التدخل الخارجي منذ بدء الأزمة السورية أحد أهم العوامل التي ساهمت باطالة عمر الأزمة و وصولها الى حاجز التعقيد ودخول مسلسل التحالفات الدولية والمؤتمرات اللامتناهية دون أي حل يلوح في الأفق، ساهم فيه كذلك التملل والتردد الأمريكي والثبات الروسي خلف نظام الأسد ودعمه اللامتناهي سياسياً واعلامياً، فضلاً عن لعبة ( السعودية – ايران ) المتواصلة والتي اتخذت من سوريا مسرحاً آخراً لها.
السعودية وايران الأكثر فاعلية في القضية السورية على جميع الأصعدة بات قتالهما بالوكالة على الأراضي السورية جليّاً للعيان، فسوريا التي تعدّ نقطة استراتيجية هامة وأخيرة لايران في المنطقة كونها الممر بين العراق ولبنان ونقطة استراتيجية لتوسيع النفوذ والتقدم الشيعي في المنطقة، تعدّ كذلك للسعودية التي تعتبر ” الأب الروحيّ ” السني في المنطقة والذي يسعى لأن لا تتجاوزه أي من الدول المحيطة.
بدأ الدعم السعودي للمعارضة منذ بداية الثورة، من حيث السماح بحملات التبرعات الشعبية والاغاثة لسوريا لينتقل بعد ذلك الدعم العسكري من الأفراد والجماعات بالعلن تخللها بعض فترات المنع والتضييق لتكون على نطاق أضيق وتحت اشراف الدولة منعاً لوصول هذا الدعم لبعض التشكيلات التي لا ترى السعودية أنها تخدم مصالحها الخاصة، استمر ذلك حتى وصل الدعم الحكومي السعودي المباشر بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية الى تشكيل تشكيلات كاملة تملي عليها شروطها وتحركاتها مقابل الدعم الكامل.
ولم يتوقف التدخل السعودي عند هذا الحدّ، بل تجاوز الى الاملاء على المعارضة السياسية في طريقة عملها واخيتار ممثيلها، لتدخل السعودية مع جارتها قطر في صراع لم تطل مدته لتتراجع قطر عن المشهد السوريّ تاركة المساحة للسعودية لتعيد توجيه البوصلة فتتغير قيادات الحكومة المؤقتة ورئاسة الائتلاف وتضاف قوائم جديدة من الأسماء الى تشكيلة المعارضة في انتهاك صارخ آخر للمشهد ومحاولة لتشكيل المستقبل في ما تراه السعودية من مصلحتها حتى لا يتكرر المشهد المصري قبل 30 يونيو مرة أخرى.
ايران كذلك لم تتوانى عن نشر مسلحي الحرس الثوري الذي تقول تقارير أن معسكرات كانت قد موجودة لهم قبل بدء الأزمة، اضافة الى توغلّ حزب الله اللبناني – المدعوم ايرانيّاً – حتى مساحات بعيدة في الشمال السوري أقرب الى حلب، والدعم الأسبوعي بالسلاح والذخيرة عبر جسر جوّي من ايران والعراق الى سوريا ونقل للأسلحة بواسطة طائرات ركاب مدنية تم كشفها أكثر من مرة، اضافة الى الدعم المخابراتي والسياسي واللعب بورقة السلاح النووي كل ما احتاج الأمر لذلك.
التقارب الأمريكي الايراني الأخير، والذي بالطبع لم يعجب السعودية الحليف الأمريكي العربي الأول في المنطقة لم تبدي هذي الأخيرة أيّ تعليق رسمي في ذلك مما يفتح المجال للسؤال عن مستقبل – الحرب الايرانية السعودية – في سوريا وعن مستقبل علاقاتهما بعد الانفتاح الأمريكي الذي كان مغلقاً لثلاثين سنة وأنهته مكالمة هاتفية لـ 15 دقيقة .
نعم كان الشعب السوري قد خرج في ثورة أعطت صورة ناصعة للعقل العربيّ الذي لم يعد يسكت بعد اليوم عن الظلم وهدر الكرامة وسرقة مقدرات الشعوب، قتلها بطش النظام الذي لم يتوقف حتى اليوم ضد المدنيين، وجشع بعد الدول التي لم ترد لهذه الثورات أن تأخذ شكلها الطبيعي بتغيير الأنظمة واعادة عجلة البلاد الى ما كانت عليه من قبل وأفضل، الا اذا ما كانت حسب خطتها وما يخدم رؤاها الخاصة.