ترجمة وتحرير نون بوست
في يوم الثلاثاء الموافق لـ19 مايو، استيقظ إسلام صلاح الدين عطيتو في وقت مبكر، وتوجه إلى جامعة عين شمس الواقعة في حي العباسية في القاهرة، بغية تقديم امتحانه الأخير بمادة العلوم الإنسانية، عطيتو طالب الهندسة في السنة الرابعة من جامعة عين شمس في القاهرة، كان على أعتاب التخرج والحصول على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، حيث درس بمثابرة ونشاط، وشق طريقه عبر الامتحانات بسهولة نسبية، ولكن بعد عشرين دقيقة من انتهاء الامتحان، خرج عطيتو من بوابات الحرم الجامعي، وكانت هذه المرة الأخيرة التي شوهد فيها على قيد الحياة.
في اليوم التالي أصدرت وزارة الداخلية المصرية بياناً حول مقتل عطيتو، تزعم فيه أن الأخير قُتل في معركة تبادل عيارات نارية مع الشرطة في ضواحي القاهرة، وظهرت جثته في وقت لاحق في مشرحة المدينة، وبينت الصورة التي تم تسريبها له من داخل المشرحة، أنه ملفوف بكفن أبيض، ومكشوف عن وجهه فقط، كما أن الجزء العلوي من رأسه ملفوف بضمادات سميكة.
وفاة عطيتو، أججت الغضب والخوف بين طلاب جامعة عين شمس، وأصبحت قضيته موضوعاً ساخناً ضمن البرامج الحوارية التلفزيونية والصحف المصرية، حيث أصبحت قضيته شاخصة كنقطة علّام، وسط حملة القمع المتجددة التي تقودها قوات الأمن المصرية.
أصدقاء وعائلته ومحامو عطيتو لم يفهموا سبب استهدافه، فهو شخص يوصف من قِبل المقربين له بأنه هادئ وودود في عمر الـ22 عاماً، وهو طالب مثابر ودؤوب، مع ابتسامة سهلة لا تفارق محياه، وحب للرياضة وخاصة لكرة السلة وكرة القدم، إسلام عطيتو كان يتمتع بقامة طويلة وشعر أسود مجعد انحسر قليلاً عن مقدمة جبهته، وسكسوكة كثة غير مهذبة، وهو الابن الأوسط لعائلته، وشقيقه الأصغر طالب في كلية هندسة، أما شقيقه الأكبر فهو خريج من كلية الصيدلة.
عطيتو لم يُعتقل بتاتاً، كما لم يتم اتهامه بأي جريمة، ويذكر أحد زملائه، أن الاحتجاج الوحيد الذي اشترك به في الآونة الأخيرة، هو الإضراب الذي شارك به المئات من طلاب كلية الهندسة في عام 2013، إبان إلقاء القبض على طالبين من قِبل قوات الشرطة، والصورة التي ظهر بها عطيتو في ذاك الوقت، تبين جلوسه على الرصيف، وهو يلبس كنزة خضراء وسترة سوداء، وينظر إلى الكاميرا بابتسامة لطيفة، ويحمل لافتة مكتوبة بخط اليد تقول “أنا مذاكر، بس هضرب عن الامتحان، مفيش ميد تيرم من غير حمزة وطارق، #الحرية_للمعتقلين”.
“أعرف هذا الشاب بشكل وثيق، إسلام عاش مع والديه ودرس بجد”، قال لي أحد أقارب عطيتو، وتابع “إنه ليس رجل عنف على الإطلاق، كان من الممكن أن يخرج في احتجاج، ويهتف هناك، أو قد يدخل إلى الفيسبوك، ولكن هذه كانت حدوده القصوى”، ومن الجدير بالذكر أن شهود العيان، والأصدقاء، وأعضاء الأسرة الذين زودوني بالمعلومات، اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم، خوفاً من انتقام الشرطة.
الصورة التي رسمها وأكدها أصدقاء عطيتو، وأفراد عائلته، وزملائه في الجامعة، عن الظروف التي توفي بها، تكذّب مزاعم وزارة الداخلية، وتقدم دليلاً قوياً يوحي باختطافه من قِبل قوات الأمن خارج الجامعة، وقتله في المعتقل.
حيث تشير المعلومات إلى أنه وقبل الساعة التاسعة صباحاً بفترة وجيزة، جلس عطيتو وحوالي 70 طالباً في مقاعدهم في غرفة 260A في كلية الهندسة في الحرم الجامعي الواقع بالقرب من ميدان العباسية، بغية إجراء امتحان لمدة ساعتين، وقبل حوالي 20 دقيقة من انتهاء الوقت المقرر للامتحان، دخل رجلان إلى القاعة، وبدأ شخص منهما بالتجول من مقعد إلى آخر، مما أثار غضب الطلاب واستيائهم، كونه كان يسحب أوراق الامتحان من بين أيديهم للاطلاع على أسمائهم المسجلة عليها، أما الرجل الآخر، فقد وقف متأهباً في وسط القاعة.
وفقاً لطالب كان يجلس مباشرة خلف عطيتو أثناء الامتحان، واصل الرجل البحث حتى وصل أخيراً إلى إسلام وسأله “هل أنت إسلام صلاح؟”، وعندما أجاب الأخير بالإيجاب، قال له الرجل بأنه مطلوب في مكتب شؤون الطلبة بعد الامتحان، لأنهم بحاجة إلى نسخة عن هويته الوطنية، كونها ناقصة من ملفه الموجود لديهم، وأكد الطالب بأن “الرجل الآخر الذي كان يبعد حوالي الثلاثة أمتار، ركز على على عطيتو، وحدق به بشكل مكثف، وبنظرة دقيقة ومتفحصة للغاية”، وبعد هذه الحوار الوجيز، غادر الرجلان القاعة.
بعد يوم من إعلان وزارة الداخلية عن وفاة عطيتو، أصدرت إدارة كلية الهندسة بياناً أعلنت فيه أن الرجل الذي تحدث مع عطيتو، هو مسؤول من الجامعة، وتم إرساله إليه لأن قسم شؤون الطلاب يحتاج إلى معلومات عن عطيتو، لإنهاء إصدار بطاقات إلكترونية جديدة للطلاب.
بيد أن طلاباً آخرين شككوا بصحة مزاعم إدارة الكلية، حيث يقول أحد زملاء عطيتو “أنا أدرس في هذه الجامعة منذ خمس سنوات، وهذه أول مرة يدخل فيها شخص من الإدارة إلى الامتحان أو حتى إلى المحاضرة، لسؤال طالب عن وثائق مفقودة”.
بمجرد انتهاء الامتحان في تمام الساعة 11:00 صباحاً، خرج عطيتو من القاعة، والتقطته كاميرات المراقبة وهو يغادر الحرم الجامعي، ووفقاً للطالب الذي قام بمراجعة لقطات الكاميرا مع عدد من المسؤولين من إدارة الجامعة، استطاعت كاميرات المراقبة التقاط خروج عطيتو من البوابة رقم 2 الواقعة على الجانب الجنوبي الغربي من حرم كلية الهندسة في الساعة 11:23 بالضبط، حيث اتجه قدماً نحو تقاطع طرق مزدحم، وهو المكان الذي يذهب إليه الطلاب عادة لالتقاط وسيلة مواصلات للعودة إلى منازلهم.
وبعد أقل من دقيقة، ظهر عطيتو على الكاميرات مرة أخرى، ولكن هذه المرة وهو يركض في الاتجاه المعاكس المؤدي إلى منطقة تصنيع مهجورة، وتظهر اللقطات شخصان يلحقان به، ويبدو عطيتو وهو يحاول أثناء ركضه الاتصال بأحد ما من هاتفه الخلوي، بالتزامن مع اقتراب الرجلين منه، وقبل أن يخرج من إطار الكاميرا، تظهر اللقطة أحد الشخصين وهو يمد يده في محاولة للإمساك به، وصحة هذه اللقطات أكد عليها عضو هيئة التدريس، محمد حسن سليمان، في مقابلة تلفزيونية أُجريت مؤخراً معه.
وقال شهود آخرين لوسائل الإعلام المحلية، إن عطيتو شوهد للمرة الأخيرة في الطرف الآخر من الحرم الجامعي، وهو يُجبر مرغماً على الدخول في سيارة لا تحمل لوحات تعريفية.
أسرته وأصدقائه لم يسمعوا أو يروا عطيتو مرة أخرى بعد هذه الحادثة، والاتصالات العديدة به على هاتفه الخلوي لم يتم الرد عليها، وحينئذ بدأت المخاوف تطّرد لدى عائلته وأصدقائه حول اعتقاله عشوائياً من قِبل قوات الأمن، كما حدث للعشرات من الشباب المصري في الأسابيع الأخيرة، وفي اليوم التالي، أُبلغوا وفاته من قِبل البيان الذي تم نشره على صفحة الفيسبوك الرسمية لوزارة الداخلية المصرية.
أكد شاهدان منفصلان شاهدا جثة عطيتو في المشرحة، عندما كان يتم تغسيله في 21 مايو تمهيداً للدفن، وجود آثار للعنف والتعذيب على الجثة، حيث قال الشاهدان إن الكسور شملت جمجمته، وذراعه، وساقه، وضلوعه، ووصفا وجود كدمات زرقاء وحمراء داكنة اللون على الصدر، فيما يبدو على أنه آثار للضرب والصعق بالصدمات الكهربائية، كما أكدا على وجود عدة أعيرة نارية في الجسم، بما في ذلك في كتفه الأيسر، وأسفل الظهر، والجزء العلوي من الرأس، ومن جهته، قال مسؤول قضائي لوكالة الأسوشيتد برس، إن تقرير الطب الشرعي الأولي أظهر أن عطيتو توفي جرّاء إصابته بخمسة أعيرة نارية.
“لقد تعرض للتعذيب، ولم يقوَ على تحمله، فأطلقوا عليه النار بغية تغطية هذه الجريمة”، قال أحد أقارب عطيتو، الذي ساعد في تغسيل جسده.
من جهتها روت وزارة الداخلية قصة مختلفة، حيث زعمت في بيانها الصادر يوم 20 مايو، إن عطيتو متشدد إسلامي تابع لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وإنه العقل المدبر خلف اغتيال العقيد وائل طاحون، الرئيس السابق لقسم التحقيق في مركز شرطة المطرية، الذي يُنعت بوصفه أحد المراكز الأكثر وحشية لقوات الشرطة المصرية، حيث تم اغتيال طاحون وسائقه في 21 إبريل المنصرم.
في ذلك الوقت، تبنت جماعة غير معروفة تدعو نفسها كتيبة الإعدام المسؤولية عن اغتيال طاحون، وذكرت صحيفة الأهرام الرائدة التي تسيطر عليها الدولة في أوائل مايو، إن قتلة طاحون هم خمسة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين، تم اعتقالهم واعترفوا بالجريمة، ولكن بعد أيام من وفاة عطيتو، ذكرت مصادر أمنية وطنية لصحيفة الشروق الخاصة، إن ناشطي الإخوان المعتقلين اعترفوا بمشاركة عطيتو بمؤامرة اغتيال طاحون، وكشفوا عن مخبأه الصحراوي المزعوم.
وبينت وزارة الداخلية في بيانها حول وفاة عطيتو، بأن مخبئه الصحراوي يقع بالقرب من التجمع الخامس، وهي منطقة من الضواحي الشرقية للقاهرة، وتابع البيان بأنه عندما داهمت قوات الأمن المنطقة، فتح عطيتو النار عليهم من سلاح رشاش، مما أسفر عن معركة، انتهت بقتله على يد قوات الأمن.
وفي سياق متصل، صرّح رئيس جامعة عين شمس، حسين عيسى، بأن عطيتو هو مسلح متشدد يعمل مع جماعة بيت المقدس الجهادية المتخذة من سيناء مقراً لها، وإنه هرب من منزله منذ فترة وجيزة قبل حادثة مقتله، علماً أن جماعة بيت المقدس هي عدو مبين لجماعة الإخوان المسلمين، كونها أعلنت ولائها للدولة الإسلامية (داعش)، وقامت بإعادة تسمية منطقتها باسم ولاية سيناء.
“دعونا نفترض بأنه متهم بهذه الجريمة” قال الطالب الذي كان يجلس خلف عطيتو في الامتحان، في إشارة إلى اتهام عطيتو بحادثة المطرية، وتابع قائلاً “هل هذا يعني أنه يستحق أن يُعتقل ويُقتل فوراً؟ الحق الأولي والأساسي من حقوق الإنسان، هو أن يكون قادراً على الدفاع عن نفسه، ليقول نعم فعلت ذلك، أو لا لم أفعل”.
بعد وفاة عطيتو، ألغت الجامعة الامتحانات في كلية الهندسة لمدة يومين، خوفاً من الاحتجاجات، وتم منع الطلاب من الدخول إلى الحرم الجامعي، ونشر الشرطة بكثافة في محيط الجامعة، كما أُلقي القبض على عدد من الطلاب خلال جنازة عطيتو في 23 مايو.
يشير الطلاب الذين يعملون على نشر الوعي وكشف ملابسات هذه القضية، بأنهم تلقوا مؤخراً مكالمات هاتفية تهديدية من أصوات مجهولة، تحذرهم إلى ضرورة التراجع عمّا يقومون به، قبل إعدامهم شنقاً، وفي 9 يونيو الجاري، اُعتقل طالب ناشط من أمام منزله، واقتيد إلى مركز للشرطة، حيث تم التحقيق معه حول قضية عطيتو، قبل أن يُطلق سراحه بعد عدة ساعات، كما أرسل طالب آخر رسالة إلكترونية إلى الصحفيين، يطلب منهم فيها مراجعة صفحته على الفيسبوك بشكل دوري، لمعرفة فيما إذا تم إلقاء القبض عليه، مضيفاً “ما أعرفه هو أنني بريء من كل تهمة وهمية سيقومون بإلصاقها بي”.
وفقاً لوكالة الأسوشيتد برس، فإن السلطات المصرية تحقق في حادثة مقتل عطيتو، حيث أخذت النيابة العامة المصرية نسخاً من تسجيلات كاميرات المراقبة، ووثائق حضوره للامتحان، ولكن مع ذلك، فإن مساءلة الشرطة عن انتهاكاتها هو أمر نادر الحدوث للغاية في مصر، حيث تعمل قوات الأمن تحت مظلة تقيها بشكل تام تقريباً من أي مساءلة أو عقاب.
وفي سياق منفصل، وثّق ناشطون لحقوق الإنسان في مصر، الموجة غير المسبوقة من حالات الاختفاء القسري التي تمت خلال الشهرين الماضيين، حيث تشير حملة الحرية للشجعان عن وجود 163 حالة اختفاء قسري منذ بداية أبريل، كان ضحيتها الرجال والنساء والقصّر من مختلف ألوان الطيف السياسي، حيث يتم اختطافهم من قِبل قوات الأمن الذين يرتدون ملابس مدنية، من داخل منازلهم، أو في مقار العمل، أو حتى في الشارع.
“لقد رأينا ممارسات الشرطة في الخطف من قبل، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تحدث فيها هذه الممارسات بهذه الكثافة وهذا التواتر، فنحن نسمع كل بضعة أيام عن حالات جديدة، وهذه هي المرة الأولى أيضاً التي تحدث فيها هذه الانتهاكات ضمن العديد من المحافظات المصرية”، قالت منى سيف، وهي ناشطة بارزة في مجال حقوق السجناء، ساعدت على توثيق حالات الاختفاء القسري.
بعض المختطفين سبق وأن تم اتهامهم بالانتماء للحركة اليسارية، حركة شباب 6 إبريل، أو بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وهما جماعتان تم حظرهما من قِبل السلطات المصرية، ولكن عشرات المختطفين الآخرين لم يتم توجيه أي اتهام لهم، واختفوا داخل متاهة الاعتقالات في مصر.
حتى الآن لم يتم تقديم أي سبب مقنع عن سبب اختطاف عطيتو إبان خروجه من الامتحان، ويقول محمد الباقر، وهو محام في مجال حقوق الإنسان يعمل مع مركز العدالة للحقوق والحريات، “إن الطرف الوحيد الذي يعرف لماذا تم استهداف إسلام هو أمن الدولة”.
“لا أحد يشعر بالأمان” قال الطالب الذي شاهد تسجيلات كاميرات المراقبة، وأردف قائلاً “ربما في المرة القادمة، بدلاً من أخذ شخص وقتله في الخارج، يمكنهم قتله وسط قاعة الامتحان، ولن يتجرأ أحد على النطق ببنت شفة”.
سليمان، عضو هيئة التدريس الذي شاهد لقطات كاميرات المراقبة، عرض في وقت لاحق مقطع من أجوبة امتحان عطيتو خلال مقابلة تلفزيونية، وتمعن في أجوبته وقال “لقد حصل على علامات عالية، ولو قدّم بقية امتحاناته بذات السوية، لكان قد تخرج بالتأكيد”.
المصدر: فورين بوليسي