شهدت الأشهر الأخيرة في سوريا انتصارات كبيرة لقوات المعارضة على اختلاف توجهاتها وذلك في مناطق متعددة في الشمال والجنوب السوري، كانت غالب هذه الانتصارات نتيجة لمعارك ضارية قدم فيها المقاتلون مثالًا قل نظيره خلال سنوات الثورة الأربع من التنسيق المشترك والتحالف العسكري بين مختلف الكتائب والتيارات العسكرية في سبيل التحرير، وقد كان جزء من عمليات التحرير عبارة عن عمليات سيطرة بعد انسحاب مفاجئ وكامل لقوات النظام السوري من مناطق سيطرته؛ مما جعل المقاتلين المنتصرين وبعد ذهاب نشوة النصر يواجهون تحديات كبيرة.
من أبرز هذه التحديات اهتزاز الحاضنة الشعبية للمعارضة في المناطق المحررة اجتماعيًا، فقد عمد النظام إلى إبادة ممنهجة للمناطق التي خرجت من سيطرته فقد أمطر النظام على مدى الأيام الأولى من تحرير إدلب مثلًا بعشرات البراميل المتفجرة فهدم جزءًا كبيرًا من أحيائها وهجر سكانها، وكذلك فعل مع قرى سهل حوران في بصرى الشام وفي المنطقة الوسطى؛ فقد تعرضت مدينة تدمر الأثرية لعمليات قصف مكثفة في الأيام الأولى لتحريرها، وبدأ الأهالي بعد تلك العمليات الانتقامية وبتحريض واضح من النظام عبر إعلامه وشبكات التواصل الاجتماعي بتحميل المعارضة مسؤولية ذلك وأن المعارضة إن كانت غير قادرة على تحرير الأرض والسماء معًا فهي تسع لتدمير مدن سوريا بإخراجها من يد النظام وجعلها عرضة للقصف اليومي ببراميل الموت.
إضافة إلى أن المناطق الواسعة التي سيطرت عليها المعارضة أصبحت بحاجة إلى دعم إداري ولوجستي في البنى التحتية من حيث توفير المياه والكهرباء والخدمات الطبية للأهالي، ومع التحرير لمناطق واسعة شهدت مؤسسات المعارضة زيادة في العبء الإداري والاقتصادي للحفاظ على الخدمات الأساسية وتأمين الإمدادات الغذائية للمناطق المحررة، فقد شهدت تلك المناطق في الأيام الأولى من التحرير شحًا في المواد الأساسية إضافة إلى ارتفاع شديد في الأسعار قبل أن تتدارك المعارضة الأمر وتعيد جزء من الخدمات الأساسية لها.
التحدي الأكبر الذي تواجهه قوات المعارضة في انتصاراتها أيضًا أنها أصبحت مضطرة لنشر قواتها على مساحة واسعة من الأراضي لحفظ الأمن والتخلص من بعض الجيوب التي تركها النظام خلفه كما حصل في مشفى جسر الشغور فقد تحررت كامل المدينة وما حولها إلا أن تحصن ما يقارب من 300 عنصر من قوات النظام السوري وعناصر حزب الله في المشفى عطل تقدم المعارضة إلى مناطق أخرى حتى تم تحرير المشفى المحن الذي احتمت به قوات النظام، بل إنها في بعض المناطق أصبحت في مواجهة على أكثر من جبهة مع داعش من جهة وقوات النظام من جهة أخرى وقوات الحماية الكردية التي تتبع حزب العمال الكردستاني من جهة كما في حلب.
من جانب آخر فإن النظام بانسحابه من المناطق الواسعة يستفيد بتجميع قواته للدفاع عن المناطق الإستراتيجية لأمنه ولأمن حاضنته الشعبية ويقلل من الخسائر التي يتكبدها عبر خطوط الإمداد الطويلة، بينما تستقبل المعارضة ومؤسساتها الخدمية والسيادية والإغاثية تلك المناطق مع أعباء كبيرة جدًا على مستوى الخدمات والأمن والإدارة خصوصًا في موضوع المعابر الحدودية مع دول الجوار.
ومما لا شك فيه أن المجتمع مهتم جدًا بطريقة تعامل قوات المعارضة مع الأقليات في المناطق المحررة، فالأشهر الأخيرة شهدت تحرير لمناطق تقطن فيها أقليات في سهل الغاب شمالاً وجبل العرب جنوبًا وقد ضمت هذه المناطق أقليات من الدروز والعلويين والشيعة والإسماعيلية غالب هذه الأقليات آثرت الانسحاب من المناطق مع انسحاب قوات النظام، لكن من بقي منها تحت سيطرة قوات المعارضة وخصوصًا الإسلامية منها ظل تحت نظر المجتمع الدولي يراقب أوضاعها وقد ظهرت بعض التجاوزات من قِبل المعارضة كما حصل من مقتل عدد من الدروز في قلب اللوزة في ريف إدلب، والآن وفي ظل هذه الظروف والمجريات الميدانية فإن على المعارضة بجانبها العسكري والسياسي والخدماتي أن تكون على أتم الاستعداد للسيطرة والإدارة الفاعلة للمناطق المحررة ومواجهة تحديدات التحرير القادمة، فالمناطق القادمة في التحرير هي المدن الرئيسية والطبيعة الديموغرافية والطائفية والمعيشية لتلك المدن هي أكثر تعقيدًا من تلك في المناطق الريفية في الشمال والجنوب وتفرض على المعارضة مواجهة التحديات بمستوى أعلى من التنسيق والحنكة والتنسيق والخبرة الإدارية على نطاق أوسع.