“هنفطر إزاي في رمضان بعد ما عرفنا إن بابا في العقرب مبيدخلوش تمرة حتى يفطر بيها، ومفيش زيارة لغاية بعد العيد”، كانت تلك الجملة تساؤل طرحته ابنة الطبيب المعتقل، عماد شمس، البرلماني السابق عن أحد دوائر محافظة الدقهلية، والمحكوم عليه بالسجن المؤبد في قضية المعروفة إعلاميًا باسم اقتحام السجون، الفتاة تتساءل عن كيفية قضائهم لشهر رمضان في ظل التعنت الكبير الذي يتم مع والدها داخل السجن وحرمانه من أقل حقوقه في تناول وجبة الإفطار.
الأمر نفسه أكدته، عائشة الشاطر، ابنة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، خيرت الشاطر، ففي حديثها معي قالت إن والدها قضى أول أيام رمضان دون أن يوفر له وجبة الإفطار، لافتةً إلى أنه يقبع في زنزانة انفرادي بسجن العقرب مكبل اليدين والقدمين لا يُسمح له بالخروج منها وتُمنع عنه الإضاءة فيها، وأضافت أن إدارة سجن العقرب تمنع دخول الطعام والشراب والأدوية عنه حتى خلال الشهر الكريم.
ولفتت عائشة الشاطر إلى أن التعنت يشمل الجميع ويزيد وطأته مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين المعتقلين داخل سجن العقرب، ومن بين الأسماء التي يشملها هذا التعنت: القيادي بالجماعة والبرلماني السابق محمد البلتاجي، ورئيس مجلس الشعب السابق سعد الكتاتني، وكذلك أحمد عبدالعاطي مدير مكتب رئاسة الجمهورية إبان فترة حكم مرسي، ومحافظ كفر الشيخ السابق سعد الحسيني، ومصطفى الغنيمي عضو مكتب الإرشاد في الجماعة، وعدد آخر من قيادات الجماعة المعتقلة في سجن العقرب، حسبما ذكرت نجلة الشاطر.
فلم يعد لشهر رمضان لذته لدى ما يتجاوز الـ 40 ألف أسرة مصرية، إذ تقضي تلك الأسر الشهر دون أحد أفرادها في أفضل الأحوال إن لم تقرر السلطات المصرية اعتقال فردين أو أكثر من نفس الأسرة، وتحاول بصعوبة بالغة أن تعيش أجواء الشهر في ظل التعنت التي يلقاه أفرادها داخل السجن والذين يحرموا من أبسط حقوقهم داخله.
وفي محاولة بائسة من الأسرة لمشاركة الأجواء الرمضانية مع معتقليها لدى السلطات، تبدأ بإعداد مستلزمات الزيارة من مأكل وملبس وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي تكلفها تكلفة مادية كبيرة، آملةً في دخولها أو جزء يسير منها، إذا لم يصبها تعنت من ضباط السجن، فالأسرة على علم تام بأن ما يسير في زيارة اليوم ربما يمنع في الزيارة التالية، فلا يوجد قانون سوى هوى الضباط.
يشتكي معظم أهالي المعتقلين من التعنت في إدخال المستلزمات الأساسية، بالإضافة إلى طريقة التفتيش المهينة، من خلط الطعام ببعضه البعض أو تفتيشه بأدوات صدأة واستخدام نفس الأداة في تفتيش كافة أنواع الطعام حتى المعبأ منه في المصانع وتقوم الأسرة بشرائه من المحال التجارية، حيث يدخل الطعام للمعتقل في النهاية أشبه بـ”الكوكتيل”، أو ربما يعجب الطعام أحد رجال الشرطة أو العساكر فيحتفظ به لنفسه، أما بالنسبة للملابس والأغطية والكتب فغالبًا ما يتم منع دخولها أو يتم مصادرتها، حتى وإن كانت كتبًا دراسية لطالب.
وتسبق تلك الجولة جولات أخرى من المعاناة، في البداية تخوض أسرة المعتقل معاناة في استخراج تصريح من النيابة لزيارة المعتقل، هذا الأمر وإن لم يعد يسري في كل السجون بمحافظات مصر إلا أنه مازال شرطًا واجبًا لزيارة أي أسرة لها معتقل في سجن العقرب، المعتقل بداخله عدد كبير من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
فإن حالفهم الحظ في تخطي عقبات استخراجه، تبدأ بعدها رحلة قاسية أخرى تخوضها الأسرة قبل رؤية المعتقل، من الوقوف في الطوابير المزدحمة لساعات تحت أشعة الشمس الحارقة مع الصيام، والتفتيش المهين للمستلزمات ولأشخاصهم، لكي ينعموا في النهاية بدقائق قليلة يطمئنون خلالها على سلامة ذويهم ويحاولون مشاركتهم أجواء هذا الشهر من خلف أسلاك حديدية وزجاجية على بعد أمتار، في صالة يملأها العشرات يصعب فيها وصول الصوت بين المعتقل وأسرته.
خلال ساعات الانتظار تلك التي تطول أحيانًا إلى ما يزيد عن ثماني ساعات، يصاب العشرات بالإغماء والإعياء، كما سجلت حالات لوفيات لاقتها المنية في طابور الزيارة، كان أبرزها زوج المعتقلة المحكوم عليها بالسجن المؤبد رشا منير، الذي توفي مطلع أبريل من العام الماضي أثناء زيارته لها في سجن القناطر.
السيدة أنعام عادل إبراهيم، توفيت هي الأخرى أثناء زيارتها لولديها، أحمد وطارق غنيم، المعتقلين في سجن الأبعادية في دمنهور بالبحيرة، لكن السيدة لقت حتفها إثر حادث سير تعرضت له أمام السجن أثناء انتظارها للدخول لزيارتهما، أواخر مايو الماضي، كما سجلت بعض الحالات التي توفت في حوادث سير أثناء رحلة طويلة يخضوها مرة على الأقل كل شهر لزيارة المعتقل الذي يبعد مقر احتجازه عن مكان إقامته مئات الكيلو مترات.
أما عن الذين يفرون من الموت في الطوابير المتكدسة بمئات الأشخاص الذين جاءوا لنفس الهدف المتمثل في زيارة ذويهم، يبدأون مرحلة أخرى من الإهانة في التفتيش الأشبه بـ “التحرش” كما يصفه أغلب أسر المعتقليين خاصةً النساء منهم، فضلًا عن الابتزاز المالي الممارس من قِبل ضباط السجن حيث يطلبون ويتقاضون الرشاوي المالية لتسهيل إجراءات الزيارة وتقليل التعنت الممارس خلالها بعض الشيء.
وفي حال رفض أحدهم دفع الرشاوى، أو أبدى تذمره من المعاملة المهينة، يتعرض للضرب المبرح أمام كافة الموجودين في انتظار الزيارة ليكون عبره لمن يعترض، أو يتم احتجازه وتلفيق التهم المعتادة له، وقد سجلت في هذا الصدد مئات الحالات التي اعتقلت في طابور زيارة ذويها، وكان من بينهم عشرات السيدات اللاتي أفرج عنهن بعد مدد تتراوح بين الساعات وربما تزيد لأسابيع وأشهر.
كل تلك الانتهاكات والمعاملة اللاإنسانية ربما اعتادتها آلاف من أسر المعتقلين بعد مرورهم بتلك التجارب القاسية عشرات المرات، لكنها تغضب في شهر رمضان الذي لا تقدم فيه إدارات السجون أي استثناءات لأسر المعتقلين السياسين، والتي أحيانًا تقدمها لأسر المسجونين الجنائيين، لا لشيء إلا للتنكيل بمعتقلي الرأي وذيهم.