أوقفت السلطات الألمانية الإعلامي المصري أحمد منصور في مطار العاصمة الألمانية برلين، ووفق ما قيل عن هذا التوقيف أنه جاء بناءً على مذكرة مصرية بها تهم جنائية تخص منصور تطالب الإنتربول الدولي بتوقيفه على إثرها بتاريخ 2 أكتوبر من العام الماضي، في البداية أُعلنت التهم الموجهة لمقدم البرامج بفضائية الجزيرة القطرية بأنها السرقة والاختطاف والاغتصاب، وبعد خضوع منصور للتحقيق تغيرت هذه التهم إلى سب السلطة والقضاء.
توقيف منصور تم رغم حصوله على وثيقة من الإنتربول موقعة بتاريخ 21 أكتوبر 2014 تفيد بأنه ليس مطلوبًا على خليفة قضايا، ولكن يبدو أن طلب التوقيف كان ألمانيًا لسبب مجهول حتى الآن، حيث إن المحققين أبلغوا منصور أن طلب القبض عليه ليس اعتمادًا على الإنتربول، وأوقفت ألمانيا منصور بالرغم من عدم وجود أي اتفاقية بين مصر وألمانيا تقضي بتبادل أو تسليم الملاحقين قضائيًا.
أُوقف منصور أثناء رحلة العودة من ألمانيا إلى الدوحة بعدما قدم حلقة من برنامجه الذي يذاع على فضائية الجزيرة “بلا حدود” حيث استضاف كبير الباحثين بالمعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية غيدو شتاينبرغ، في حين تتضارب الأنباء حول سبب توقيف الإعلامي المصري.
القانون الأساسي للإنتربول ينص على أنه “يحظر على المنظمة حظرًا باتًا أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري”، والنظام المصري تخطى هذه المادة وأصر على مطالبات ملاحقة منصور على خلفية قضايا جنائية أبرزها التي صدر بها حكم في أكتوبر من العام الماضي بمعاقبة أحمد منصور وآخرين بالسجن 15 عامًا على خلفية اتهامات باحتجاز محامٍ مصري وتعذيبه داخل مقر شركة سفير للسياحة بميدان التحرير إبان ثورة يناير، وهي تهمة سياسية صريحة تُقرأ في إطار العقاب على مواقف منصور المناوئة للنظام المصري الحالي.
محامي أحمد منصور أكد أن “القضية سياسية بامتياز وهي مجرد تهم ملفقة ومكررة، هدفها إعاقة حركة الإعلامي أحمد منصور”، وما يزيد الأمر غرابة أن منصور تنقل عبر عدة مدن أوروبية دون أي مشاكل خلال الفترة الماضية، ولكن هذه المرة تم اعتقاله بألمانيا.
الناطق باسم المدعي العام الألماني مارتن شتيلتنر، أكد أن القضية برمتها بعهدة القضاء الألماني وتحديدًا قسم الجرائم، وأنه لا دخل لأي أطراف أخرى، في إشارة إلى الإنتربول، مؤكدًا أن البلاغ الذي أوقف منصور على إثره جاء بناء على مذكرة قادمة من السلطات المصرية، في الوقت نفسه يرى قانونيون أن المدعي العام الألماني لديه صلاحية التدخل لإغلاق القضية من الأساس، ولكن لا أحد يعلم لماذا تستمر ألمانيا في إجراءات التحقيق مع منصور خاصة وأن دولة ألمانيا لم يُعهد عليها اتخاذ إجراءات قمعية تجاه صحفيين.
رواية أخرى
الرواية الأخرى لسبب اعتقال منصور حاضرة وبقوة، حيث ربط البعض بين اعتقال منصور في ألمانيا واللقاء التليفزيوني الذي أجراه مؤخرًا مع قائد تنظيم جبهة النصرة فى سوريا التابع لتنظيم القاعدة أبي محمد الجولاني والذي أُذيع على جزئين في فضائية الجزيرة منذ عدة أسابيع.
إذ إن هذه ليست الحالة الأولي التي يُعتقل فيها إعلاميو الجزيرة ويُقدمون إلى القضاء الأوروبي بتهم متعلقة بعملهم الصحفي الذي يربطهم أحيانًا بالتواصل مع بعض أعضاء من التنظيمات التي تصنفها أوروبا بأنها “تنظيمات إرهابية”، فقد حكمت محكمة إسبانية على تيسيرعلوني مراسل الجزيرة بالسجن 7 سنوات بعد اعتقاله أثناء تواجده فى إسبانيا بعد اتهامه بالاتصال بعناصر بارزة في القاعدة.
حيث يرى البعض أن منصور قد أُوقف بسبب زيارته الأخيرة لسوريا ولقائه بأبي محمد الجولاني، وربما يكون أمر المذكرة المصرية مجرد غطاء لاعتقال الرجل حتى لا تتحول القضية إلى قضية مهنية صحفية متعلقة بعمل الرجل، ولكن منصور ليس هو الصحفي الأول الذي يدخل سوريا ويجري بها عمل إعلامي متعلق بنشاطات جماعة مصنفة تحت بند “الإرهاب” أوروبيًا.
ففي ألمانيا التي أوقفت منصور قام صحفي ألماني شهير يدعى يورغن تودنهوفر، بقضاء قرابة عشرة أيام في مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، كذلك أنتجت شركة “فايس نيوز” الأمريكية فيلمًا وثائقيًا من داخل المدن التي يسيطر عليها التنظيم، دونما أن يتهمهم أحد بالاتصال مع عناصر إرهابية.
غير أن البعض يعزي الأمر إلى أن جهات استخباراتية أخرى تريد إخضاع منصور لاستجواب حول زيارته إلى سوريا ولقائه بالجولاني من أجل الحصول على معلومات بعينها عن التنظيم وقائده الذي لا يعلم أحد عنه شيئًا حتى الآن، وقد اتخذت ألمانيا ستارًا لذلك الطلب المصري المُقدم إليها بتوقيف منصور على خلفية قضايا جنائية ملفقة، وهو ما وصفه فولفغانغ غيركه نائب رئيس حزب اليسار الألماني بقوله: “الكل يعرف أن سيادة القانون في مصر قائمة على رمال، هذا إن تحدثنا عن سيادة القانون”.
وإن صحت هذه الفرضية فسوف تتخذ القضية منحًا آخر لأن بذلك سوف تقوم السلطات الألمانية أو من ورائها بمساومة منصور حول تسليمه لمصر أو إمدادها بمعلومات استخباراتية عما تعرف عليه في زيارته الأخيرة لسوريا، وهو أمر غير أخلاقي بالمرة من وجهة نظر المتابعين.
وما يُظهر التناقضات في النظام الدولي عامة والأوروبي خاصة أن أثناء توقيف منصور في برلين كان شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلى السابق متواجدًا فى لندن، والجدير بالذكر أن موفاز صادر بحقه مذكرة توقيف دولية صحيحة باعتباره مجرم حرب لكن بريطانيا رفضت توقيفه.
وفي حالة التمسك الألماني بالتحقيق فيما نُسب إلى منصور من قِبل النظام المصري فإنه من المتوقع أن يقوم القضاء الالماني بإخطار النظام المصري رسميًا بطلب إرسال ملف القضايا المتهم بها منصور لفحصها في المحكمة الألمانية؛ مما سيطيل أمد احتجاز منصور حتى يتم فحص القضية ومدى كونها جنائية أو سياسية.
وإذا صحت الفرضية الأولى بأن ألمانيا أوقفت منصور على خلفية الطلب المصري فإن ذلك سُيعد في وجهة نظر أنصار النظام المصري نجاحًا في استخدام نفوذ النظام دوليًا لخدمة صراعه السياسي مع معارضيه في الخارج.
مطاردة النظام المصري لمنصور ليست في هذا الإجراء فحسب فمن قبل أصدر النائب العام المصري قرارًا بالتحفظ على كافة أموال وممتلكات أحمد منصور في مصر، كذلك ثمة محاولات كثيرة تمت لفصله من نقابة الصحفيين المصريين.
الضجة التي أحدثتها قضية توقيف الإعلامي أحمد منصور في ألمانيا والجدل حول الأسباب الحقيقة وراء توقيفه فتحت ملف قوائم التوقيف الصادرة من النظام المصري بحق معارضين مصريين غالبيتهم من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالخارج، هذه القوائم التي أُثير بشأنها ضجة الفترة الماضية صدرت في العام الماضي بشكل شبه عشوائي وهي الآن تحتوي على أسماء قيادات إخوانية قد وافتها المنية ولم يتم تحديثها مما يوضح عبثية إصدار هذه القوائم بالأساس فضلًا عن عدم وجود أي إجراءات جدية في التعاطي معها بسبب صدورها على أسس وخلفيات سياسية، لكن قضية منصور أعادت الأمر إلى الواجهة مرة أخرى، في الوقت نفسه الذي يرى فيه البعض قضية توقيف منصور غلبت فيها ألمانيا مصالحها مع النظام المصري على مبادئها الأساسية.
بعض من قوائم الإنتربول التي تخص معارضين مصريين: