تسريبات إعلامية، وأحاديث صحفية، وحراك دبلوماسي لم يعد خافياً على أحد، وازدواجية خطاب إعلامي داخل الفصيل الواحد، كلها تتمحور حول الهدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل. فمن يا ترى يمتلك الحقيقة الكاملة..؟ وهل فعلاً هناك تهدئة طويلة مقابل رفع الحصار وتشييد الميناء..؟
حاولت جاهداً البحث في البحر المتلاطم من الأخبار والتصريحات، وتواصلت مع قيادات وازنة ذات علاقة واختصاص، وخلصت بأن غياب المعلومة يدفعنا كمحللين وإعلاميين للتخمين وليس التحليل الموضوعي المستند على أرضية صلبة من المعرفة والاطلاع.
يزور قطاع غزة يومياً أكثر من سفير معتمد لدى السلطة الفلسطينية، أو مبعوث أممي أو دولي، عبر معبر بيت حانون (إيريز)، أغلب تلك الزيارات تلتقي بقيادات من حركة حماس، ولكن ليس كل تلك الزيارات ذات أهمية، فبعضها مرتبط بكتابة تقرير الانجازات الذي يرسله السفير لوزير خارجيته، ولكن هناك زيارات هامة وتأخذ في أغلبها الطابع السري، حيث زار غزة مؤخراً مبعوث لرئيس دولة عظمى بالمنطقة، والتقى بقيادات حمساوية وازنة، وأقول وازنة من معرفتي بمراكز صنع القرار داخل حماس، حيث يوجد قيادات قد تكون بعيدة عن وسائل الإعلام ولكنها تمثل عصب المطبخ السياسي لحماس.
وعليه فإن ما يجري من لقاءات بقطاع غزة وبالعاصمة القطرية الدوحة حيث يوجد رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، تصب في مجملها للحديث عن تهدئة طويلة (5-10 سنوات)، مقابل رفع الحصار وتشييد ميناء عائم يكون إحدى بوابات غزة للعالم الخارجي برقابة دولية، حيث تستند تلك الدول في مساعيها على ثلاث محددات هي:
1- تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والبنك الدولي الذي يؤكد بأن غزة على أبواب كارثة إنسانية، وانفجار وشيك يهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة.
2- رغبة تلك الدول بأن يسبق الاستقرار عملية الاعمار، حتى لا يعاد هدم ما يتم بنائه.
3- فشل كل سياسات الترهيب التي استخدمتها تلك الدول مع المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، وعليه أصبح هناك توجه باستخدام سياسة الترغيب (الجزرة).
من هذه المحددات انطلق قطار الدبلوماسية الغربية والإقليمية والعربية للعمل في كل المجالات من أجل تحقيق ذلك، في المقابل هناك بيئة ومزاج عام فلسطيني يرى أنه حقق انتصاراً عسكرياً ولكنه لم يترجم سياسياً على أرض الواقع، وتريد حركة حماس عبر هذا الحراك اقتناص ما يمكن اقتناصه للتخفيف عن كاهل السكان في قطاع غزة، وبين تقاطع المصالح تعددت الرؤى، وعليه فإن القائم حالياً رزمة من المقترحات والأفكار المتناثرة، والتي لم تجمع بعد في ورقة متوافق عليها بين الأطراف ذات الصلة، ولكن بالمجمل فإن تلك الأفكار في معظمها إيجابي ويشكل ترجمة عملية لما كان يحمله الوفد الفلسطيني الموحد برئاسة عضو مركزية فتح عزام الأحمد، خلال العدوان الصهيوني على غزة (العصف المأكول)، والجزء السلبي يتمثل في وقف حفر الأنفاق الإستراتيجية، وهنا أعتقد أن تجربة حزب الله التي ألزمها القرار الاممي رقم 1701 بعد حرب تموز/2006م، بوقف التسلح والإعداد، يعكس أثر معايير موازين القوى في التعاطي مع الاتفاقيات الدولية، حيث لم يتوقف حزب الله منذ تلك الفترة.
والحالة الفلسطينية في ظل العامل الداخلي والمتمثل بالانقسام والفقر والبطالة، وكذلك العامل الإقليمي وسمته الاقتتال والحروب الأهلية، والعامل الدولي وما يشهده من صراع خفي بين أقطابه، يتطلب منا كفلسطينيين التعاطي بمسئولية وانتظار استقرار المشهد الإقليمي والدولي، وحتى يحدث الاستقرار وتتحقق عوامل الوحدة الوطنية الفلسطينية، لابد من العمل الجاد لتوفير العيش الكريم لأبناء شعبنا، ولكن بدون أثمان سياسية مكلفة، ومن هنا قد يكون اتفاق تهدئة متوافق عليه وطنياً هو أقل تكلفة من اتفاق سياسي مع إسرائيل قد لا يلبي آمال وتطلعات شعبنا الفلسطيني.