نلحظ مؤخرًا التغييرات الكبيرة التي طرأت على الإقليم بصورة متسارعة، خصوصًا بعد وفاة الملك السعودي عبد الله، واستلام الملك سلمان بن عبد العزيز لمقاليد الحكم، والتغيير الكبير في سياسة المملكة العربية السعودية، وخروجها عن الرتابة المعهودة، وإطلاق مؤشرات كبيرة تجاه بعض القضايا الحساسة، ثم تشّكل تحالف عاصفة الحزم، الذي يرى فيه البعض أنه تحالف سني في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وما لحق بهذا التحالف من مدٍ وجزر في تأييد أعمال التحالف من قِبل بعض الدول خصوصًا تركيا.
وليس انتهاءً بالمفاوضات الإيرانية الغربية حول البرنامج الإيراني النووي وظهور علامات اتفاق، يتوقع البعض أنه ستتغير بها موازين المنطقة لصالح إيران؛ بإعطائها مساحة أكبر من شرعية التحرك ضمن ملعب الكبار في الخليج، الذي يعد نقطة التقاء مصالح القوى العظمى، لما يمتلكه من مخزون نفطي وغاز طبيعي.
إذن فالأحداث تتسارع في منطقتنا العربية بصورة متلاحقة بما لا يدع مجالًا للشك أن على اللاعبين الإقليميين إعادة ضبط التوازن، وإحداث اختراقات في جدار السياسات الإقليمية المُتبعة منذ فترة، لأنها أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع مجريات الأحداث.
نحن أمام خارطة معقدة من التهديدات والظروف الاستثنائية التي تمر بها الدول والأطراف الإقليمية أصحاب المصلحة، فالمملكة العربية السعودية يشغلها الآن تنامي الفكر المتطرف، وازدياد النفوذ الإيراني في اليمن والعراق، وتراجع قدرتها على إدارة الأزمات كما في الحالة السورية، برغم من امتلاكها لمقومات اقتصادية قوية ومكانة دينية رفيعة في قلوب المسلمين والعرب.
أما تركيا فتأثرت بثورات الربيع العربي؛ اقتصاديًا في ليبيا، وسياسيًا في مصر، وأمنيًا في سوريا، وصُدمت من عدم قدرتها على تطبيق إستراتيجيتها الخارجية، التي تعتمد على تصفير المشاكل بصورة أساسية مع جوارها الإقليمي.
وبالنسبة لإيران فإنها تسعى إلى دور إقليمي في غاية الطموح؛ لقناعتها أن الدولة القوية تمتلك سيطرة أكبر على مصائرها ومواردها من الدول الأقل قوة، مما يعزز استقلالها السياسي وقرارها الذاتي، الأمر الذي جعلها تغرق في المستنقع السوري دعمًا لحليفها السياسي، ولم تقف عند هذا الحد من التورط، بل وضعت ثقلها في دعم جماعة الحوثي في اليمن مما كلفها استنزاف المزيد من مواردها، في ظل تراجع أسعار النفط العالمية، الأمر الذي قد يشكل ضغطًا على القيادة الإيرانية لصالح القبول باشتراطات دولية حول برنامجها النووي.
ويبقى نجاح دور إيران مرتكزًا على قدرتها في إدارة سياستها الخارجية بذكاء لجهة عدم التورط أكثر في تعريض مصالح الدول الكبرى في المنطقة للخطر بصورة أكبر، وألا يتعارض هذا الدور مع مصالح القوى العظمى.
وبما أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية، وأن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” تُعد رأس الحربة في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحط أنظار العالم؛ كأهم لاعب في القضية، ومواقف الحركة مُتابَعَة بشكل دقيق من الإقليم والعالم، فإن أي قرار سياسي سيترتب عليه نتائج كثيرة، فحماس الآن أمام موقفين سياسيين؛ الأول: الحياد وعدم الانحياز لطرف معين، والموقف الثاني: الوقوف إلى جانب أحد الأطراف الإقليمية أو المحاور.
إلا أن حركة حماس لا يمكنها اتخاذ أي من الموقفين السابقين للأسباب التالية:
أولًا: الحياد التام وعدم الانحياز لأي طرف، ولهذا الخيار سلبيات تتعلق بـ:
1. ظهورها بمظهر عدم الاكتراث لمشاكل الإقليم.
2. ستظهر كأنها انتهازية، وضعيفة سياسيًا تسعى لكسب رضا الجميع.
3. ستخسر الكثير من الاهتمام الرسمي والشعبي خصوصًا في ظل نمو إحساس الجماهير بقضايا الأمن القومي العربي.
ثانيًا: الانحياز لأحد الأطراف على حساب العلاقة مع الطرف الآخر، ولهذا الخيار سلبيات تتعلق بـ:
إن وقفت بجانب محور إيران كي تكسب الدعم العسكري للمقاومة:
1. ستخسر البعد الخليجي والعربي الشعبي، الذي ينظر لإيران كمهدد رئيس للمنطقة.
2. كما ستخسر التقارب المهم مع المملكة العربية السعودية.
3. وستحرج قطر وتركيا باعتبارهما أهم الداعمين لها للتقارب مع المملكة.
إن وقفت حماس بجانب محور السعودية أو كما يسميه البعض (المحور السني):
1. سوف تخسر الدعم الإيراني غير المشروط للمقاومة.
2. وستظهر وكأنها تسعى لمصالحها الخاصة، من خلال التذبذب في علاقتها بين إيران والسعودية.
3. لن تستطيع فرض توجهًا معينًا على التحالف بقيادة السعودية، على اعتبار أن لهم توجهًا ثابتًا بتبني المبادرة العربية للسلام.
4. قد يسبب هذا الخيار أزمة ثقة بين الحركة والقاعدة والشارع الفلسطيني، إن لم تتفق سياسة (المحور السني) مع شعارات حماس وأهدافها المعلنة، نظرًا للتوازنات الكبيرة التي تحكم المملكة واللاعبين الآخرين.
إذن؛ فالموقف السياسي الأنسب لتعامل حركة حماس مع الوضع الإقليمي الحالي، هو الدمج ما بين الحياد والانحياز، بمعنى، الحياد عن الدخول في أي تحالف ضد أي طرف إقليمي، والانحياز للأمن القومي العربي، على اعتبار أن حركة حماس تقاوم المشروع الصهيوني الموجه أساسًا للمنطقة العربية لنهب ثرواتها، وأن جميع ملفات المنطقة مترابطة، لا يمكن حلها بصورة منفردة.
وهذا هو الخيار الأنسب لأي لاعب إقليمي يمتلك المكانة والأهمية الإستراتيجية، لكنه يفتقر لعناصر القوة التي تمكنه من الاستقلال وامتلاك السيادة على قراراته.