ما زالت الخلافات بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر مستمرة، ولا تزال تجلياتها تظهر على وسائل الإعلام إما على شكل تسريبات أو بيانات، بالرغم من اتخاذ الجماعة قرارًا يُلزم طرفي الأزمة الحالية بوقف التراشق الإعلامي في الحال، وهو ما تم الامتثال إليه لفترة ثم ما لبث الأمر أن عاد من جديد.
فبعد أن خرج الأمين العام السابق للجماعة وأمين صندوقها القيادي محمود حسين ببيان عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي يؤكد فيه أنه ما زال يشغل منصب الأمين العام وأن مكتب الإرشاد القديم لا زال يمارس عمله، يخرج المتحدث الرسمي باسم الجماعة الذي يظهر باسم محمد منتصر، ليؤكد أن الجماعة أُجريت بها انتخابات في مطلع العام الماضي أسفرت عن انتخاب أمين عام جديد للجماعة، وكذلك أعضاء جدد لمكتب الإرشاد، نافيًا تمثيل الدكتور محمود حسين للجماعة بأي منصب إداري.
https://www.facebook.com/mahmoud.hussien.3576/posts/862155067208413
https://www.facebook.com/M.B.SPOKESMAN1/videos/1453280621632775
ظهرت الأزمة بعد هذا التراشق الإعلامي بين فريقين من القيادات لكل منهم روايته للأحداث داخل الجماعة؛ فالمجموعة القديمة التي ينتمي إليها القيادي محمود حسين ترى أن الانتخابات أجريت لتشكيل لجنة معاونة لمكتب الإرشاد القديم وليس بديلاً عن المكتب، بينما ترى المجموعة الأخرى أن ثمة انتخابات أجريت عبر قواعد الجماعة أفرزت مكتبًا جديدًا لإدارة شؤون الجماعة في الداخل والخارج.
بعد خروج الأمر للعلن تدخلت قيادات تاريخية في الجماعة لوقف هذا السجال عبر الإعلام، ولكن على عكس هذا القرار خرج بعد ذلك مقال منسوب لنائب المرشد القيادي محمود عزت يتحدث فيه عن سلمية حراك الإخوان المناهض للسلطة، أثار هذا المقال لغطًا كبيرًا في صفوف الجماعة بين البعض الذي يشير إلى تلفيق هذا المقال والبعض الآخر الذي يؤكد صحته، وذلك بسبب نشر المقال على أحد المواقع التي لم تعتد الجماعة على اتخاذها منصة رسمية لتوجيه رسائلها.
ومؤخرًا أذاعت فضائية الجزيرة خبرًا مساء يوم الأحد تقول فيه إنها حصلت على بيان رسمي من جماعة الإخوان المسلمين في مصر ينقل رسالة من المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع من داخل محبسه يدعو إلى التمسك بالسلمية، وتضمنت رسالة بديع دعوة كوادر الجماعة للتمسك بالسلمية وعدم الانجرار إلى العنف في مواجهة الدولة، كما أكدت الرسالة المزعومة الموجهة لكوادر الجماعة على عدم دعم أي تحركات عنيفة ضد الدولة، مؤكدة أن النهج السلمي هو نهج تاريخي للإخوان يجب التمسك به، بحسب ما نقلت الجزيرة.
لكن هذا البيان لم يُنشر على منافذ الجماعة الرسمية أو يخرج على لسان متحدثها الرسمي، ولم يظهر سوى على قناة الجزيرة فقط، كذلك تحدث عدد من شباب الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي عن استحالة خروج رسالة من مرشد الجماعة من داخل سجن العقرب بسبب منع السلطات المصرية عنه كافة وسائل الاتصال ومنعها لدخول أية أوراق أو أقلام لبديع، كما أن الزيارة ممنوعة منعًا باتًا عنه في الآونة الأخيرة، وحين خروجه إلى المحاكمات يكون تحت حراسة مشددة تجنبًا لتواصله مع أفراد من الخارج، وتساءل البعض كيف خرجت مثل هذه الرسالة، نافين تمامًا إمكانية تسريبها.
الصفحة الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك أصدرت تنويهًا لوسائل الإعلام أعقب هذا البيان نفت فيه صدور أي بيانات من المرشد العام للجماعة المحتجز وسط حظر أمني لمنع التواصل معه، كما أكدت الصفحة في منشورها أن موقع الجماعة وصفحاتها الرسمية والمتحدث الإعلامي هي الكيانات والنوافذ الرسمية المعتمدة لدى الجماعة، وعلى وسائل الإعلام تحري الدقة، في إشارة إلى تكذيب ما بثته قناة الجزيرة بشأن البيان الصادر عن مرشد الجماعة.
بيد أن هذا السجال الذي ظهر مجددًا على الساحة الإعلامية للجماعة يعكس تطاحن داخلي بعد هدوء العاصفة الأولى من الخلافات وذلك بسبب تدخل قيادات تاريخية للجماعة لمحاولة رأب الصدع، فالجماعة تحاول تصدير أن هذا الخلاف مجرد خلاف إداري ستحسمه لوائح الجماعة وقواعدها، لكن متابعون فسروا الأمر على أنه طور جديد من الخلاف داخل الجماعة متعلق بمنهجية إدارة الجماعة وتحركاتها في مواجهة السلطة في مصر.
في حين يبرز أيضًا هذا اللغط الإعلامي وقوع منافذ الجماعة الإعلامية الرسمية تحت سيطرة المجموعة الجديدة من القيادات التي تتبنى رواية حدوث انتخابات داخل الجماعة أفرزتهم كقيادة جديدة للمرحلة، بينما تعبر المجموعة القديمة عن رأيها عبر حسابات شخصية ومواقع خارج الجماعة، ومؤخرًا نُسب إليها تسريب بيان على لسان المرشد العام للجماعة إلى قناة الجزيرة.
فبعد أن انتخبت المجموعة الجديدة وتولت زمام الأمور منذ فبراير من العام الماضي، عززت سيطرتها على الأدوات الإعلامية الرسمية للجماعة كتعيين متحدث رسمي باسم الجماعة، والتأكيد دائمًا على أن هذه المنافذ الرسمية فقط من تعبر عن الجماعة، وهذا من العادات القديمة لدى الجماعة.
لكن قيادات الجماعة من المجموعة القديمة لم تحسب لهذا اليوم حسابًا وباتت الآن في خلافها مع المجموعة الأخرى بلا أدوات إعلامية، لذلك اتهمها البعض بمحاولة تسريب معلومات داخلية لوسائل الإعلام تدعم وجهة نظرها أمام الفريق الآخر، وأعطوا بذلك مثالًا بالرسالة المنسوبة إلى المرشد العام، وكذلك تسريب وثيقة خاصة وزعت على أعضاء مجلس شورى الجماعة فقط تنفي إجراء أي انتخابات داخلية في الجماعة خلال الفترة التي أعقبت فض رابعة العدوية وتشرح وتؤيد وجهة نظر المجموعة القديمة.
وثيقة حساسة مثل هذه الوثيقة لا يمكن أن تخرج عن طريق الفريق الجديد الذي يؤكد حدوث الانتخابات، وكذلك بالبحث عمن له مصلحة في خروج هذه الوثيقة للعلن رغم حساسيتها هو الفريق القديم، بسبب فقدانه منبر إعلامي رسمي يوجه من خلاله الحديث للقواعد.
الخلافات بين القيادات تطورت في الآونة الأخيرة وعمدت بعض القيادات من كل فريق إلى تسريب أخبار إلى وسائل الإعلام تدعم وجهة نظره، وهو ما لم تعتده وسائل الإعلام من قيادات الإخوان، لكن هذا حدث بالفعل في الآونة الأخيرة.
لم يقتصر الأمر حد تدعيم وجهات النظر بتسريب أخبار للإعلام بل تطور الأمر داخليًا لعقد جمعيات عمومية للإخوان بالخارج لشرح وجهة نظر القيادة القديمة في الأزمة عن طريق قيادات هذا الفريق المتواجدة بالخارج وينتمي معظمها لما يُعرف بالتنظيم الدولي، وكذلك فعلت القيادة الجديدة بحسب مصادر من داخل الجماعة، شهدت بعض هذه اللقاءات تهجمًا على أشخاص بعينهم من قيادات مكتب الإرشاد الجديد كالدكتور محمد طه وهدان والدكتور محمد كمال الأمين العام الجديد وذلك بوصفهم بـ”التكفيريين” الذين يريدون جر الجماعة إلى العنف في مواجهة الدولة.
الأمر يعكس أزمة عميقة لحقت بالجماعة وليست عابرة، يحاول بعض الأطراف الآن في الجماعة التدخل لوقف هذا التدهور في المواقف من جانب الطرفين باستبعادهما من القيادة وإجراء انتخابات جديدة لمجلس شورى عام ينتخب مكتبًا للإرشاد ويعدل اللائحة بما يتوافق مع الأوضاع الحالية، لكن الأمر يبدو وأنه على غير رغبة من أحد أطراف الأزمة في المجموعة القديمة.
ترى تلك المجموعة التاريخية أن ثمة أشخاص برزوا في القيادة في الفترات الماضية أردوا أن يسلكوا منهج عنيف أثناء مواجهتهم للسلطات المصرية، وهذا ما يرونه خطرًا على بقاء الجماعة، بينما يرى مناصرو الطرف الآخر أن القيادات القديمة عادت لتصدر المشهد من أجل إحداث مصالحة عُرضت عليهم ولم تعرض على مؤسسات الجماعة، في حين أن القيادة الجديدة تريد السير في نهج ثوري يرفض التصالح مع النظام مع التأكيد على اتخاذ المنهج السلمي كخيار إستراتيجي.
إذن تراوحت التحليلات حول أسباب الخلاف بين تفسيره على أنه خلاف إداري طبيعي وبين تفسيره على أنه خلاف منهجي في التعامل مع سلطة الانقلاب في مصر بين السلمية والعنف، أو خلاف على التسوية مع النظام في مقابل وجهة نظر ترى الاستمرار في الحراك دون إجراء مصالحات.
يعزز تحليل إرادة المصالحة لدى القيادة التاريخية ظهور مبادرة عبر المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين يوسف ندا، لحل الأزمة بمصر، حيث أطلق الرجل دعوة للتحاور مع من أسماهم بمن يريد الخير لمصر، كما تأتي أيضًا هذه المبادرة في ظل الحديث عن تحركات إقليمية للشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية لحلحة الوضع فى مصر.
كل هذه التحركات رد عليها محمد منتصر المتحدث الرسمي باسم الجماعة بقوله في تصريحات خاصة لموقع “عربي21”: “إن موقف الجماعة واضح تجاه أي مبادرة تخرج من أي طرف؛ مؤكدًا على ترحيبهم بأي مبادرة تدعم الخيار الثوري، وتؤسس لاستعادة الشرعية والقصاص للشهداء ومحاسبة كل من تورط في الانقلاب أو في الدماء”، مضيفًا: “أن مبادرة الأستاذ يوسف ندا تعبر فقط عن وجهة نظر صاحبها”، وبالطبع هذا يصعب من مساعي المبادرات التي تخرج أخبارها كل حين، فربما يعكس هذا الأمر تباين المواقف بين الفريقين داخل الجماعة، فيما ينظر البعض على أن هذا الأمر ربما من قبيل توزيع الأدوار داخل الجماعة وأن ثمة مصالحة يُعد لها الآن من أطراف إقليمية للتوسط بين النظام المصري والجماعة.