تشهد الحركة الطلابية المغربية أزمة متعددة الأبعاد تعود لأسباب مختلفة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي، ورغم أن الثراء الفكري وتعدد الروافد الذي تعرفه الجامعة المغربية بين اليساريين والإسلاميين مرورًا بما بينهما، كان ليلعب دورًا إيجابيًا في الارتقاء بالوعي الطلابي، إلا أنه بات نقمة مع العجز عن ترشيده وتحوله إلى محرك للتقاتل الدائم في ساحات العلم والتبارز بالقلم.
وقد أعادت الأحداث التي شهدتها مجموعة من الجامعات المغربية نهاية الموسم الجامعي الماضي، الجامعة المغربية، إلى الواجهة الإعلامية، خاصة مع حادثة مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي، داخل كلية الحقوق في 25 أبريل الماضي، حادثة عرفت تغطية إعلامية غير مسبوقة خلفت موجة من الاستياء والتنديد واُعتبرت بمثابة ناقوس الخطر الذي تدقه جامعات المغرب مع ارتفاع حدة الاستقطاب الايديولوجي بين مختلف الفصائل داخلها.
وسارعت “منظمة التجديد الطلابي”، القطاع الطلابي لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، باتهام فصيل “النهج الديمقراطي القاعدي – البرنامج المرحلي” بـ”اغتيال” الشهيد الحسناوي الذي ينتمي إليها، وبعد قرابة السنة، أصدرت محكمة الاستئناف (درجة ثانية) في فاس، الخميس الماضي، أحكامًا بالسجن لمدة 15 سنة على 7 طلاب من اليسار المتطرف، وقضت بالسجن 3 سنوات بحق طالبين آخرين، بعد إدانتهم في هذه القضية.
قلق السلطة من ظاهرة العنف في الجامعة
مقتل الحسناوي لم يكن ليمر مرور الكرام، حيث تحول رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بنكيران، عبر طائرة خاصة في يوم أجازة، لحضور الجنازة، في بلدته في الجنوب الشرقي للمغرب، على بعد حوالي 600 كلم من العاصمة الرباط، مصحوبًا بوزير التعليم العالي والوزيرة المنتدبة في التعليم العالي، وقياديين وبرلمانيين من حزب العدالة والتنمية.
وقال بنكيران وقتها إن حضوره جنازة الحسناوي هو بمثابة رسالة من عاهل البلاد (الملك) شخصيًا، الذي “أعطى توجيهاته لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتصدي لظاهرة العنف في الجامعات المغربية”، وأن الدولة المغربية لن تسمح باستمرار العنف في فضاء الأصل فيه أن يكون فضاء للمعرفة والحوار.
العمق التاريخي للظاهرة
لم يكن مقتل الطالب عبد الرحيم الحسناوي الأول في سجل العنف في الجامعات المغربية، التي لا يخلو تاريخها ولا تاريخ الحركات الطلابية في المنطقة من العنف، خصوصًا منذ سبعينات القرن الماضي، حيث انطلق مسلسل العنف الطلابي بمواجهات بين طلبة يسارين راديكاليين وإصلاحيين، حول زعامة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي كانوا يعتبرونه الممثل الشرعي والوحيد للطلبة المغاربة في الداخل والخارج؛ مواجهات عكست صراعًا سياسيًا كان في أوجه خارج أسوار الجامعة في المجتمع المغربي بين من كانوا يؤمنون بالثورة طريقًا للتغيير، متهمين القوى الأخرى بالتحريفية والإصلاحية والتواطؤ مع نظام الحسن الثاني في السنوات التي درجت الأدبيات السياسية والحقوقية اليسارية على وصفها بـ”سنوات الرصاص والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، وبين التيار اليساري الاشتراكي الإصلاحي الذي يصف الجذريين بالمغامرين.
وكما هو الحال في باقي دول شمال أفريقيا، نضج الفكر الإسلامي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وحاول إنشاء تعبيرته الطلابية باعتبار أن رهان الجامعة لا يقل عن رهان الدولة، ومع ظهور اللاعب الإسلامي في الساحة الطلابية المغربية، اكتست المواجهات داخلها طابعًا جديدًا، حيث عرفت جامعة فاس سنة 1990 أول مواجهة مباشرة بين الطلبة القاعديين اليساريين والإسلاميين، واستمرت المواجهات في جامعات كانت تعتبر معقلاً لليسار الراديكالي كوجدة ومكناس ومراكش وأكادير.
والحدث الأبرز في هذه المواجهات بين الإسلاميين واليساريين كان سنة 1991 عندما عُثر على جثة الطالب اليساري المعطي بوملي مقطوع الشرايين بعد أن اقتلعت ضروسه وشوهت جثته، بمحيط جامعة وجدة، حينها اتهم طلبة جماعة العدل والإحسان بالمسؤولية المباشرة عن العملية، وتم اعتقال 12 طالبًا منهم، وأدينوا بـ20 سنة سجنًا نافذًا، بعدها بسنتين سقط الطالب اليساري القاعدي آيت الجيد محمد بنعيسى، في جامعة فاس سنة 1993، على يد منتمين للتيارات الإسلامية أيضًا.
ورغم جنوح أغلب الفصائل إلى التعبير عن رفض العنف، خاصة من طرف الإسلاميين واليساريين الإصلاحيين، ورغم انحسار الحضور اليساري في الكثير من الجامعات المغربية، لم ينته مسلسل المواجهات في عدد من الجامعات خاصة في فاس ومكناس ووجدة ومراكش خاصة بين الطلبة الإسلاميين وبين طلبة فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، الذين أخذوا على عاتقهم “مواجهة القوى الظلامية التي استحلت دماء الرفاق، ومقاطعتهم اجتماعيًا” والثأر لـ”شهداء الحركة الطلابية الماركسية”، متخذين من مقولة “العنف الثوري” سندًا أيديولوجيًا لممارساتهم.
وفي فترة لاحقة، أُضيف بُعد جديد للعنف الطلابي في الجامعة، فبعد الصراع اليساري – اليساري واليساري – الإسلامي، وبعد ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية كتيار جديد في الساحة الطلابية، شهدت الجامعات المغربية مواجهات بين هذا التيار وفصيل النهج الديمقراطي القاعدي في العديد من الجامعات خصوصًا في مكناس والرشيدية، وسقط ضحايا جراء هذه المواجهات وكان من نتائجها حتى الآن مقتل طالبين منتميين للنهج الديمقراطي القاعدي في جامعة مكناس في مايو 2007، وتم تحميل طلبة من الحركة الثقافية الأمازيغية المسؤولية، وحُكِم عليهم بعشر سنوات سجنًا، كما شهدت الجامعة المغربية مواجهات بين هذا الفصيل وطلبة ينحدرون من الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو.
محاولات صدها بالقانون
من المعلوم أن الحركة الطلابية في العالم وإن تشظت سرعان ما تتوحد لصد تدخل الأمن للساحة الجامعية وإن كان تحت راية ضبط الأمن، وعمومًا لا يمكن لتدخل الأمن إلا أن يزيد من درجة الاحتقان، ورغم القيود المفروضة على التدخل الأمني في الجامعات، يعتبر بعض المراقبين أن الدولة مقصرة بغضها الطرف عن المواجهات الدامية بين الفصائل الطلابية.
وقد حاول المشرع المغربي معالجة هذه الظاهرة بسن قانون يجرم العنف داخل الجامعة، سنة 2014، من خلال تفصيل عقوبة لكل فعل عنيف أو ساهم في إثارة العنف، حيث يتعرض مُرتكب العنف العيني، بحسب هذا القانون، إلى السجن من سنة إلى خمس سنوات، كما يتعرض المُساهم في العنف أو تعطيل الدراسة إلى عقوبات مادية في شكل غرامة مالية من 2000 درهم إلى 50000 درهم.
كما أشار القانون إلى أن كل من حرض بالجامعات أو الأحياء الجامعية أو المؤسسات التعليمية على التمييز العنصري أو على الكراهية أو العنف بواسطة خطب أو صراخ أو نداءات أو شعارات أو لافتات أو صور أو تماثيل أو منحوتات أو بأي وسيلة أخرى ضد طالب أو عدة طلاب أو أستاذة أو مسؤول إداري بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الدين أو الانتماء أو عدم الانتماء لتيارات فكرية أو بسبب اختلاف في المواقف الفكرية أو السياسية يعرض نفسه لعقوبة سجنية بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة مالية من 2000 درهم إلى 10000 درهم.
وقد وجِه هذا القانون بمعارضة حادة خاصة من الفصائل اليسارية، حيث اعتبرته تضييقًا على الحريات ومحاولة من السلطة لتدجين الجامعة.
ويتواصل العنف الطلابي
رغم البحث عن زجر مرتكبي العنف، تواصل هذا المشهد البائس داخل الجامعة، حيث أعلنت جمعية منظمة “التجديد الطلابي”، يوم الأحد، عن تدهور الحالة الصحية للطالب زكريا بطل، الذي تعرض لما قالت إنها محاولة اغتيال، السبت، أقدم عليها طلابٌ يساريون في جامعة فاس شمالي البلاد.
وقالت المنظمة المقربة من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة في المغرب، إن الحالة الصحية لعضوها زكريا بطل قد تدهورت؛ ما استوجب إعادة نقله إلى المستشفى الجامعي (حكومي)، ووضعه تحت المراقبة الطبية.
كما تحدثت المنظمة على أن نحو 6 طلاب إسلاميين تعرضوا للاعتداء خلال اليومين الماضيين، من قِبل طلبة يساريين متطرفين ينتمون لـ “فصيل البرنامج المرحلي”، مشيرة إلى أن حالة واحد من الطلاب الستة خطيرة، وأن طلبة ينتمون إلى الفصيل المذكور (البرنامج المرحلي)، يقومون عادة بأفعال متطرفة، حيث أجبروا مؤخرًا طلبة كليتي الآداب والحقوق بجامعة فاس، على مقاطعة الامتحانات من خلال تهديدهم باستعمال الأسلحة البيضاء.
وطالبت المنظمة السلطات باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الطلبة وضمان عدم تكرار هذا النوع من الحوادث، وكان فصيل البرنامج المرحلي اليساري، هاجم السبت، عددًا من الطلبة الإسلاميين في جامعة فاس، تزامنًا مع احتجاجات يقودها أعضاء الفصيل، عقب إدانة القضاء المغربي لعدد من زملائهم، اتهموا بقتل طالب إسلامي العام الماضي في نفس الجامعة.