طالما كانت التهدئة مع العدو الإسرائيلي لمدة خمس سنوات أو أكثر مقابل رفع الحصار عن غزة ستضر بالقضية الفلسطينية كل هذا الضرر الذي يتحدث عنه قادة السلطة، فلماذا تثاقلتم إلى الأرض حين استنهضتكم غزة، واستصرخت وطنيتكم، وتمنت عليكم السماح بمسيرة جماهيرية واحدة وسط رام الله تضامنًا مع أهلها؛ الذين قاتلوا أقوى جيوش المنطقة وحدهم؟
ولماذا تباطأت نخوتكم الوطنية على مدار عام كامل من التهدئة، عاشت فيها غزة تحت الحصار وعدم الإعمار ووجع الانتظار؟ أم نسيتم أيها الباكون على ضياع الوطن أن التهدئة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي لم تزل قائمة على حدود غزة منذ نهاية شهر أغسطس من العام 2014؟ أم هل نسيتم أن الوفد الفلسطيني الذي شارك في مفاوضات التهدئة كان برئاسة السيد عزام الأحمد، وبتكليف من السيد محمود عباس؟ فما الذي يثير أشجانكم من استئناف مفاوضات التهدئة بين إسرائيل والمقاومة؟ ماذا يوجعكم من تمديد التهدئة لعدة أعوام أخرى مقابل رفع الحصار عن غزة؟ أم كنتم تتمنون على غزة أن تظل تنزف شوقها وعشقها تحت أقدام قراراتكم، واشتراطات السيد محمود عباس بأن يرفع الحصار عن غزة مقابل تمكنه من بسط سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد؟
لقد رفضت غزة فكرة السلاح الواحد، وعندما وقفت لتختار بين السلاح الواحد وويلاته التي يعرفها شعبنا في الضفة الغربية، وبين ويلات الحصار والموت جوعًا، لقد اختارت غزة المقاومة، وبصقت في وجه التنسيق الأمني، فلماذا إذن تلومون الضحية حين تحاول سحق الانتظار، والدق بيدها المضرجة بالدماء قيود الحصار؟
من المؤكد أن اعتراض قيادة السلطة الفلسطينية لا ينصب على التهدئة بحد ذاتها، فقد صرح أكثر من مسئول أنهم مع التهدئة، ولكن اعتراض السلطة قائم على المفاوضات نفسها، فالمفاوضات تجري بطريقة غير مباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، وعن طريق وسطاء دوليين وإقليميين، فإذا نجحت هذه المفاوضات، فمعنى ذلك أن حركة حماس قد حققت إنجازًا سياسيًا ووطنيًا وحياتيًا للشعب الفلسطيني من خلال مفاوضات غير مباشرة، ودون الاعتراف بشروط الرباعية، ودون الاعتراف بإسرائيل، وهذا بحد ذاته إهانة للسلطة التي اعترفت بإسرائيل، وعجزت عن تحقيق أدنى إنجاز سياسي على مدار 22 عامًا من المفاوضات المباشرة.
إن التهدئة التي تحتاجها غزة لعدة أعوام مقابل إعمارها لا تعني تخلي المقاومة عن القدس والضفة الغربية، كما يتهمون ويتوهمون، فمن وصلت صواريخه إلى تل أبيب لا يتخلى عن وطنه يافا والرملة وبئر السبع وصفد، ومن البديهي أن نستنتج أن ذلك المسؤول الفلسطيني الذي تخلى عن سلاحه، ولف خاصرته بسلاح المخابرات الإسرائيلية؛ هو الذي تخلى عن القدس والضفة الغربية وعن قضية اللاجئين، وراح يتآمر على سلاح المقاومة والمقاومين.
على القيادة الفلسطينية أن تدرك الوقت، وتعلن من هذه اللحظة عن عقد اجتماع عاجل للإطار القيادي لمنظمة التحرير، كي يتخذ موقفًا مسؤولًا من مجمل التطورات التي تحيط بالقضية الفلسطينية، وعلى رئيس السلطة الفلسطينية أن يدعو المجلس التشريعي للانعقاد فورًا، ليتخذ موقفًا وازنًا من جملة القضايا التي تخص الشعب الفلسطيني.