خلال مؤتمر في واشنطن هذا الشهر منظم من قِبل مجلس الشؤون الخارجية الأمريكي قام أنور عشقي، لواء سعودي متقاعد ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية بجدة، ودور جولد، المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، بالحديث عن العدو المشترك للسعودية وإسرائيل، إيران.
تحدث أنور عشقي أولًا، وخلال حديثه ذكر أن هناك “حقل نفطي واعد في الربع الخالي، سوف يلزم دول مجلس التعاون الخليجي واليمن أن تتحد لحمايته وحماية مكتسباتها”، وأضاف “أما حقل أوغادين الواعد في أفريقيا فسوف يوحد القرن الأفريقي برئاسة إثيوبيا، وسوف يتم بناء جسر بين القرن الأفريقي والجزيرة العربية هو جسر النور، الذي يربط بين مدينة النور في جيبوتي ومدينة النور في اليمن، وهذا يتطلب عدة أمور: الأول تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، الثاني تغيير النظام السياسي في إيران، الثالث وحدة مجلس التعاون، الرابع تحقيق السلام في اليمن وإحياء الميناء الحر في عدن، الخامس إنشاء قوة عربية بمباركة أوروبية وأمريكية لحماية الدول الخليجية والعربية والمحافظة على الاستقرار، السادس السرعة في إرساء قواعد ديموقراطية بثوابت إسلامية في العالم العربي، السابع العمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية، لأن ذلك سوف يخفف من المطامع الإيرانية والتركية والعراقية”.
ويحمل حديث أنور عشقي في طياته العديد من الأمور المثيرة للجدل والتي لم يتم التناقش فيها من قبل بشكل علني؛ أولها طرح فكرة تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، فقد كان هذا من الأمور التي لم يكن يتجرأ أحد على طرحها أو مناقشتها، بل ما كان يُروج هو عكس ذلك تمامًا، وهو أن الاعتراف بإسرائيل كدولة أمر غير مقبول تمامًا وأن الأنظمة العربية تقف إلى جانب الفلسطينيين، وما اقترحه أنور عشقي يكشف عن أن ذلك كان مجرد ادعاءات مزيفة لكسب رضا الجماهير.
وترجع أهمية إسرائيل للنظام السعودي إلى حرب 1967، عندما كان جمال عبدالناصر يمثل تهديدًا لكل من السعودية وإسرائيل بإرساله حوالي 70 ألف جندي إلى اليمن لدعم الجمهوريين في اليمن وإعلانه عن عزمه لإشعال الثورة الجمهورية في شمال اليمن لمهاجمة السعودية، ونشأ تحالف سعودي إسرائيلي بريطاني للقضاء على الثورة في اليمن، وكان دور إسرائيل يقتضي إرسال الأسلحة والإمدادات مرورًا عبر الأراضي السعودية لدعم القوات الملكية ضد الجمهوريين.
وفي عام 1981 عندما دمرت إسرائيل البنية التحتية النووية للعراق بالطيران عبر الأردن والسعودية، الأمر الذي أراح السعودية وعدد من الدول العربية الأخرى من خطر صدام حسين المحتمل إذا ما أصبح يملك أسلحة نووية، وبشكل مشابه تدمير البنية التحتية النووية في سوريا في عام 2007، مزيحًا خطر النظام السوري الذي كان يمثل خطرًا على النظام السعودي.
اليوم، تدرك كل من السعودية وإسرائيل حاجتها للطرف الآخر، خصوصًا في ظل الأحداث التي تمر بها المنطقة، فلدى الطرفين العديد من المصالح المشتركة، تحديدًا في مصر، فعودة مصر إلى كونها قوة إسلامية لها وزنها في المنطقة، وهو ما كان محتملًا أن يحصل إذا استمر محمد مرسي في الرئاسة، يمثل خطرًا لكلا الطرفين، وقد كان الانقلاب في مصر الممول جزئيًا من قِبل السعودية هو ما أزاح هذا الخطر، كما أن هناك عدد من الأعداء المشتركين مثل تنظيم داعش وحماس الذين يسعى الطرفان للقضاء عليهما.
إلا أن إيران تَعد أقوى ما يوحد العلاقات بين السعودية وإسرائيل، فكلا الطرفين ينظر إلى إيران على أنها الخطر الأكبر له وللمنطقة، وتحديدًا فيما يخص تطوير إيران للأسلحة النووية، وقد ازدادت حدة الانتقادات الصادرة من السعودية وإسرائيل ضد إيران على وتيرة واحدة وبأسلوب متشابه خصوصًا بعد الصفقة الإيرانية – الأمريكية وتقارب العلاقات الأمريكية – الإيرانية، كما أن ازدياد التأثير الإيراني في المنطقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن من الأمور التي تزيد من التوافق السعودي الإسرائيلي بخصوص الخطر الإيراني.
وقد أوضحت قناة تلفزيونية إسرائيلية في فبراير من هذه السنة أن السعودية على استعداد للسماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور عبر مجالها الجوي لمهاجمة إيران إذا اقتضت الضرورة، وكان الشرط هو أن يكون هناك “نوع من التقدم” فيما يخص القضية الفلسطينية.
وقد كانت السعودية في السابق تحاول قدر المستطاع أن تظهر اهتمامها بالقضية الفلسطينية ووقوفها إلى جانب الفلسطينيين ومناهضتها لإسرائيل وعدم الاعتراف بها كدولة، إلا أنها اليوم بدأت تتهاون في هذا الموضوع، وأصبح هناك الكثير من التلميحات الظاهرة للعلن التي تشير إلى قرب العلاقات بين الطرفين.
مثال على ذلك المقال الذي كتبه الصحفي أحمد الفراج في صحيفة الجزيرة بعنوان “لك العتبى يا نتنياهو حتى ترضى”، وجاء هذا المقال بعد إلقاء نتنياهو كلمته أمام الكونجرس الأمريكي في محاولة منه لإيقاف الصفقة التي كانت تتم مناقشتها بين أمريكا وإيران، وأشاد الكاتب في مقاله بكلمة نتنياهو وبموقفه القوي اتجاه إيران، ويجب الأخذ في عين الاعتبار أن نشر مقال كهذا في صحيفة سعودية غير اعتيادي وله دلالات كثيرة، خصوصًا أن الصحف السعودية تخضع لرقابة شديدة للمحتوى المنشور فيها.
ثم هناك العدوان الإسرائيلي على غزة الذي حدث العام الماضي، والذي ألقت فيه السعودية وعدد من الدول العربية الأخرى اللوم على حماس، ومثل هذا مرحلة تغيير في الخطاب العربي تجاه القضية الفلسطينية والذي كان دائمًا حريصًا على إظهار تعاطفه ووقوفه مع الفلسطينيين خلال أي عدوان إسرائيلي.
وتَعد كلمة أنور عشقي أيضًا سابقة غير معهودة، فهذا اللقاء بين شخصية سعودية وأخرى إسرائيلية والذي ظهر فيه توافق تام في المصالح بين الطرفين لم يكن من الممكن أن يتم خلال الأعوام الماضية أو حتى خلال الشهور الماضية، وحسب ما أوضحته صحيفة بلومبيرج الأمريكية فإن هذا اللقاء جاء بعد خمسة لقاءات سرية بين السعودية وإسرائيل تم فيها مناقشة قضايا إقليمية أهمها قضية إيران.
ويبدو أن النظام السعودي يحاول تدريجيًا أن يخفف من حدة الموقف تجاه إسرائيل، وإبداء التلميحات عن طريق وسائل الإعلام والمؤتمرات بأن السلام مع إسرائيل أمر مقبول بل ويجب السعي له، ويستغل النظام السعودي الخطر الإيراني لتسويق التحالف السعودي – الإسرائيلي المحتمل.
ورغم أن مبادرة السلام التي اقترحتها السعودية منذ 10 سنوات تقتضي أن تتسحب إسرائيل من حدود 1967 إلا أن في هذا الأمر إشارة أيضًا إلى أن وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة ليس بمشكلة للنظام السعودي، وليس من صالح كلا النظامين الإعلان عن هذا التعاون الخفي، ورغم أن النظام السعودي ينفي أي تعاون محتمل مع إسرائيل إلا إذا قبلت إسرائيل بالانسحاب من حدود 1967 إلا أنه إذا اشتد الخطر الإيراني ووجدت السعودية وإسرائيل أنفسهما محاصرين فإن الطرفين قد لا يجدا مفرًا من أن يتعاونا على العلن في سبيل تحقيق مصالحهما.