نشرت مجلة نوفال أبسرفتور الفرنسية تقريرًا حول سعي فرنسا لتأطير المشرفين الدينيين المسلمين، وتدريبهم على التوفيق بين التعاليم الإسلامية والقوانين الفرنسية، عبر تجربة تدريس مجموعة من الأئمة في جامعة ليون، ليكونوا دعاة صلح بين الدولة العلمانية والمجتمع الإسلامي الفرنسي.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمه “نون بوست”، إن هذا التدريب الذي انطلق منذ سنة 2012 بالشراكة مع عدة جامعات، يجسد فكرة ما يُطلق عليه “الإسلام الفرنسي”، وهو يعود بفوائد كبيرة على المجتمع المسلم وعلى الدولة الفرنسية، رغم أنه لا يحظى بمتابعة إعلامية كبيرة.
ذكرت المجلة أن هذه المجموعة تتلقى دروسًا وجلسات تأطير بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع خلال الحصص المسائية، وهي تتكون من أربعة رجال وامرأتين محجبتين، تتراوح أعمارهم بين الـ 25 والـ 40 سنة، ويوجد من بينهم إمام ومرشد سجن ومسؤول ديني ومعلم.
وأضافت المجلة بأن هذا التأطير يخضع لإشراف المعهد الفرنسي للحضارة الإسلامية، بالتنسيق مع جامعة “ليون 3″، وهو منبثق عن شراكة بين المسجد الكبير بليون والجامعة الكاثوليكية بالمنطقة، ويهدف لدعم تأطير الكوادر الدينية وخاصة الأئمة عبر الربط بين تكوينهم الديني ونمط الحياة العلماني.
وذكرت المجلة أن مسألة التأطير هذه أصبحت مُلحة إثر هجمات صحيفة شارلي إيبدو، في يناير الماضي، حيث كثرت الادعاءات بوجود أئمة ينشرون الخطاب المتطرف، وتساؤل البعض عما إذا كان الأئمة على قدر من الوعي والانسجام مع المشهد الوطني.
ونقلت المجلة تفاصيل إحدى الحصص التي يقدمها عميد مسجد فيلوربان عز الدين جاسي، في إحدى قاعات المعهد الفرنسي للحضارة الإسلامية، يتحدث فيها عن توافق المبادئ اللائكية مع الأساسيات الخمس للإسلام؛ وهي الحياة والدين والعقل والخير والانتماء.
وأضافت بأن النصوص القرآنية تجيز التلقيح الاصطناعي؛ حيث إن “الله هو الذي ينفث الروح”، في حين أن مسألة الإجهاض تعتبر شائكة لما ينصه القرآن عن حماية حياة الجنين من جهة وحفظ حياة الأم من ناحية أخرى، كما أفاد عز الدين جاسي.
وأشارت المجلة إلى مثال فؤاد الذي قدم من الجزائر منذ 18 سنة ليصبح إمامًا بشارفيو ثم التحق بهذا البرنامج التكويني منذ يناير الماضي، الأمر الذي مكنه من توسيع معارفه وتوفير إجابات لم يكن قادرًا على الوصول إليها، حسب ما أفاد به.
كما ذكرت المجلة أن هؤلاء المتدربين يتعرضون لعدة مواضيع هامة مثل زرع الأعضاء الذي يبيحه القرآن وفق مجموعة من المقومات، عملاً بالآية {ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا}، أما بالنسبة للموت الرحيم الذي يمنعه القانون الفرنسي، فإن الإسلام يبيح السعي للتخفيف من آلام المرضى مع المحافظة على حياتهم.
وأضافت المجلة أن مسألة كيفية دفن الموتى مدرجة كذلك، حيث قد يتسبب اختلاف مراسم الدفن في فرنسا عن غيرها من البلدان المسلمة في مشاكل كثيرة؛ ما يجعل الخوض في هذه المسألة ضروريًا كما ذكر شكري (25 سنة)، وهو واعظ ديني متطوع في منطقة إيزار.
وبالعودة لموضوع الإجهاض، انتظر كل من فؤاد ولطفي نهاية الدرس ليتوجها إلى مؤطرهما بالسؤال عما إن كان ذلك مسموحًا إذا ما كانت الأم والعائلة تعاني من ظروف عصيبة، ليجيبهما عز الدين بإيماءة من رأسه.
وذكرت المجلة أن هذا البرنامج يعاني نقصًا فادحًا في عدد طالبي التسجيل، حيث لم تستقبل الدفعة الثالثة سوى ثمانية طلبة مقابل 17 في السنة الأولى و11 في السنة الثانية، تتم الموافقة عليهم من قِبل المعهد الفرنسي للحضارة الإسلامية والمجلس الإقليمي للديانة الإسلامية، ليبقى العدد بعيدًا عن بلوغ الـ 50 إمامًا الذي كان مستهدفًا، وهو ما لا ينبئ ببروز جيل جديد من الأئمة، كما حدث في كل من بوردو وباريس.
وفي هذا الإطار، نقلت المجلة تصريح الأستاذ ميشال يونس المتخصص في علم اللاهوت بالجامعة الكاثوليكية، حيث أشار إلى تزايد عدد المسلمين مقابل نقص كبير في الأئمة، حيث يواجه المسلمون شأن اليهود والمسيحيين أزمة مهنية، وهي ظاهرة متعلقة بالأئمة خاصة.
من جهته أشار عميد المسجد الكبير بليون كمال قبطان، إلى عجز معظم دور العبادة الصغرى عن الإيفاء بالمستحقات المادية للأئمة؛ ما يجعل من هذه المهمة موكلة لمتطوعين غير متفرغين لا يسمح لهم وقتهم بالخضوع لبرنامج التأطير.
وحذر كمال قبطان، بحسب المجلة، من أن الإصرار على عدم الاعتراف بوظيفة الإمام من قِبل السلطات الفرنسية سيضاعف من خطر انتشار ظاهرة وفود أئمة من خارج فرنسا أو تنصيب أفراد لأنفسهم على رأس المساجد، وهو أمر ظل كمال يحذر منه كل وزراء الداخلية المتعاقبين على مر الثلاثين سنة الأخيرة.
وكانت فرنسا قد وجهت بمطالبة المسلمين بالرفع من عدد المساجد وأماكن الصلاة منذ سنة 1980؛ ما دفعها، كما ذكرت المجلة، إلى السماح باستقدام أئمة من الدول الإسلامية، قصد توفير التأطير والرعاية اللازمين للأئمة، حيث أبرمت لهذا الغرض اتفاقيات ثنائية مع الجزائر والمغرب وتركيا؛ يسمح بمقتضاها لكل دولة بتوفير عدد محدد منهم، وهي نسبة لم تشمل المملكة العربية السعودية والإمارات اللتان لم تلتزما بهذا التقسيم.
وأفادت المجلة بأن نظام تعيين الأئمة في فرنسا تجاوزته الأحداث بعد مضي 35 سنة على انطلاقه؛ حيث لم يعد الأئمة الذين يقدر عددهم ببضع مئات قادرين على الإحاطة بدور العبادة التي بلغ عددها الألفين، علاوة على عدم تأقلم العديد منهم مع الظروف المحلية بفرنسا؛ حيث أشار حسان الطيبي من المسجد الكبير إلى عدم إتقان بعض الأئمة للغة الفرنسية.
كما نقلت إفادة كمال القبطان حول دور الإمام، حيث أكد على أنه يتجاوز كونه مرشدًا روحانيًا، فهو “مدرب ومؤطر نفسي ومستشار مالي”؛ فلا بد له من أن يكون قادرًا على نصح زوجين عاجزين عن الإنجاب، والإجابة عن تساؤلات امرأة لم تفهم سبب حصولها على نصف نصيب إخوتها الذكور من الإرث، والتعاطي مع مسلم يتساءل عما إن كان بإمكانه الاقتراض لأداء فريضة الحج.
أما عز الدين الجاسي، فقد نبه إلى خطورة عدم تأطير الأئمة بما يؤدي إليه من انتشار لأئمة ينصبون أنفسهم أينما حلوا، وما يورثه ذلك من خطاب يميل نحو الراديكالية؛ وهو ما بدأ في الحصول فعلاً.
وفي هذا السياق، أشار أحد المنخرطين في برنامج التأطير إلى ضرورة عدم التعميم بوصم كل الأئمة الذين نصبوا أنفسهم في المساجد بالراديكالية، مفيدًا بأن المسألة جد بسيطة؛ حيث يكفي إنشاء جمعية ثقافية وتعيين رئيس لها مرفقًا بأمين مال يسهران على تسيير شؤونها.
وفي الختام، خلصت المجلة إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في عدم إلمام بعض الأئمة بالواقع الفرنسي، وهو ما يدفعهم لتبني ذات الخطاب الذي تعودوا على إلقائه في الدول الإسلامية التي ينحدرون منها، خطاب لا يتماشى وخصوصيات المجتمع الفرنسي؛ ما يجعل من الخضوع لعملية التأطير والتوجيه، التي يوفرها المعهد الفرنسي للحضارة الإسلامية بالتنسيق مع جامعتين بليون، أمرًا ضروريًا.