بعد سنوات من قيام الصين بضخ الأموال في مختبراتها العلمية، والنداءات التي أطلقتها لعلمائها بالعودة إلى الديار وحثهم على نشر وتسجيل براءات اختراعهم، بدأت ثمار هذه السياسة تظهر في القوة التي دخلت بها الصين إلى المنافسة في مجال التكنولوجيا الحيوية بابتكارات غير مسبوقة.
فالصين لديها موارد هائلة تستثمرها في البحث العلمي والتطوير، والذي قفز تمويله إلى أكثر من أربعة أضعاف بقيمة بلغت 191 مليار دولار في 2005، وقد تجسدت أول ثمرة لكل هذا الجهد بوضوح عندما أعلن العلماء في جامعة سان يات سين في قوانغتشو عن مفاجأة، عندما نشروا نتائج تجاربهم لشيء مذهل، تعديل جينات الجنين، والذي سيعني أنك سوف تصبح قادرًا يومًا على تعديل جينات ابنك مثلما تعدل ملفًا مكتوبًا على جهاز الكومبيوتر.
التقنية التي أطلق عليها اسم CRISPR ستمكّن العلماء من تعديل أي جين يستهدفونه، وتصحيح العيوب الخلقية والأمراض الناتجة عن عيوب في الجينات، بشكل يشبه معالج النصوص في ملف الكتابة على الكومبيوتر مثلًا، وربما سوف يأتي يوم تقل فيه هذه الحالات حقًا.
لكن هذه ليست التقنية الوحيدة الصينية التي تعمل على الجينات، فحسب البيانات التي جمعتها وكالة رويترز فإن الصين تبدي قوة متنامية في تعديل الجينات، مع طفرة في الاختراعات في هذا المجال، فأكثر من 50 معهدًا صينيًا سجل براءات اختراع في هذا المجال، كان منها الأكاديمية الصينية للعلوم والجامعات، وأكاديمية إنهوي للعلوم الزراعية، لدرجة أن خمس براءات الاختراع في مجال تعديل الجينات منذ 2004 كان تابعًا لعلماء صينيين.
مستوى الموارد المتاحة حر ومرن بشكل لا يصدق، لدرجة أنه أعطى العلماء الصينيين الفرصة للتحرك بشكل سريع جدًا في مسار أبحاثهم.
الصين لم تتوقف هنا، بل إنها استثمرت أيضًا في مجال بنوك التسلسلات الجينية، فقد أعلن معهد بكين للجينات مثلًا أنه أكبر منظمة للجينات في العالم، مع أن هذه التقنية نشأت أصلًا في الولايات المتحدة وبريطانيا.
كما أن الصين كانت الأولى في العالم أيضًا التي توافق على علاج جيني لسرطان الرأس والعنق في 2003، على الرغم من أنها كانت ما تزال مثيرة للجدل في الخارج.
الباحثون الصينيون أيضًا سجلوا تقدمًا غير مسبوق في البحث على الحيوانات، فقد أعلن فريق من العلماء الشهر الماضي أنهم طوروا أبقارًا معدلة جينيًا لتصبح غنية بالأحماض الدهنية المفيدة أوميجا – 3 التي توجد عادة في الأسماك!
كما أن فريقًا آخر أعلن السنة الماضية أنهم قاموا بهندسة أول قرد وراثيًا ليستهدفوا تعديل طفرات معينة في جيناته باستخدام التقنية الجديدة CRISPR، ليعلق أحد أصحاب المشاريع البيوتكنولوجية أن الصين سوف تلعب بمرور الوقت دورًا غاية في الأهمية في مجال التكنولوجيا الحيوية بسبب سياساتها المهتمة، لتتفوق على أجزاء كثيرة من أوروبا قريبًا.
وتتباين الآراء حول تقنية CRISPR، التي تسببت في عاصفة في علم الأحياء، فالبعض يستبشر بها، كونها سهلة ورخيصة ولا تحتاج لكثير من المعرفة كي تستخدم، لكنها في نفس الوقت أثارت جدلًا عالميًا واسعًا ومعارضة خاصة من علماء أمريكيين وأوروبيين لأنها كانت أول من أجرى التجارب على أجنة بشرية، ويشير بعضهم إلى كون الصين تأخذ أمر الأخلاقيات في علم الأحياء بخفة، لكنهم أشاروا إلى أن هناك مناقشات مكثفة داخل النظام الصيني حول ذلك، كما أن هناك آخرين يعتقدون أن هذا لم يكن إنجازًا خارقًا، فقد كانت التقنية موجودة بالفعل وكونهم استخدموها لأول مرة فهو لا يعني أنهم نالوا الأفضلية، كما قال أستاذ آخر أن عملهم استند أساسًا إلى أداة طورت في الولايات المتحدة.