“إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية”، حسام عيسى قيادي سابق بحزب الدستور ووزير التعليم العالي في أول حكومة بعد الانقلاب بعد ساعات من تفجير مديرية أمن الدقهلية الذي تبناه تنظيم بيت المقدس التابع لتنظيم الدولة داعش.
“ضحايا فض اعتصام رابعة لا يتعدوا الألف قتيل”، حازم الببلاوي قيادي سابق بحزب المصري الديموقراطي ورئيس وزراء أول حكومة بعد الانقلاب مكذبًا تقارير حقوقية عن عدد شهداء رابعة.
لم تنبع تلك الكلمات من ألسنة قيادات عسكرية أو أمنية وإنما عبر رموز تنتمي بوضوح لتيار مدني لطالما رفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان، إلا أنها وأمام أول اختبار اختارت الارتماء في أحضان السلطة العسكرية التي نفذت أسوأ ممارساتها تجاه حركة الإخوان المسلمين ومناهضيها قبل أن يتم استبعاد تلك الوجوه المدنية التي أدت الدور المرسوم لها بعناية.
أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الثانية لمظاهرات 30 يونيو التي تدخل على إثرها الجيش واستولى على السلطة في انقلاب عسكري مدعوم من القوى والتيارات المدنية التي فشلت في منافسة التيار الإسلامي انتخابيًا وفشل التيار الإسلامي في استيعابها ضمن نظامه الجديد، خلال العامين تراجعت قضايا الحريات ومطالب الديموقراطية وغابت المجالس المنتخبة بينما تصدرت الانتهاكات الحقوقية والممارسات الإقصائية العنيفة تجاه المعارضة وتزايدت عمليات القتل والاعتقال والإخفاء القسري الذي جاء نتيجة تحول الصراع من صراع سياسى بين التيار الإسلامي والتيار المدني إلى حالة استبداد دموي من الجيش تجاه التيار الإسلامي ومعارضيه، اختفى على إثره التيار المدني من المعادلة وتراجع تأثيره تدريجيًا بعدما ساند تحرك الجيش واعتبره انتصارًا له قبل أن يتم إبعاد قياداته والتي تم توظيفها في السنة الأولى من عمر الانقلاب في قمع المعارضة ومحاولة تجميل وجه النظام قبل أن يتم تغييبهم عن المشهد.
إثر ثورة يناير رفع التيار المدني مطلب تأجيل الانتخابات لحين تنظيم صفوفه والاستعداد لمنافسة التيار الإسلامي الذي أكد على ضرورة الإسراع في تسليم السلطة من الجيش إلى قيادة مدنية منتخبة فيما اعتبرته التيارات المدنية تلهفًا من الإسلاميين لاقتناص السلطة، الآن وبعد مرور 4 سنوات ومع حالة الإقصاء غير المسبوقة التي يتعرض لها التيار الإسلامي لا تزال التيارات المدنية عاجزة عن تنظيم صفوفها وبناء قواعد شعبية تمكنها من التواجد على الساحة السياسية وطرح رؤيتها أو المنافسة على السلطة التي استأثر بها الجيش ليعود التيار المدني ويكتفي بدور السنيد لمشروع الدولة السلطوية.
بعد النتيجة التي أظهرتها الانتخابات البرلمانية في تركيا وتراجع نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية ما أجبره على الجلوس للتفاوض مع الأحزاب المعارضة في محاولة لتشكيل حكومة ائتلافية، انبرى ممثلون عن التيار المدني في مصر لإعلان الشماتة والفرحة في الحزب المساند لتيار الإخوان المسلمين معتبرينه نسخة إخوانية لا تختلف عن منافسهم المصري، رغم التباين الواضح بين إخوان مصر والعدالة والتنمية إلا أن الأمر المثير الذي لم يلفت انتباه التيار المدني هو أنه يمكن إيقاف منافسيهم عبر صناديق الاقتراع وعبر وسائل النضال السلمي وأن صناديق الذخيرة ودبابات الجيش ليست الحل الأوحد وإن كان الأسهل.
مستقبل التيار المدني
لم يتعلم التيار المدني من التاريخ القريب ومن تجربة مبارك تحديدًا، فرغم إدراكهم أن منافسهم التقليدي وهو التيار الإسلامي ينجح في الاستفادة من حالة القمع في تماسك صفوفه التنظيمية وزيادة دوائر المتعاطفين والمؤيدين له، إلا أنه اختار ذات الأسلوب في استبعادهم بل واختار هذه المرة حليفًا لا يقبل المشاركة؛ ما جعل مرشح التيار المدني يحل ثالثًا في مراسم تنصيب الجنرال المسماه بانتخابات الرئاسة بعد قائد الجيش والأصوات الباطلة وبنسبة أصوات 3% فقط في رسالة واضحة من النظام مفادها أنه ﻻ مكان ﻷي نوع من المعارضة، ومع فشل التيار المدني في بناء تنظيم سياسي قوي ومتماسك وفي ظل حالة النخبوية التي يعيشها التيار بعيدًا عن التفاعل مع المواطنين بل ومع خسارة التيار لمنابره الإعلامية التي أحسن استغلالها في الفترة التي تلت ثورة يناير يمكننا أن نتنبأ بانحسار تأثير التيار المدني على كل من المجتمع والسياسة مكتفيًا بلعب دور داعم لسلطوية الدولة وزاهدًا في المناصب المحجوزة لقيادات الجيش ومخليًا الساحة لطرفي الصراع القديم الجيش ومن خلفه مجموعات المصالح من ناحية ومن ناحية أخرى التيار الإسلامي ومن خلفه المجموعات الشبابية والثورية.
أخيرًا ومع تراجع فئات شبابية منتمية للتيارات المدنية عن حالة التأييد الأعمى للسلطة وبروز قيادات شابة معارضة يظهر تحدى بناء تيار مدني شاب يشتبك مع السلطة وينجح في تأسيس قاعدة شعبية ليغير من صورة التيار المدني العجوز المرتمى فى أحضان الجيش ، وهو التحدى الصعب والذي يتطلب مواجهة وفصل تام مع القيادات السابقة واشتباك مع الواقع بما به من تشابكات معقدة وبناء مواقف وأفكار على أرضية ثابتة تمكنه من التأثير في الصراع الدائر لصالح إقصاء الجيش عن السلطة وإبعاده عن أي نوع من أنواع الوصاية على الحالة السياسية وفي سبيل تأسيس نظام سياسي يقبل بكل الأطراف المدنية ويضمن تداول السلطة ويفتح الباب لتحقيق أهداف ثورة يناير التي ناضل من أجلها الشباب من كل التيارات السياسية والفكرية في مصر.