أعلنت الولايات المتحدة مؤخرًا مقتل تسعة أشخاص في هجوم بإطلاق نار داخل كنيسة يرتادها مواطنون أميركيون من أصل أفريقي، حدث ذلك في مدينة “تشارلستون” بولاية كارولينا الجنوبية جنوب شرقي الولايات المتحدة، استهدف هذا الهجوم كنيسة “عمانوئيل الأفريقية الأسقفية الميثودية”، وهي تعد أقدم الكنائس ميثودية في جنوب الولايات المتحدة.
أسفر هذا الحادث عن سقوط تسعة قتلى من بينهم ثلاثة رجال وست نساء، مساء يوم الأربعاء في أمريكا، بحسب ما أعلن قائد شرطة المدينة، تشارلستون جريجوري مولن قائد الشرطة وصف الحادث بأنه “عنصري”، قائلًا أنه من غير المفهوم أن يذهب شخص إلى كنيسة يرتادها مصلون ليقتلهم.
التحقيقات الأولية كانت تشير إلى أن الفاعل شاب أبيض يبلغ من العمر 21 عامًا وهو أمريكي من أصول أوربية يدعى “ديلان روف”، الذي جلس مع الحضور في الكنيسة حسبما روى شهود عيان للحادث ثم فتح النار على الموجودين، وتشير دلائل مصورة أن روف فر بعد واقعة إطلاق النار وقد ظل هاربًا حتى ألقت الشرطة الأمريكية القبض عليه.
كما أثُبت بالبحث أن الشاب نشر صورًا له على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” وهو مرتديًا سترة تحتوي على علمين، الأول علم لنظام الفصل العنصري القديم في جنوب أفريقيا المعروف باسم نظام “الأبارتهايد”، والآخر علم خاص بمنطقة كانت تعرف باسم “روديسيا” كانت واقعة تحت سيطرة البيض في إفريقيا وموقعها الآن دولة “زيمبابوي”، ما يشير إلى أن الشاب لديه ميول عنصرية مسبقة.
That's the flag of apartheid-era South Africa on Dylann Roof's jacket pic.twitter.com/ex4cG15sVA
— Jon Swaine (@jonswaine) June 18, 2015
ما عزز ترجيح ارتكاب هذا الشاب الجريمة بدافع عنصري ما قالته شاهدة عيان أيضًا عنه أنه كان يردد عبارات عنصرية وهو يطلق النار على المتواجدين في الكنيسة مرددًا: “أنتم اغتصبتم نسائنا ..أنتم استوليتم على بلادنا ..عليكم أن ترحلوا”، وقد أشارت الشرطة أن للمشتبه به سجلا إجراميًا سابق متعلق بجرائم مخدرات وتعدي على ممتلكات الغير.
هذه الحادثة تأتي بعد أخرى سبقتها مشتركة معها في كونها جريمة عنصرية من البيض ضد السود في الولايات المتحدة، حيث أظهر مقطع فيديو ضابط الشرطة “ديفد إريك كيسبولت” وهو يوقف طالبة زنجية في الخامسة عشرة بطريقة مهينة على بطرحها أرضًا، أثناء محاولته فض شغب خلال يوم لحمام السباحة في حفل مدرسي، ادعى الشرطي أنه فعل ذلك محاولًا فض شغب بناء على بلاغ مقدم من أحد الجيران لهذا الحفل، مما أثار غضب عارم بعد انتشار هذا المقطع.
اندلعت احتجاجات قوية في ولاية تكساس الأميركية عقب هذه الحادثة، احتجاجا على إفراط هذا الضابط الأبيض في استخدام القوة مع هذه المراهقة لمجرد كونها سوداء البشرة، مما أدى إلى استقالة هذا الضابط من جهاز الشرطة.
بيد أن هذا العام يعد الأسوء في تاريخ السود بأمريكا بعد انتهاء سنوات العنصرية التاريخية في الولايات المتحدة، حيث شهدت الأميريكيون من ذوي الأصول الأفريقية مقتل الشاب فريدي جراي (25 عاما) في بالتيمور بولاية ميريلاند نتيجة سوء معاملة ضباط شرطة له، كذلك لقي مشرد أميركي من أصول أفريقية مصرعه إثر إطلاق شرطي النار عليه في مدينة “أوفر تاون” بولاية ميامي الأميركية.
كذلك الاحتجاجات التي اندلعت في السابق بمدينة فيرغسون بولاية ميزوري الأمريكية بعد تفاقم أزمة مقتل شاب أمريكي من أصل إفريقي على يد ضابط شرطة دون سبب سوى الاشتباه مع ترويج رواية كاذبة عن حمل الشاب لسلاح وهو ما تم نفيه بعد ذلك من قبل أسرة الشاب، لتتفاقم أزمة العنصرية في الولايات المتحدة من جانب البيض لتعود الأذهان إلى الوراء حيث سنوات التحارب بين السود والبيض في أمريكا.
فقد خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليعلق على ازدياد عنف الشرطة ضد السود في الأوانة الأخيرة معترفًا بأن للأمر تراكمات لسنوات من العنصرية تراكمت بمرور الوقت، وخلفت شعورا بعدم المساواة، ربما هذه السنوات التي يقصدها أوباما من ضمنها سنوات حكمه.
ففي عام 2012، أطلق رجل شرطة أبيض في ولاية “فلوريدا” النار على شاب أسود (17 عامًا) بينما كان في طريق العودة إلى منزله وذلك في نفس توقيت استعداد أوباما(الرئيس الأسود) في نظر بعض الأمريكيين، لتولي فترة رئاسية ثانية، إذ تزايدت العنصرية ضد السود في تلك الفترة إلى الحد الذي جعل المدعي العام في مدينة “ديترويت” يُصرح بأن العلاقات العرقية أصبحت أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى بين الأميركيين البيض والسود، مضيفًا :”أنه بعتقد عندما انتخب الرئيس باراك أوباما أصبحت العنصرية أكثر علنية”.
الأمر ليس مستهجنًا بالكلية في الولايات المتحدة كما يعتقد البعض، فالتقديرات تذهب إلى أن هناك أكثر من 800 جماعة تدافع عن تمييز البيض عن السود في أمريكا وبها أعضاء يقدرون بمئات الآلاف، وكذلك الانتخابات كل عام في أمريكا تفضح الرواسب العنصرية في الولايات المتحدة وتصرفا الشرطة تجاه الاحتجاجات أيضًا تظهر الوجه القبيح لها في دولة تتغنى بالمساواة المطلقة بين مواطنيها.
عنف الشرطة الأمريكية في الأوانة الأخيرة أدى إلى مقتل 385 شخصا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2015، وهذا المعدل يعتبر أكثر بمرتين من عدد الذين لقوا مصرعهم من قبل الشرطة خلال السنوات العشر الأخيرة، ناهيك أن من بين هؤلاء القتلى أميريكيون من أصول أفريقية اندلعت احتجاجات في أرجاء الولايات المتحدة الأميركية على مدار عدة أشهر ماضية تخللتها بعض أعمال العنف بسبب ما يعده البعض عنصرية الشرطة ضد الأميركيين المنحدرين من أصول أفريقية خاصة.
وقد اعترفت الدولة بهذا حين صرح وزير العدل “إريك هولدر” أن هناك انتهاك من قبل الشرطة والسلطات في ضاحية “فيرغسون” في مدينة “سانت لويس” بولاية “ميزوري” للحقوق الدستورية للسكان السود “بشكل روتيني وممنهج”، ما يعني وجود تمييزًا عنصريًا بحقهم، وذلك عقب احتجاجات لمواطنيين أمريكيين من أصل إفريقي لمقتل واحد منهم على يد شرطي أبيض.