اليونان تغازل روسيا بعد تعقّد موقفها الأوروبي

Alexis-Tsipras-with-Vladi-009

بينما ازداد موقف بلاده صعوبه أثناء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي ووزراء المالية الأوروبيين لحل الأزمة المالية التي تعصف بها منذ سنوات، قام رئيس الوزراء اليوناني المُنتَخَب مؤخرًا، أليكسيس تسيبراس، بزيارة إلى المدينة الروسية سانت بطرسبرغ، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأطلق العنان لكلمات نارية مفادها أن المعضلة ليست في اليونان ولكن في أسلوب الاتحاد الأوروبي، وأن بلاده لا تخشي العاصفة التي تمر بها. في الأسبوع الأخير، شهدت اليونان سحب حوالي ملياري يورو من بنوكها نظرًا لتخوّف الكثير من اليونانيين من فشل المحادثات مع الدائنين وخروجها من اليورو، وهو ما دفع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى إعلان قمة طارئة بين المستشارة الألمانية أنغلا مركل ونظيرها اليوناني يوم الاثنين المقبل، كفرصة أخيرة لحل أزمة الديون التي لا يسع اليونان ردها في موعدها، في 30 يونيو المقبل، وتحتاج معها إلى أموال البنك المركزي الأوروبي مقابل الرضوخ لشروطه، وهو الأمر الذي وعد حزب سيريزا الحاكم ناخبيه ألا يحدث أبدًا. “نحن في وسط عاصفة بالفعل، ولكننا شعب ثقافته هي البحر ولا نخشى من الإبحار حتى نصل إلى ميناء آمن، “بهذه الكلمات ألمح تسيبراس إلى أن اليونان قد تميل إلى بدائل أخرى عوضًا عن الرضوخ لمطالب دائنيها في السوق الأوروبية، وأبرزها بالطبع حزمة مالية روسية قال أحد المسؤولين الروس بأن روسيا على استعداد لتقديمها لليونان، وهو أمر يعقّد بالطبع من موقف الاتحاد الأوروبي وهو الحريص على بقاء اليونان في سوق اليورو لأسباب جيوسياسية، لا اقتصادية فقط. أثناء الزيارة، قام الطرفان الروسي واليوناني بتوقع اتفاق لبناء جزء من خط غاز “توركش ستريم” على الأراضي اليونانية، لينقل بذلك الغاز الطبيعي الروسي من بلده الأم وعبر البحر الأسود إلى غرب تركيا واليونان ومن ثم إلى بقية بلاد أوروبا، وهو الخط الذي أعلنته روسيا في وقت سابق من العام الماضي أثناء زيارة للرئيس الروسي إلى أنقرة مع نظيره التركي أردوغان، بعد أن أسقطت موسكو من حساباتها خط “ساوث ستريم” الذي كان من المفترض أن يمر عبر البحر الأسود وإلى بلغاريا، العضوة بالاتحاد الأوروبي، والتي رضخت لضغوط أوروبا لترفض شروط الروس والذين لجأوا تباعًا إلى الأتراك الذي توترت علاقاتهم مؤخرًا بعواصم أوروبا. بتكلفة ملياري يورو ستدفعها روسيا لتردها اليونان لاحقًا، سيبدأ تنفيذ المشروع في اليونان بدءًا من العام المقبل باسم خط “ساوث يوروبيان” بدلًا من توركش ستريم لكيلا يثير حساسيات العداوة بين تركيا واليونان، وينتهي عام 2019، في اتفاق تاريخي كما وصفه وزير الطاقة اليوناني باناجيوتيس لافازانيس، “هذا الخط سيصل بين روسيا وشعوب أوروبا كلها وليس بين روسيا واليونان فقط.. إنه خط للسلام والاستقرار في المنطقة وليس موجهًا ضد أحد في أوروبا،” هكذا قال لوكالة الأنباء الروسية الحكومية سبوتنيك. من جانبه، قام البنك المركزي الأوروبي برفع سقف معونة السيولة المالية اليوم إلى البنوك اليونانية إلى 3.3 مليار يورو حتى قمة الاثنين المقبل، فيما اعتبره البعض ربما رضوخًا نوعًا ما للرسالة اليونانية التي لوّحت باستخدام الورقة الروسية، بينما قال آخرون أنه محاولة للتهديد، حيث قال عضو الهيئة التفيذية بالبنك، بينوا كور، أن بنوك اليونان ستصبح مفتوحة اليوم بموجب المعونة، ولكن ليس بالضرورة يوم الاثنين إذا ما لم يصل الطرفان لاتفاق، وهو ما يُعَد ضغطًا على اليونان التي تشهد حاليًا تناميًا للحركة المناصرة للعضوية الأوروبية بعد فشل حكومة سريزا في التعامل مع المفاوضات بشكل جدي. “نريد حوارًا حقيقيًا هنا، حتى الآن ليس هناك حوار.. نحن نبحث عن راشد لنتحدث معه،” هكذا قالت كريستين لاجارد، رئيسة صندوق النقد الدولي بعد اجتماعات الأيام الماضية، في إشارة واضحة إلى رفضها للأسلوب الذي أدارت به اليونان الأزمة منذ تولي تسيبراس رئاسة الوزراء، والذي نعت صندوق النقد الدولي بتبني “أسلوبًا مجرمًا،” مما دفع بلاجارد إلى تقديم نفسها ساخرة بـ”المجرمة التنفيذية” لوزير المالية، توبيخًا له على سياسات حكومته. جدير بالذكر أن خروج اليونان من اليورو واعتمادها على أموال روسيا لن يكون سهلًا نظرًا لعدم قدرة روسيا على تسيير دفة الاقتصاد اليوناني وتعويضه بما يحتاج تجاريًا وماليًا بعد انسحاب الأوروبيين، فأموال الروس قد تسدد ديون أثينا على المدى القريب، ولكنها على المدى البعيد ستعقّد كثيرًا من العلاقات التجارية لليونانيين، والذين يجلسون بين السوق الأوروبية من ناحية، وأسواق تركيا وإيران من ناحية أخرى، والتي ترتبط إحداها بقوة بالاتحاد الأوروبي، في حين ستشهد الثانية انفتاحًا كبيرًا على أسواق الغرب، بشكل يجعل اليونان في حاجة إلى الحفاظ على عضويتها باليورو، ويجعل لجوءها للروس نوعًا من المناورة السياسية والبحث عن دعم اقتصادي عبر شراكة جديدة، لا بديلًا عن أوروبا.