في الذكرى السنوية الثالثة للجوء مؤسس موقع ويكيليكس “جوليان أسانج” إلى سفارة الإكوادور في لندن، طلبًا للحماية بعد ملاحقته من قِبل القضاء الأمريكي، بدأ موقع ويكيليكس نشر مجموعات من الوثائق المسربة لوزارة الخارجية السعودية، تحتوي هذه الوثائق على أكثر من نصف مليون برقية؛ تتضمن اتصالات سرية مع سفارات المملكة حول العالم، كذلك حوت بعض الوثائق على تقارير عالية السرية صُنفت في الأجهزة السعودية تحت بند “سري للغاية”.
نشر الموقع 70000 وثيقة كدفعة أولى من التسريبات، وتوعد بنشر بقية الوثائق تباعًا، والتي تحتوى على رسائل البريد الالكتروني المتبادلة بين الخارجية السعودية وعدد من الهيئات كوزارة الداخلية وأجهزة استخباراتية سعودية، أسانج صرح بأن نشر هذه الوثائق من شأنه أن يُزيل الغطاء عن النظام السعودي الذي وصفه بالديكتاتوري.
هذه الوثائق وخروجها لها رواية أخرى جدير أن تذكر في هذا الصدد، فالبعض يربط الأمر بما أُعلن عنه في نهاية مايو الماضي عن تعرض وزارة الخارجية السعودية للقرصنة، وقد تبنت هذه القرصنة مجموعة تُطلق على نفسها “الجيش اليمني الإلكتروني”، وأكدت أنها حصلت على وثائق هامة من داخل الوزارة وسوف تنشرها تباعًا، وقد رجح خبراء أن هذه العمليات التي اعترفت بها السعودية تقف خلفها إيران بستار وهمي تابع للحوثيين يسمى الجيش اليمني الإلكتروني.
في الوقت نفسه الذي يصعب فيه الحديث عن محتوى 70000 وثيقة مسربة من داخل أجهزة حساسة بدولة غامضة كالمملكة العربية السعودية، يجدر في هذا الصدد عن أهم ما ورد في هذه الوثائق المسربة وهو بالطبع متعلق بدور السعودية الإقليمي في الأوانة الأخيرة، خاصة في مصر والتقلبات السياسية التي شهدتها منذ ثورة يناير حتى اللحظة.
المملكة تتابع الثورة المصرية
بعض الوثائق تحدثت عن رصد سفارة السعودية لما كان يحدث داخل ميدان التحرير من التيارات المختلفة إبان الثورة، حيث نقلت إحدى الوثائق تقريرًا، كتبه أحد الشباب المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين ونُشر في الإعلام آنذاك، يتحدث عن دور شباب الجماعة في الميدان وفي تكوين ما عُرف فيما بعد “إئتلاف شباب الثورة” والتظاهرات التي نظموها وخلافهم مع الجماعة في إدارة الميدان والقرارات المُتخذة بشأن البقاء في الميدان أو الانسحاب منه.
ظلت هذه المتابعات لما بعد يناير أيضًا، حينما اتسع الخلاف بين قيادات الجماعة والشباب الممثل لها في الائتلافات الثورية، حتى تحدثت وثيقة عن إصدار مكتب الإرشاد قرارًا للمكاتب الإدارية للجماعة في المحافظات المختلفة بعدم التعامل مع بعض هؤلاء الشباب، الذي انفصل كثير منهم فيما بعد عن الجماعة.
السعودية ومحاكمة مبارك
أحد الوثائق المنشورة التي أثارت الجدل هي التي تحدثت بخصوص أمر عرض خليجي لإطلاق سراح مبارك آنذاك مقابل مبلغ مالي، بعدما تيقنت المملكة أن مبارك سيصدر عليه حكم بالسجن لأسباب شعبية، تنقل الوثيقة عن مسؤول مصري لم تسمه أنه تحدث مع المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حينها والمفرج عنه بعد الثورة، وأن الشاطر لم يبد ممانعة في مثل هذا العرض خاصة لو تم تخصيص مبلغ لأسر الشهداء والمصابين كنوع من الدية.
الوثيقة أثارت بلبلة وعادت بالأذهان إلى تصريحات الدكتور محمود غزلان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان، التي تحدث فيها عقب الثورة عن إمكانية الرضا بحل دفع الديات لأهالي الشهداء والمصابين، وهو ما استهجنته القوى الثورية حينها، في المقابل نفى المهندس أيمن عبدالغني، زوج ابنة خيرت الشاطر والقيادي بالجماعة، محتوى هذه الوثيقة مؤكدًا أن الشاطر لم يقبل مثل هذا الطرح ورفضه بشدة، مشيرًا إلى أن علاقة الشاطر بالسعودية لم تكن على ما يرام أبدًا في فترة مرسي وما قبلها.
https://www.facebook.com/AymanAbdalGhany1/posts/798639936910795
السعودية تتابع قيادات الإخوان المسلمين بعد الثورة
تابعت السعودية تحركات قيادات جماعة الإخوان المسلمين ومواقفهم في العديد من الملفات التي نشأت بعد الثورة، وخاصة نائب المرشد خيرت الشاطر، الذى وصفته سفارة السعودية بالقاهرة بأنه الرجل الأهم في الجماعة وأن السفارة ستسعى للتواصل معه، كما أرسلت السفارة ببرقيات للسعودية تتحدث عن خطة وضعها خيرت الشاطر لاستلام السلطة من المجلس العسكري، عن طريق إعداد سيناريو لخروجهم الآمن دون محاسبة على كل الأحداث التي تدينهم والتي وقعت بعد الثورة حتى تسليمهم السلطة، من ضمنها أحداث محمد محمود الشهيرة وغيرها، واقترح الإخوان ترضية لأهالي الشهداء والمصابين عن طريق دفع “الدية”.
كما تابعت السعودية تحركات الشاطر الخارجية، في زيارات لعدة دول خليجية أبرزها قطر، عن طريق سفارة السعودية بالدوحة، والتي أرسلت تقريرًا عن زيارة الشاطر لقطر قبيل الانتخابات الرئاسية المصرية أثناء استعداده لخوض منافساتها، إذا أكدت السفارة السعودية بالدوحة أن الشاطر جاء ليعطي طمأنات إلى القطريين بأن السلطة ستكون من نصيب جماعة الإخوان نظرًا لارتفاع أسهم الجماعة في الشارع المصري في ذلك الوقت، كما أكدت أنه التقى بالشيخ يوسف القرضاوي لدعم رأي الجماعة في الانتخابات الرئاسية، وعدم دعم عبدالمنعم أبوالفتوح عضو الجماعة المفصول بسبب إصراره خوض الانتخابات الرئاسية.
كما تابعت السعودية، عن طريق سفارتها في القاهرة حسبما ورد في الوثائق، نشاط القيادي حسن مالك رجل الأعمال، الذي رأته السفارة بأنه قيادي مستأنس لا يفتعل المشاكل بالرغم من كونه مقربًا من خيرت الشاطر، تحدثت الوثائق عن نشاط مالك بعد الثورة وبعد تولي الرئيس السابق محمد مرسي الحكم مؤكدة أنها أنشأ جمعية “ابدأ” لرجال الأعمال المقربين من النظام الجديد، كما وصفته بأنه مهندس العلاقات الإخوانية التركية فيما يخص التجارة، نظرًا لامتلاكه العديد من التوكيلات التجارية التركية في مصر، كما ورد في الوثيقة أن السفارة السعودية تواصلت مع مالك لحل أزمات المستثمرين السعوديين في مصر، وهو ما وعد مالك بالفعل بالتدخل لحله، في حين وثقت السفارة في قدرات مالك على حل هذه الأزمات نظرًا لعلاقاته القوية داخل النظام.
كما أن السفارة السعودية أرسلت خطابات تتحدث عن موقف قيادات الجماعة من التقارب مع إيران، مؤكدة أن مجموعات من القيادات القديمة هي التي تتزعم هذا النهج، بيد أنها أشارت أن مجموعة من القيادات الحديثة ترفض السير في هذا الاتجاه وعلى رأسهم “خيرت الشاطر” نائب المرشد العام والمحرك الأول لقرارات الجماعة، كما تابعت السعودية نشاطات الجماعة بشكل عام، والنشاطات الاقتصادية بشكل خاص، وصدر تقرير عن السفارة يؤكد أن الاشتراكات المالية التي يجمعها تنظيم الإخوان المسلمين من أعضائه سنويًا بلغت نصف مليار جنية سنويًا، بخلاف استثمارات الجماعة.
السعودية والتواصل مع سياسيين مصريين
من أبرز ما نُشر في الوثائق المتعلقة بمصر وثيقة صادرة من وزير الخارجية السعودي السابق، سعود الفيصل، إلى الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عن مصر خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وجاء في نص البرقية المنسوب إرسالها إلى الملك عبدالله، على لسان وزير الخارجية سعود الفيصل: “أتشرف بإحاطة العلم الكريم بالتقريرين التحليليين التي أعدهما الدكتور مصطفى الفقي تحت العنوانين التاليين: مخاوف 25 يناير 2013، وأزمة التصريحات القديمة للرئيس مرسي والتي تلقيتها من السفير بالقاهرة”، حيث تشير الوثيقة إلى إعداد مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس المخلوع حسني مبارك، عدة تقارير تتلقاها السفارة السعودية منه بخصوص الوضع في مصر في عهد الرئيس السابق محمد مرسي.
كذلك تحدثت إحدى الوثائق عن طلب مصطفى بكري، السياسي المصري وعضو مجلس الشعب آنذاك، لدعم من السعودية في إصدار صحيفته بشكل يومي بدلًا من كل أسبوع، وتشكيل حزب سياسي، وإطلاق قناة فضائية تكون صوتًا قويًا ضد الشيعة وتساند مواقف المملكة، بحسب ما طلب بكري وقد أُحيل طلب بكري إلى وزير الثقافة والإعلام السعودي، بحسب ما جاء من رد على طلب بكري.
السعودية تمنع دخول بعض المصريين الذين يهاجمونها في الإعلام
أشارت وثيقة إلى منع عدد من النشطاء وبعض الإعلاميين والسياسيين الذين لديهم مواقف سلبية من المملكة من دخولها، وكانت الوثيقة تحتوي على أسماء؛ “نوارة أحمد نجم”، ناشطة سياسية وابنة الشاعر أحمد نجم، “خالد علي”،الحقوقي العمالي والمرشح السابق للرئاسة المصرية، “خالد الصاوي”، ممثل سينمائي، “أحمد دومة”، الناشط السياسي وعضو حركة 6 إبريل، “محمد عثمان”، نقيب محامين شمال القاهرة، “محمد الدريني”، الأمين العام للمجلس الأعلى لآل البيت، “شيرين الجيزاوي” شقيقة المحامي أحمد الجيزاوي، “شاهندة فتحي” زوجة أحمد الجيزاوي وصاحب قضية أثارت جدلًا بالسعودية.
السعودية وعام حكم مرسي
نشرت الوثائق ما رصدته السفارة السعودية بالقاهرة إبان عام من حكم الرئيس السابق محمد مرسي، تحدثت فيه أحد الوثائق عن غضب داخل مؤسسة الجيش والشرطة من قرارات مؤسسة الرئاسة، وذلك بعد رفض مؤسسة الرئاسة لحوار وطني دعا إليه الجيش بين المعارضة والسلطة في ذلك الحين، كذلك أكدت الوثائق أن الجيش المصري، وعلى رأسه الجنرال عبدالفتاح السيسي، أصدر قوانين تخص تشدد في منع تملك الأراضي بسيناء بغير ذي صفة ليقطع الطريق على الرئاسة إذا ما انتوت إصدار قوانين تتيح تملك الأراضي لتعمير سيناء.
فيما نُشرت وثيقة تتضمن رغبة الرئيس السابق محمد مرسي في لقاء الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لكن الأخير رفض حينها، وأوصى برفض الطلب بطريقة لائقة، وهو ما يعطي تصورًا عن طبيعة العلاقة التي كانت بين النظام الوليد في مصر والمملكة العربية السعودية.
هذه الوثائق والآلآف غيرها، الصادرة عن السفارة السعودية بالقاهرة، توضح أن السفارة السعودية كانت تتابع الأحداث في مصر عن كثب وتتدخل في الوقت المناسب، ولها علاقات متشعبة داخل دوائر الحكم المصرية، وأن السعودية كانت تستكشف نظام الإخوان المسلمين الجديد عن طريق السفارة وتقاريرها السرية.