، ولا علاقة لها بأي تغيير في الأفق في هرم السلطة كما تدعي المعارضة، واعتبر أن الوضع الإقليمي “المضطرب” الذي تعيشه المنطقة يجعل من الرئيس صمام الأمان في هذه المرحلة، كما أنه من غير المنطقي إجراء انتخابات بعد عام فقط من تنظيمها، وفق تعبيره.
وحول اتهامات المعارضة بعدم قدرة بوتفليقة على أداء مهامه، قال رئيس التجديد إن “الكل يلاحظ أن الرئيس يقوم بمهامه بصفة عادية، صحيح أنه مازال يعاني من المرض، لكنه لا يعاني من الجانب العقلي، ويسير البلاد بشكل طبيعي”.