أكثر إجابة محتملة على هذا السؤال هي: لا، وحتى الآن، يعاني التنظيم، الذي يقرب عمره من 90 عامًا تقريبًا، من تصدعات داخلية كبيرة كفيلة بإقناع جميع المراقبين بإعادة صياغة السؤال ليصبح على النحو التالي: أي نوع من المنظمات الجديدة سوف ينشأ من المرحلة الحالية لكل من الضغوط الداخلية والخارجية؟
وأيًا ما كان نوع التنظيم الذي سينشأ عن هذه المرحلة الجديدة في تطور جماعة الإخوان المسلمين المصرية، فإن عناصره سيتم تحديدها بواسطة التفاعل بين نوعين مترابطين من الضغوط التي تشكل حاليًا الجماعة وهما؛ الصراع الداخلي والتحزب من جانب، وحملة السلطة عليهم من جانب آخر.
وترتكز هذه العملية بكاملها على سنة واحدة حكمت فيها الجماعة مصر، والتي بلغت أوجها بالإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، وقد أسفر فشل حكم الجماعة، بسبب طبيعتها والعقبات المستمرة التي اختلقها خصومها، عن أزمة داخلية عميقة، وحرمان الجماعة من جزء كبير من الدعم الشعبي لها.
وفي هذه الحالة الجديدة من ضعف جماعة الإخوان المسلمين، كان من الطبيعي بالنسبة للأعضاء المحبطين أن ينظروا إلى الوراء للعام الذي كان فيه مرسي في القصر الرئاسي ويتساءلوا: أين كان الخلل؟، فقد انتهت هذه السنة باحتجاجات شعبية كبيرة، ثم التدخل العسكري،اعتقال آلاف الأعضاء، مصادرة ممتلكات الجماعة، والحملة الأمنية المستمرة حاليًا.
وقد أدت الانتقادات الداخلية إلى إطلاق العنان لتمرد داخلي غير مسبوق، في منظمة مبنية على مبدأ الطاعة المطلقة والانضباط الصارم، وكانت هذه إشارة على تغير المرحلة؛ حيث لم يحدث من قبل أن واجه قادة التنظيم مثل هذه المعارضة الداخلية من الأعضاء العاديين، وكان الانقسام الذي حدث في عام 1954 بين القادة البارزين في المستويات العليا للتنظيم وليس من قِبل أعضاء القاعدة العاديين، ولكن، كان هذا دليلًا واضحًا على التغير في طبيعة العضوية، ووزن حضور الطبقة الوسطى المدنية داخل التنظيم.
وقد وصل الصراع الداخلي، الذي كشفنا عنه في عددين سابقين عن نفس الموضوع، إلى ذروته في الفترة الأخيرة؛ حيث قرر “الحرس القديم”، بقيادة القائم بأعمال المرشد، أن يؤكدوا على دورهم ويحسموا الأمر مباشرة عندما انتخب أعضاء الجماعة هياكل للقيادة الجديدة، وكانت القضية الرئيسة التي أثارها الحرس القديم هي أنه من غير المناسب أن تكون هناك قيادة مزدوجة، وقد جاءت الانتخابات الأخيرة ببعض الوجوه الجديدة في المستويات التنظيمية المختلفة.
وقد فتحت الحقيقة القائلة بإن معظم كوادر الحرس القديم داخل السجن، الطريق لظهور قيادة “طبيعية” تمثل بديلًا واقعيًا وتملأ الفجوة الحاصلة، وإلى جانب البحث العميق عن أسباب فشل سنة حكمهم، سرعان ما انعكس ظهور قيادة بديلة على الهيكل التنظيمي للإخوان المسلمين.
وكانت قيادة الحرس القديم، متمثلة في محمود عزت القائم بأعمال المرشد، ومحمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الجماعة، وعبد الرحمن البر مفتي الجماعة من جهة، ومن جهة أخرى، كانت القيادة الناشئة البديلة، يمثلها محمد كمال، حسين إبراهيم، محمد وهدان، وغيرهم، وليس دقيقًا أن نفترض أن القيادة البديلة كان لديها أي مساحة حقيقية للتحرك من أجل الوصول إلى حل وسط مع الحرس القديم؛ والسبب هو أن الأعضاء الناشطين قد تمتعوا بدرجة كبيرة من الاستقلال خلال العام الماضي، ويبدو أنهم غير مستعدين للإقلاع عن ذلك، وخاصة الخضوع لقيادة أدت إلى حكم كارثي لمدة عام.
وعلى سبيل المثال، عندما أشار بعض أعضاء القيادة البديلة إلى رغبتهم في الوصول إلى تسوية، أعلن الأعضاء الناشطون أنهم ليسوا مهتمين بأي اتفاق من شأنه ألا يغير الحرس القديم تمامًا.
وذكر بيان، وقعه مجموعة من الأعضاء الشباب، “نحن لسنا أولياء لطرفي النزاع في القيادة، ولاؤنا فقط لمبادئ الجماعة، ولمحاربة النظام حتى النصر”. والآن، بالنظر لما يحدث في الجماعة القائمة على مبدأ “السمع والطاعة”؛ فهو مؤشر إلى أن الانقسام ليس شخصيًا، بل هو أعمق من ذلك.
والقضية الرئيسة لا تكمن فقط في طريقة الحرس القديم التي اتبعها في الماضي، ولكن أيضًا في التكتيكات التي ينبغي للجماعة أن تتبعها للخروج من الأزمة الحالية، حيث لا يريد الحرس القديم أن يحدث أي تغيرات كبيرة في طريقة عمله التي اتبعها على مدار العقود الماضية، بما فيها نبذ العنف (على الأقل على مستوى الخطاب)، بينما يريد الشباب التخلي عما يوصف بـ”الأوهام” واللجوء إلى خط أكثر تشددًا لا يستبعد العنف، شريطة أن يستهدف المسؤولين والمؤسسات الحكومية، وخاصة الأجهزة الأمنية والقضائية.
وفي الوقت نفسه، تراقب السلطات المصرية هذه التطورات عن كثب، وعلى المدى القصير، تعتقد القاهرة أن الانقسام وظهور خط أكثر تشددًا داخل الجماعة، مع دعوة مفتوحة للعنف، ليس أمرًا سيئًا؛ حيث يساعد ذلك في رفض ضغوط القوى الإقليمية والدولية للمصالحة مع الجماعة، ويعمق من عزلتها محليًا، ويسألون، لماذا يجب علينا أن نبدأ حوارًا مع منظمة تقتل أفراد الجيش والشرطة وتستهدف المنشآت العامة؟
والضغوط العربية على القاهرة معرضة للخطر بواسطة حجة المصريين المقبولة، وبعد كل هذا، لا تريد القاهرة أن تخرج الجماعة من ورطتها، أو على الأقل ليس في الوقت الحاضر.
والآن.. إلى أين سيؤدي هذا التمرد الداخلي؟
من ناحية المضمون، فمن الواضح للغاية أن لدينا كتلة جديدة من نشطاء الإخوان المسلمين الذين لا يلتزمون بالأساليب القديمة للقيادة التقليدية، وعلى الصعيد النظري، يمكن أن ينعكس هذا على شكل الجماعة من خلال انقسامها إلى كيانين.
ولكن النقطة الرئيسة هنا تكمن في أن جميع الأصول المالية أو السياسية التي تمتلكها الجماعة يمتلكها الحرس القديم بشكل كامل، ومن الممكن أن نفترض سيناريو ينقسم فيه القادة الكبار ليشكلوا جبهة أخرى للإخوان المسلمين وإن لم تكن أكثر راديكالية وعنفًا، ولكن مشكلة هذا السيناريو هي أن مثل هذا الكيان الجديد لا يمكن أن يستمر؛ حيث إن التنظيمات لا تقوم على حسن النية والطاقات الشخصية.
وإذا ما حدث هذا الانقسام، فسوف يتم دفع الجماعة إلى الوراء، كما كانت في الأصل، لعصر الستينيات؛ عندما لم يكن لها تقريبًا أي مشاركة في مصر. وهناك مجموعة معقدة من الظروف التي حدثت في السبعينات والتسعينات ساعدت الجماعة على كسر عزلتها وتمددها بشكل سريع، ولكن، على عكس ما يقال؛ فإن التاريخ لا يعيد نفسه.
والانقسام داخل جماعة الإخوان المسلمين سوف يعني عمليًا نهاية الإخوان المسلمين كما عرفناهم على مدار عدة عقود على الأقل، فالقيادة التقليدية، المعزولة مع عدد أقل من الأعضاء والمحرومة من أجنحتها المدنية، هي قيادة عاجزة حتى لو امتلكت جميع الأصول، وقاعدة حيوية بدون أدوات حقيقية سوف تختفي ببطء أو تنضم في نهاية الأمر إلى جماعات أخرى، مثل حزب مصر القوية الذي يرأسه عبد المنعم أبو الفتوح الإصلاحي السابق في الجماعة، والآن، يكافح أبو الفتوح أيضًا العنف بشدة.
ولكن السيناريو المحتمل حتى الآن على الأقل، هو أن الجماعة ستستمر في حالة الانقسام الداخلي الحالية لبعض الوقت، وسوف يحاول كل طرف جذب الطرف الآخر إلى صالحه، أو المضي قدمًا مع إهمال وجهات النظر المعارضة.
وكان أمرًا لافتًا للنظر اتباع الدكتور عزت خط المواجهة مع المتمردين، ويقال إنه قرر القيام بهذا عندما فشلت جميع المحاولات الأخرى لاسترضاء القادة الناشئين، ويرتكز رهان الحرس القديم على التحرك باتجاه موقف يمكّنهم من تحسين موقفهم التفاوضي مع القيادة البديلة.
ويحتاج احتواء هذا الانقسام إلى جميع الشخصيات “التاريخية”، الموجودة حاليًا في السجن، أن تخرج، وقد عرض كل من راشد الغنوشي، زعيم الإخوان المسلمين التونسي، ويوسف ندا، وزير مالية الإخوان المسلمين والمقيم في سويسرا، مؤخرًا، بعض المبادرات التي تهدف إلى تصالح الجماعة مع الحكومة المصرية.
ويبدو أن بعض قادة الإخوان المسلمين يفهمون، وهو في الواقع أمر صحيح، أن الجماعة مهددة بالانهيار من الداخل إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع مع السلطات المصرية.
وينطوي استمرار الوضع الراهن على مخاطر تقسيم الجماعة إلى جسد بلا أصول، وعلاقات دولية وأسماء معروفة، ورأس تمتلك كل هذا، ولكنها لا تمتلك قدرة كبيرة على التأثير في مجريات الأحداث.
المصدر: ميدل إيست بريفينج/ ترجمة: التقرير