أعلنت جماعة “المرابطين” المسلحة والناشطة في منطقة الساحل رسميًا نجاة زعيمها مختار بلمختار من الغارة الأمريكية التي وقعت في أجدابيا السبت الماضي، وقالت الجماعة في بيان لها إنها تبشر الأمة الإسلامية و”عامة إخواننا المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها خاصة، بنفي خبر مقتل القائد خالد أبو العباس في الغارة الجوية الأمريكية التي استهدفت إخواننا من مجلس شورى مجاهدي أجدابيا وضواحيها”.
ونفت الجماعة في بيانها وجود بلمختار في منطقة أجدابيا، كما اتهمت برلمان طبرق واللواء خليفة حفتر “بالتواطؤ” مع الأمريكيين في العملية، ووصفته بأنه “باع دينه ووطنه للغرب الكافر”.
وفي الحقيقة، لم يكن هذا الغموض حول مصير بلمختار الأول من نوعه، حيث سبق وأن أكد الجيش التشادي مقتل قائد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، خلال عملية نفذها في جبال شمالي مالي سنة 2013، قبل أن ترصد الخارجية الأمريكية مبلغ خمسة ملايين دولار ثمنًا لرأسه أو اعتقاله، ضمن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” الذي اهتم بقادة في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بشكل أساسي، وهو يعرض منذ 1984 مبالغ مالية على كل شخص يدلي بمعلومات تساعد في اعتقال أو تصفية أفراد يهددون مصالح الولايات المتحدة، فمن يكون هذا الملثم الذي قُتل أكثر من مرة؟
النشأة والهجرة نحو أفغانستان
هو المختار بن محمد بلمختار المكنى بأبي العباس خالد، يبلغ من العمر 40 سنة وهو من أصول جزائرية وبالتحديد من بلدية غرداية شمال صحراء الجزائر، أين نشأ فيها وقضى طفولته ودراسته، ويشير أغلب النقل عمن عاصره أنه كان متابعًا لأخبار الجهاد الأفغاني مع بدايات التزامه في سن الدراسة الثانوية، وأنه ولم يكن له هدف سوى الهجرة والجهاد في أفغانستان.
وفي سنة 1989، أثرت فيه حادثة مقتل عبد الله عزام مع نجله في أفغانستان، وشكل له ذلك دافعًا قويًا فعقد العزم مع آخرين من أهل بلدته وسافر إلى أفغانستان وكان ذلك مطلع التسعينات وكان يبلغ من العمر حينها 19 سنة، ومكث في أفغانستان حوالي السنة والنصف، عرف فيها الكثير، فقد تدرب على الكثير من العلوم العسكرية وأخذ دورات تدريبة في معسكر خلدن ومعسكر (جهاد وال) في ولاية خوست، ومعسكرات المهاجرين العرب في جلال آباد وكان له احتكاك بالكثير من “المجاهدين” من كل بقاع الأرض فقد كانت أفغانستان تجمعًا لكل “الجهاديين” من المغرب إلى إندونيسيا والفلبين، باعتبار أن أفغانستان كانت نقطة التقاء لكل “الجماعات الجهادية” في العالم.
وساهمت هجرة أفغانستان في أن يتعرف بلمختار على الكثير من “القادة” كخطاب وأبي ثابت المصري وأبي بنان الجزائري وأبي معاذ الخوستي وغيرهم كثير، والتقى بالكثير من المشايخ كأبي قتادة وأبي محمد المقدسي وأبي طلال القاسمى وتنقل بين عدة جبهات من “غارديز” إلى جلال آباد إلى كابل، وأثناء وجوده في أفغانستان أُصيب بلمختار في عينه اليسرى بشظية قذيفة ولذالك لُقب في وسائل الإعلام الجزائرية ببلعور.
العودة إلى الجزائر
وبعد أحداث يونيو الدامية في الجزائر سنة 1991، تحول نحو أفغانستان بعض المهاجرين لاستنفار “المجاهدين” إلى الجزائر وكان في طليعتهم عبد الرحمن أبو سهام، أمير عملية قمار (قمار بلدية تابعة لدائرة قمار بولاية الوادي الجزائرية)، والذي بذل جهده في إقناع المهاجرين بضرورة بدء العمل المسلح ضد النظام بالجزائر.
وغادر بلمختار أفغانستان أواخر 1992، بعد الوحدة الأولى بين الجماعات المسلحة في الجزائر، ودخل الجزائر من المغرب ثم تنقل إلى شرق الجزائر ومكث حوالي نصف السنة مع أبي مصعب خثير أمير الجماعات المسلحة في الشرق، وبعدها رحل إلى مسقط رأسه فأنشأ مع بعض الشباب النواة الأولى لكتيبة “الشهادة” والتي امتد نشاطها فيما بعد إلى كل الصحراء والساحل وقاموا بعمليات عسكرية على أهداف جزائرية وأجنبية منها مقتل خمسة أوروبيين يعملون لدى شركة بترولية أمريكة في عملية اقتحام خاطفة.
وخلال هذه المدة، ساهم بلمختار في التواصل مع تنظيم القاعدة أثناء تواجده بالسودان وأشرف رفقة آخرين على جملة من المراسلات االتي طلب فيها دعم الجماعة الاسلامية المسلحة في الجزائر، أواخر 1994 وبداية 1995.
سفره التنظيمي من الجماعة الإسلامية إلى تنظيم القاعدة
وخلال تلك الفترة، عُيّن بلمختار أميرًا للمنطقة الصحراوية بعد مقتل عبد الباقي، وبعد مقتل أمير الجماعة جمال زيتوني المدعو أبو عبد الرحمن أمين وظهور ما اعتبره وقتها انحراف في منهج الجماعة العملي قرّر توقيف البيعة للإمارة والانشقاق عنها مع تبني شعار الجماعة الإسلامية المسلحة.
وبعدها بذل مساعٍ لجمع “المجاهدين” بالتعاون مع مختلف المناطق بما أثمر عن ميلاد الجماعة السلفية للدعوة والقتال في 16 سبتمبر 1998، ثم انضوت المنطقة الصحراوية (بوكحِيل) بقيادة بلمختار تحت راية الجماعة الجديدة في 23 أبريل 1999، والتي تحولت فيما بعد إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في 24 يناير 2007.
بعيد عن الأضواء … متمسك بقاعدته
وقد ظل بلمختار طوال مدة نشاطه القتالي بعيدًا عن الأضواء غير أنه في ديسمبر 2012، وبعد إلحاح من أتباعه ومناصريه – على حد تعبيره – ظهر بلمختار حاملاً سلاحه، وعلى يمينه راية العقاب في شريط مصور بث على الإنترنت مدته 29 دقيقة حمل اسم “شريعتنا وفاء وثبات”، توعد فيه كل من “خطط وشارك في العدوان على حق الشعوب المسلمة في تحكيم الشريعة”، وفق تعبيره، وهدد تلك البلدان وعلى رأسها فرنسا بمنازلتها في عقر دارها واستهداف مصالحها الاقتصادية، وفي خضم ذلك، أعلن بلمختار عن تأسيس كتيبة فدائية من أفضل العناصر الجهادية تحمل اسم “الموقعون بالدماء”، و دعا من سماهم “الشباب المسلم” في كل بلاد الإسلام “إلى النفير إلى أرض أزواد المسلمة” ودعا العلماء والدعاة لتحريض المسلمين لنصرة دينهم الحنيف.
ورغم حملة الانسلاخ عن تنظيم القاعدة والالتحاق بداعش التي اتبعتها عشرات التنظيمات المسلحة حول العالم، نفى مختار بلمختار أن تكون جماعته “المرابطون” قد بايعت تنظيم الدولة الإسلامية، كما أعلن أحد قادة الجماعة وجدد تأكيد بيعة مجموعته لأيمن الظواهري زعيم القاعدة، بحسب ما أفادت وكالة الأخبار الموريتانية الخاصة وموقع سايت الأمريكي.
وقال بلمختار إن البيان الذي أعلنه الأربعاء 13 مايو 2015 عدنان أبو الوليد الصحراوي، “لا يلزم شورى المرابطين”، وأكد بلمختار التزامه ووفاءه لـ “بيعة أيمن الظواهري على الجهاد”.