تساور المصريين شكوك عديدة حول آداء الإقتصاد المصري نظراً للإرتباك الواضح في آداء حكومة حازم الببلاوي وفشلها في الإلتزام بوعودها، فالحكومة التي شكلها عدلي منصور بأمر من وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي تعيش أزمات حقيقية في الملف الإقتصادي نتج عنها فشل الحكومة في تدبير العلاوة السنوية التي كانت مقررة منذ عهد الرئيس محمد مرسي وقيمتها 10% من رواتب الموظفين وكان من المقرر صرفها في يوليو الماضي. كما فشلت الحكومة في توفير مكافآت المعلمين التي كان من المقرر صرفها بعد فور إنتهاء إمتحانات العام الدراسي، فتم صرف 25% فقط من هذه المكافآت.
الإرتباك والفشل في الإلتزام بالوعود كان واضحاً في تصريحات وزير القوى العاملة كمال أبوعيطة لجريدة المصري اليوم بتاريخ الأربعاء 17 يوليو، حيث صرح بأن “قانون الحد الأدنى للأجور سيصدر خلال ثلاثة أيام”، وأكد أن “بلدًا ليس فيه قانون حد أقصى وحد أدنى للأجور هو بلد يعاني من الرق والعبودية”، ليخرج بعدها وزير التخطيط “أشرف العربي” في تصريح لنفس الصحيفة يوم الأحد 15 سبتمبر ليؤكد على أن الحكومة لم تتخذ بعد أي خطوات في سبيل تحقيق ملف العدالة الاجتماعية, مضيفاً أن قانون الحد الأدنى يحتاج إلى المزيد من الدراسات -لاحظ أنه أغفل فجأة الحديث عن الحد الأقصى للأجور-. وها قد مر فوق الثلاثة أيام 97 يوماً ولم يتم فيها إقرار أياً من القانونين بل إن مصدر حكومى رفيع المستوى فضل عدم ذكر إسمه صرح لذات الجريدة يوم الثلاثاء 1 أكتوبر عدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرار بتطبيق الحد الأقصى للأجور فى الوقت الحالى بسبب معارضة عدة قطاعات حكومية لمقترح تحديد سقف الدخول لكبار الموظفين بـ 40 ألف جنيه!
وقد بلغ هذا الإرتباك ذروته في تصريحات وزراء حكومة الإنقلاب ، فوزير التخطيط صرح بأن مصر ليست في حاجة للدخول في مفاوضات الآن مع صندوق النقد الدولي، وأن المساعدات الخليجية تفي باحتياجات مصر التمويلية، بينما رأى وزير المالية أنه لابد من قرض الصندوق وأنه جزء من الحل للمشكلة الاقتصادية في مصر.
حكومة الببلاوي أيضاً تعاملت مع المساعدات الخليجية التي قدرت بنحو 12 مليار دولار، وكأنها منحة لا ترد في حين أن ستة مليارات دولار منها هي ودائع بالبنك المركزي المصري، أي أنها لا تمثل ملكية خالصة للاقتصاد المصري-حتى وإن قيل إنها بدون فائدة- فهي في النهاية ملك لأصحابها، ولابد من الوفاء بها بعد هذه المدة، أما الجزء الباقي من المساعدة فهو ثلاثة مليارات كقروض في شكل مشتقات بترولية، وثلاثة مليارات أخرى منح لا ترد، ستكون هي فقط من نصيب الموازنة العامة للدولة.
وتدفعنا هذه المليارات لعدة تساؤلات مهمة أولها هو أين ذهبت هذه المليارات؟! فحكومة الببلاوي لم تقدم كشف حساب فيما يخصها والمواطن المصري لم يشعر بأي تحسن ناتج عن دخولها بل على العكس زادت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، فقد ذكر البنك المركزي المصري أن أسعار الفواكه والخضروات إستمرت في الإرتفاع بنسبة 3.35% في سبتمبر الماضي، وهو ما يعني أن أسعارها زادت بنسبة 28% في ال 100 يوم التالية للإنقلاب. كما فشلت الحكومة في توفير ما يقارب ثلث الحصص التموينية التي كانت منتظمة في عهد باسم عودة آخر وزير تموين قبل الإنقلاب رغم إتجاه الدولة لتوزيع زيوت أقل جودة ضمن التموين في محاولة منها لتقليل فاتورة تكاليف التموين!
كما أعلنت وكالة الإحصاء الرسمية أمس أن معدل التضخم في مصر ارتفع ليصل إلى نسبة 10.3% في يوليو الماضي وهو أعلى مستوى تضخم رسمي تصل له مصر خلال سنين طويلة، ناهيك عن أن معدل التضخم الحقيقي في مصر عادة ما يكون أكبر من نظيره الرسمي بعدة درجات، والرقم السابق مرشح بقوة لمزيد من الإرتفاع نظراً للشلل الإقتصادي الذي تمر به البلاد وخاصة في قطاعي السياحة والنقل، فقد تم الغاء 55% من الرحلات على مصر للطيران طوال شهري يوليو وأغسطس الماضيين ، كما إنخفضت نسبة الاشغالات فى فنادق الاقصر إلى 2.3 % وهى نسبه لم تشهدها المدينة السياحية منذ 20 عاما بالتمام والكمال.
أيضاً البنك المركزي المصري أعلن يوم 4 أكتوبر الماضي إن احتياطياته من النقد الأجنبي تراجعت لتصبح 18.7 مليار دولار أمريكي وهو الشيء شديد الخطورة لسبب بسيط وهو أن معظم هذا المبلغ مكون من ودائع ومساعدات أجنبية من دول الجوار (السعودية والإمارات والكويت وتركيا وقطر) وسيتعين على مصر ردها لهذه الدول فور قدوم مواعيد إستحقاقها، وفي ظل تعتيم حول ما تملكه مصر فعلياً من هذا الإحتياطي تشير بعض التقارير أن ما يقارب الثلاثة مليارات دولار أمريكي فقط هو ما تملكه مصر فعلياً والباقي ملك لهذه الدول، ولو إستمر النزيف الإقتصادي بهذا الشكل لتبخر هذا الرقم في غضون شهر واحد على الأكثر، حيث أن المبلغ لا يكفي إلا لإستيراد بعض السلع الأساسية كالأرز والقمح من الخارج لأقل من شهر واحد.
ويبدو أن حكومة الببلاوي على علم بذلك ولذلك فقد لجأت للحل الذي تجيده منذ توليها المسئولية، وهو طلب المزيد من المساعدات المالية من دول الخليج، حيث صرح زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء للشئون الإقتصادية يوم الإثنين الماضي أن دولاً خليجية أبدت إستعدادها لضخ المزيد من المساعدات المالية لمصر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
والسؤال الآن الذي يجب طرحه .. ما هي التكلفة الفعلية للأحداث التي عاشتها مصر منذ خطاب وزير الدفاع الذي أعلن فيه عن إسقاط أول رئيس مدني منتخب؟! ، وإلى متى يستمر أمراء الخليج في محاولة إنقاذ النظام القائم حالياً والذي يصفه الكثيرين بأنه غير شرعي؟! ، هل نحن على أعتاب إنهيار إقتصادي شامل يؤدي لثورة جياع تأكل الأخضر واليابس دون إكتراث بالسياسة أو بأي شيء آخر غير الطعام؟!.